لو سلمنا بالرأي الديني وبما تطرحه النصوص الدينية لوجدنا بأن الدنيا زائلة لا محالة وأن نهاية العالم قد تكون قريباً ، ولو سلمنا بالرأي السياسي وبما يحدث في العالم من حروب وتهديدات وأسلحة دمار شامل وحماقات سياسية فبمجرد قرار خاطىء من قيادة سياسية لدولة نووية ستكون كفيلة بنهاية العالم ، ولو سلمنا بالحقيقة الكونية وبما يحدث في الفضاء الخارجي من احتمالات اصطدام للنيازك ومن تأثير التغيرات المناخية على الأرض ومن امكانية تعرض كوكبنا لإصطدام كبير سنتيقن بأن العالم سيزول مع أية مفاجأة كونية وستكون النتيجة نهاية العالم ، ولو سلمنا إلى الأوبئة والأمراض وضيق الظروف الأقتصادية التي أصبحت مشكلة وزيادة الفقر وكثرة المشاكل وفساد المجتمعات وانتشار المخدرات سنعرف بأن العالم لا يمكن أن يستمر مع كل هذه المسببات لهلاك البشرية فهي نهاية العالم ، إذاً نهاية العالم قاب قوسين أو أدنى طبقاً للمعايير الدينية والسياسية والاقتصادية والكونية ، لكن قبالة كل هذه الأفكار والحقائق التي تزرع اليأس في نفوس الناس وتصيبهم بالإحباط الكبير حول نهاية العالم المحتملة الوقوع ، هناك من الناس من يعيش حياته و يرسم صورة المستقبل بشكل جميل ورائع متجاهلاً كل المخاوف وجاعلاً الإطمئنان والامان والخير هو الذي سيعم حياة البشرية مستقبلاً ، هؤلاء ليسوا بجهلة ولا بمغفلين ، هؤلاء هم أصحاب المعرفة والعلم والثقافة ينظرون للحياة من جانبها الإيجابي الجميل الواسع ويتخيلون المستقبل نور مشرق ويتخيلون الحياة حلوة وتستحق العيش ، هكذا فهموها وهم جادون في السعي إليها بكل قوة ، مشكلة هؤلاء المفكرون والفلاسفة ، أنهم لا تتوقف عقولهم عند حدود الخوف من نهاية العالم ، فهم متفائلون بلا حدود ، هؤلاء يمثلون الكفة الثقيلة في ميزان الحياة ولولاهم لكانت الحياة قد إنتهت قبل أوانها . أي فكر أو أية نظرية أو أي طرح يضع الإنسان في زاوية الخوف والقلق من المستقبل فهذا فكر غير صحيح وغير صحي مهما كانت مبرراته أو دلائله ، لأن الصح دوماً هو التفاؤل ، الفكر الديني الذي يجعل الحياة سوداوية مظلمة ، هو بنفس الوقت يعطي الإنسان الدافع لحب الحياة والعمل والتطور من أجلها وبناء الأسرة والتعلم ، فهي صفحات مختلفة داخل الدين يفهمها الناس حسب عقولهم ، المتشائمون يستوعبون فقط الجانب المظلم للدين بينما المتفائلون يستوعبون جانبها المشرق فهي خيارات متوفرة للجميع فالجانب المظلم له دواعيه والجانب المشرق له دواعيه ، وهكذا في عالم السياسة وفي الاقتصاد ودراسات الكون الخارجي والأوبئة وغيرها ، في كل مسالك الظلام هناك بصيص ضوء في النهاية ، وأن الذي يوقد هذا الضوء في نهاية النفق المظلم هم الفلاسفة والمفكرون والمثقفون واصحاب الحس الإنساني ، فالعالم لا يمكن أن يترك بيد الأشرار أو بيد المتشائمين فأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع منسوب درجات القلق عند الناس ، فالحياة بطبيعتها فيها مخاوف كثيرة وفيها ليل وفيها نهار وفيها برد وفيها حر وفيها الأشياء السيئة ومختلف الأشياء الحسنة فلا الأشياء السيئة تمحو الأشياء الحسنة ولا الأشياء الحسنة تلغي الأشياء السيئة ، وهذا الحال مستمر منذ ملايين السنين وحتى يومنا هذا ، معادلة ثابتة .
السذج من الناس هم فقط من يمكن سحب عقولهم نحو ظلام التشاؤم ، الحجب التي توضع على عقول السذج تمنع عنهم رؤية جمالية الحياة وتصور لهم بأن الدنيا منتهية والعبور إلى صوب الموت هو الصحيح ،،،، أن أصعب شيء يواجهه الإنسان في هذه الحياة هو إنه يعيش بتشاؤم وقلق وظلامية فيفقد السعادة ويقتلها في نفسه وفي نفوس الأخرين ، لو نظر كل واحد منا مع شروق شمس صباح كل يوم جديد إلى الورود وزينتها ويتمعن فيها جيداً لعرف بأن هذه الورود هي إبتسامات لنا نحن البشر لكي نعيش الحياة ونحبها لا ننبذها ، فهي لغة السعادة وكذلك جمالية السماء والخضار والبحار والانهار واستنشاق الهواء كلها دلالات للتفاؤل، فكيف يستطيع بعض الناس إقناع السذج بأن لا فرحة في الحياة ولا طعم لها ، حتى الحيوانات مع الطبيعة تعيش السعادة والاطمئنان ، حقيقة الحياة أكثر جوانبها تبعث على التفاؤل سقوط المطر تفاؤل ، مجيء فصل الربيع تفاؤل ، الزراعة والحصاد تفاؤل ، الحب تفاؤل ، النجاح تفاؤل ، لا أحد ينكر الأشياء التي تبعث على التشاؤم بإنها غير موجودة ، فهي موجودة ومصاحبة لنا منذ الأزل ولكن لا ينبغي أن نتركها تقود عقولنا فالعقول الطبيعية لا تتفاعل إلا مع الأشياء التي تبعث على التفاؤل لأن في حالة التشاؤم تكون العقول قد تحجرت ولم تعد تنفع ، فهل هناك إنسان رياضي أو أكاديمي أو عالم أو فنان أو غيرهم نال النجاح وهو متشائم ؟. يجب أن نعلم جميعاً بأن نهاية العالم تبدأ مع اللحظة التي نتوهم بها بأن العالم متجه للفناء . ولو أجتمع سكان الأرض كلهم على الاعتقاد بأن نهاية العالم قريبة جداً فأن الكائنات الأخرى من طيور وزواحف ونباتات وحيوانات متوحشة وحتى الحشرات ستقف بالضد من تفكير الإنسان واعتقاد الإنسان وتسخر منه وستستمر على طبيعتها لأن الحياة ليست ملك المتشائمين ولن تكون في يوم من الأيام مهما أحضروا من براهين ، فهؤلاء الذين يقودون السذج من آلناس إلى المحارق والموت بحجة أن الحياة زائلة ولا أمل في الحياة فهـؤلاء ليسوا حالة جديدة تمر على البشرية ، هؤلاء موجودون منذ بدأ الخليقة ولكن الجديد هو شيوع الجهل بين الناس مما شجع على تحرك المتشائمين وجعل السذج فريسة سهلة الاصطياد . رغم أن فكرة نهاية الحياة أحياناً تكون لها سند علمي ولكن يبقى طموح الإنسان ورغبته في الحياة هو الأمل الاقوى في العيش ، في التزاوج في التكاثر في البناء بكل ما يملك من طاقة وهذه هي الحالة السائدة عند اصحاب الوعي ولا يمكن أن يحيدون عنها وإلا ما تطورت العلوم ولا تطورت التكنلوجيا ولا إنتصر الإنسان على كوارث الطبيعة وما تقدم خطوة واحدة إلى الأمام .