ما هو القاسم المشترك بین “غزة” و “روژئاڤا”؟!
سؤال لا زال یراودنی منذ أن كننت طالبا فی الأعدادیة المركزية فی مدينة بغداد عام ١٩٦٨-١٩٧٠، حیث تعرفت حينذاك لآول مرة علی طلاب فلسطینیین منتمين إلی تنظيمات یساریة لا أذكر اسماءها. جرت بيننا فی ذلك الوقت مناقشات عديدة لكونی كنت مسۆلا عن التنظيم السري لإتحاد طلبة كوردستان بينما هم كانوا ينشرون بياناتهم علنا فی هذه المدرسة. وعندما كنت أحرجهم بأسئلتی حول كیفیة قبولهم استلام الدعم من الطاغیة صدام حسین الملقب حينذاك ب”السید النائب” لكونه كان نائبا لرئيس وزراء الحكومة العراقية و كان صاحب الأمر والنهی فی عراق ذلك الزمان.
علمت من هؤلاء الطلبة الفلسطینیین، وتعلمت منهم حينذاك، بأن نكبة شعب فلسطين شبيهة بنكبة الشعب الكوردی، فجوهر مشكلتهما كان ولا یزال یكمن فی كونهما شعبان یعیشان تحت الاحتلال و لا یملكان دولة خاصة بهما بالرغم من إعتراف الأهل والأصدقاء والأعداء كلهم بأنهما بستحقان التمتع بهدا الحق وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم ١٥١٤/الدورة ١٥ \ المؤرخ في ١٤ كانون الأول سنة ١٩٦٠ تحت عنوان (إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة)، إذ ینص القرار المذكور علی أن شعوب العالم متمثلة فی الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في ميثاق الأمم المتحدة عن عقدها العزم على أن تؤكد من جديد ايمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الشخص وقيمته، وبتساوي حقوق الرجال والنساء وحقوق الأمم كبيرها وصغيرها، وأن تعزز الرقي الاجتماعي وترفع مستوى الحياة في جو من الحرية……..على أساس احترام مبدأ تساوي جميع الشعوب في حقوقها ومن ضمنها حقها في تقرير مصيرها………. و إذ تدرك أن شعوب العالم تحدوها رغبة قوية في زوال الاستعمار بجميع مظاهره…الخ” (*).
هكذا تولدت فی فكری نظرية لازالت راسخة فی عقیدتی بأن الشعوب المضطهدة تحت الاحتلال تعيش فی ظروف متشابهة مهما اختلفوا فی العنصر أو الدين أو القومية أو المكان أو الزمان. وهذه الظروف تتصف بالعوامل المشتركة التالية:
١- سلطة الاحتلال تتمسك بكرسي الحكم اعتمادا علی حكم الأغلبية، و قوة خارجية، و وسيلة شوفینیة بجميع أنواعها العنصرية أو الدینیة أو المبدئية.
٢- الشعب المضطهد تحت الإحتلال یعیش فی حالة فقر وتأخر فی جميع الحقول العلمية والثقافية والإجتماعیة والإقتصادیة نتيجة لتعسف سلطات الإحتلال.
٣- القيادات السیاسیة التي تمثل رسميا الشعب المضطهد تحت الاحتلال منقسمة علی نفسها بسبب سياسة “فرق تسد” الإستعماریة السيئة الصیة.
هكذا كان و لازال وضع الحركة التحررية للشعبين الفلسطینی والكوردی متشابها منذ إحتلال فلسطين من قبل إسرائیل سنة ١٩٤٨ و كوردستان بعد تقسيمها وفق معاهدة سایكس پیكو سنة ١٩١٦.
بالرغم من إختلاف الحكم لسلطات الاحتلال فی أقسام كوردستان بین أغلبیة تركية فی تركيا، و فارسیة فی إيران، و عربية فی كل من العراق و سوريا، ألا أن هذه السلطات كانت ولاتزال متفقة فيما بينها فیما يتعلق بالكورد، أی أن هذه السلطات الشوفینیة فی مبادئها والطاغیة علی رقاب مواطنيها تستغل الأحزاب الكوردیة للتضارب بها فی خلافاتها وحروبها مع بعضها البعض، الأمر الذي غالبا ما يفتح المجال أمام القیادات الكوردیة للمساومة علی حقوق شعبها فی الحریة والاستقلال والقبول بالاحتلال حفاظا علی مصالحها الحزبية والشخصية لیس إلا. أما سلطة الاحتلال فی إسرائیل فبالرغم من كونها سلطة دیموقراطیة موحدة فی القومية والدين، ألا أنها كما هو الحال بالنسبة لسلطات الاحتلال فی كوردستان تتفاهم مع السلطات فی الدول العربية المختلفة التي تتلاعب بالقضية الفلسطینیة كما تفعل القيادات والأحزاب الكوردیة فی أقسامها المختلفة. وهذا الانقسام بین الأحزاب السیاسیة الكوردیة المختلفة، حالها حال الأحزاب المختلفة فی الحركة التحرریة الفلسطینیة، ینبع من سياسة الاحتلال أینما كانت ومهما إختلفت فی نظامها السیاسی. كما أن سلطات الاحتلال، سواء” كانت فی إسرائیل أو فی أیة دولة من الدول المحتلة لكوردستان، تجلب شرعيتها وقوتها من الدعم الخارجي الذي بدوره يحافظ علی إستمرار الاحتلال لحماية مصالحها.
عندما تطور العلم والتكنولوجيا وحولت العولمة العالم إلی قرية صغيرة یسهل فيها الإتصال والتواصل لم تعد سلطات الاحتلال قابلة علی إخفاء ظلمها وتعسفها علی الشعب سواء” كان فی فلسطين أو فی كوردستان، كما نری حاليا فی حرب إسرائیل علی غزة و حرب تركيا علی كوردستان. هذا ما سهل الإتصال والتواصل بین الشعبين الفلسطینی والكوردی. نری حاليا كیف تنجح المقاومة فی “غزة” و فی “روژئاڤا” لكونها فی الجهتين تتبنى مبدأ “المقامة هی الحياة”، تلك المقاومة التي تعتمد علی فلسفة علمية معاصرة تربی الأجيال علی بناء الشخصية السليمة للفرد إعتبارا من الطفولة لتكوین الشخصية المستقلة للأنثى كما للذكر فی جميع مراحل الحیاة. وهذا النموذج الإداري للمقاومة فريد من نوعه وقوی فی تكوينه و ناجح فی إدارته كما نری الآن فی “غزة” و رأيناها فی “روژئاڤا”:
(*( أقتباس من مقالة ل “فی یاكوپ” فی صفحة فيسبوك:
١٥\١٢\٢٠٢٣
** من ألأخر { ١: عزيزي د. عبد الباقاي بأي منطق غزة وروزأفا وجهان لعملة واحدة ، لربما في قيادتيهما اللتين تعملان ليس فقط لمصالحهما بل وايضا ضد مصالح شعبيهما ؟…٢: غزة طوال تاريخها لم تكن محتلة من اليهود بل من الغزاة الاعراب والمسلمين (مرة باسم القومية ومرات باسم الدين وبرضى حكامها) بينما الكورد كانو محتلين من قبل الغزاة الاعراب ولاكثر من ١٤٠٠عام رغم انفهم واسلامهم الذي لم يشفع لهم ؟…٣: نضال الشعب الفلسطيني سقط منذ تخليهم عن قوميتهم وطنيتهم وصيروه جهادا إسلاميا ، فإن كان اليهود غزاة فالاولى بالغزاة الجدد (المسلمين) أن ينقلعوا ويخرسو ، أم حلال فقط عليهم السلب والنهب والقتل والغزو والاغتصاب ، حقا إنه منطق الشاذين دينيا وعقليا ، سلام ؟
تحية طيبة
احد الأقلام النادرة جدا في هذا الزمن الرديء
الكتابة بتوازن وموضوعية عملة نادرة
أشد على يدك دكتورنا العزيز