الابتلاء مع الجهلاء- كامل سلمان

الجاهل إذا أراد أن يمتدح الحجاب بالنسبة للمرأة فأنه يقارنها بالمرأة العارية فيجعل العري مقياس لأهمية الحجاب وكأن الدنيا ليس فيها إلا العري أو الحجاب وينسى هذا الجاهل بأن المقصود بالحجاب دينياً غطاء شعر الرأس بقطعة قماش بينما العري هو عري الجسد ، فكيف أقنع الجاهل نفسه بهذه المقارنة ثم فرح بمقارنته ، فهذه مقارنة خائبة . . الجاهل إذا انتقدته يفهمها بمعنى أهنته ، لأنه يعرف بأن النقد إهانة ، وإذا مدحته يشعر بالعظمة والغرور ، وإذا سايرته بأفكاره مجاملة أو حقيقة أعتبرك سند وعضد له ، وإذا عاديته فإنه يبدع بالإنتقام منك ، ففي كل الأحوال يفهمك غلط سوا أكان بالنقد أو بالمدح أو بالمعاداة أو بالمسايرة والسبب وراء كل ذلك هو بناءه الفكري الخاطىء فكل ما بني على خطأ فهو خطأ . . . في عالم الحيوان هنالك بعض الحيوانات سهلة الإنقياد للإنسان وبعض الحيوانات صعبة الإنقياد ، والجاهل يحمل الصفتين سوية فهو سهل الإنقياد عندما تقوده إلى الطريق الخطأ وصعب الإنقياد عندما تقوده إلى الطريق الصحيح لأن الإنقياد إلى الطريق الخطأ يحافظ فيه على جهالته وعدم المساس بها والإنقياد إلى الطريق الصح فيه وجوب الخروج من جهالته وهذه معضلة كبيرة لا يتحملها الجاهل .. عندما يتنازع الجهلاء مع العقلاء فأنهم يحاولون النيل من العقلاء ومن سمعتهم ومن مكانتهم ويحاولون كسر شوكتهم تماماً عكس العقلاء الذين يتنازعون مع الجهلاء لينقذوهم من شرور الجهل ويعيدوهم إلى الحياة ، فالجهلاء لا يحاربون العلم بل يحاربون حملة العلم والعقلاء لا يحاربون الجهلاء بل يحاربون ذات الجهل ، لذلك فالعقلاء دوماً ضحية الجهلاء والجهلاء دوماً ضحية أنفسهم ، ولا يستطيع الجهلاء إدراك هذه الحقيقة مهما فعلوا لأن الحجاب الذي يمنع عقولهم من التحرر وإدراك الحقيقة حجاب حجري أستقر فوق هاماتهم ، فما زالت العصور الحجرية التي قرأناها في التأريخ قائمة إلى يومنا هذا عند كثير من الناس وهذه هي من أكبر تحديات الثقافة على مر العصور . . . الجاهل يلعن الشيطان الف مرة يومياً وفي مخيلته العاقل والمثقف والعالم يتجسد الشيطان فيهم ولا يدري بأن الشيطان الحقيقي هو ذلك الحجاب الحجري الذي يمنع عنه رؤية نور العلم ونور المعرفة . . . من الطرائف التي نصادفها في حياتنا ، تجد أن الكل يشكون من الجهل والجهلاء ومن ضمنهم الجهلاء أنفسهم يشكون من جهالة الآخرين حسب تصورهم وهذا يثبت بأن الجهل قوة خفية لا تظهر نفسها في عقول الجهلاء ، فالجهلاء يظنون بكل من يخالفهم الرأي فهو جاهل ، وكلنا نعرف بأن أفكار وآراء الجهلاء ثابتة وغير قابلة للتلاعب والتغيير إلا من قبل الشخص أو الجهة التي وضعتها في ادمغتهم ، فإن كان هذا الشخص قد رحل عن الحياة فهذا يعني بأن الأفكار التي زرعها في عقل الجاهل ثبتت للمات ، بينما العقلاء مقياسهم للجهل هو كل ما ينتج عنه الضرر للنفس وللمجتمع والعقل العلمي هو القادر بسهولة عن إبعاد هذا الضرر ومسبباته ، ورغم ذلك تتمسك الناس المغيبة عقولهم عنوة بهذا الضرر وتتحمل تبعاته لأن البديل الصحيح لا يستطيع الولوج إلى العقول المتحجرة و لا يفسح المجال له ليجد طريقه إلى العقول ، فقد حرمت عليهم المعرفة مثلما حرم النظر عن الأعمى ، فلا الجاهل يستطيع إدراك هذه المعلومة ولا العاقل قادر على إيصالها لعقل الجاهل ، وهذا هو سر بقاء الجهل يسرح ويمرح في عقول الناس دون أن يهزم بشكل نهائي . . . . لأجل أن نتعلم كيف نهزم الجهل من عقول الناس فلنتطلع إلى الطرق التي سلكتها الشعوب المتقدمة التي لم تدخر جهداً في العمل الدؤوب ليلاً ونهاراً لعشرات السنين وصرف الترليونات من الأموال لبناء المؤسسات البحثية والتعليمية والتربويّة والإعلامية وتوفير البيئة المناسبة لتقبل المعارف وتحسين سبل العيش والأهتمام الكبير بالصحة خاصة صحة الأطفال ، وهذا يدل على أن هزيمة الجهل ليست ببضع كلمات ونصائح وحكم أو بموعظة يلقيها واعظ أو بإستخدام السياط أو قال فلان وروي عن فلان فهذه الأساليب لم تزيل الجهل عن مجتمعاتنا منذ الاف السنين بل زادت من وتيرة الجهل حتى أصبحت صفة وراثية تنتقل منّ الآباء إلى الأبناء وإنما هزيمة الجهل يتم بالعمل الجبار الهائل الذي يستنزف الطاقات والأموال ولفترات زمنية طويلة فهي تضحية كبيرة من أجل إنقاذ الناس من مخالب الجهل ، هذه الترليونات من الدولارات والمدد الزمنية الطويلة وسهر الليالي والإصرار هي الفارق الملموس بين الشعوب المتخلقة الجاهلة والشعوب المتعلمة العالمة وسيبقى هذا الفارق قائماً ويتوسع مع مرور الزمن لأننا شعوب تريد أن تقضي على الجهل بطرق جاهلية !