عندم تجد الانظمة الدکتاتورية نفسها في مواجهة أوضاع صعبة أو خطيرة تهددها وجوديا، فإنها تعمل بکل ما بوسعها من أجل تجاوز تلك الاوضاع حتى وإن کان ذلك وفق اسلوب الهروب الى الامام والذي يعني قيامه بغض النظر أو تجاهل تلك الاوضاع بعد معالجة سطحية لها، لکن ذلك الامر أشبه بمن يضع قنبلة مٶقتة تحت وسادته من دون أن يعلم بأنه سوف يأتي يوم تنفجر به!
عودة الى الاوضاع في إيران في ظل النظام الدکتاتوري الحالي الذي يحکم البلاد بسياسة الحديد والنار، فإنه من المهم جدا هنا أن نشير الى أن المفترق الذي مهد لوصول النظام الى المرحلة الحالية التي يجد فيها نفسه محاطا من کل جهات وليس أمامه من أي منفذ أو مخرج ليتجاوز ويتخطى هذه المرحلة، وذلك کان تحديدا خلال عهد حسن روحاني، الذي کان يعمل أيضا من أجل المحافظة على النظام وتجميل وجهه الاستبدادي القبيح، ولکن إنتفاضتي 28 ديسمبر2027، و15 نوفمبر2019، اللتان حدثتا خلال عهده وکانتا ذات طابع سياسي واضح والاهم من ذلك إن منظمة مجاهدي خلق، الخصم والبديل الاقوى للنظام کانت تقودهما، فإن النظام وفي شخص الولي الفقيه علي خامنئي، قد شعر بقلق بالغ من جراء ذلك وأدرك بأن نظام في خطر ولاسيما وإن الانتفاضتين قد طالبتا بإسقاط النظام، ومن هنا فقد قرر خامنئي أن يلجأ الى سياسة الانکماش بتضييق دائرة الحکم وجعل الحبال کلها في يده وفي يد الدائرة المقربة منه.
هندسة الانتخابات والمجئ بالرئيس السابق ابراهيم رئيسي، وإبعاد تيار ما يسمى کذبا بالاعتدال والاصلاح، وجعل النظام کله بلون التيار المتشدد المحسوب على خامنئي نفسه، کان واحدا من أبرز وأهم محاولات خامنئي من أجل تجاوز الاوضاع الخطيرة وإنقاذ النظام من السقوط ولکن إندلاع إنتفاضة 16 سبتمبر2022، خلال عهد رئيسي، أثبت بأن عزم الشعب الايراني وقوته الوطنية الاساسية منظمة مجاهدي خلق، أقوى ما تکون من أجل إسقاطه وإقامة الجمهورية الديمقراطية، وإن هذه الانتفاضة قد جعلت خامنئي ونظامه يعيشون حالة من الرعب غير المسبوقة وهو ما دفعه الى القيام بالمغامرة النزقة الاخيرة بإشعال الحرب في المنطقة من أجل إنقاذ النظام والذي أکد على ذلك إن النظام أشاد وأثنى کثيرا على هذه الحرب حتى وصفها بالمدد الغيبي الذي جاء لإنقاذه من السقوط!
هذه الحرب الحمقاء التي هي أشد طيشا وجنونا من حروبه المارقة الاخرى التي أثارها، لم تکن کما تمنى وأراد خامنئي، ولاسيما وإن منظمة مجاهدي خلق ومنذ الايام الاولى حذرت من الدور المريب والمشبوه للنظام الذي يحاول الاصطياد في المياه العکرة من خلال إثارته للحروب ودعا للتصدي له وعدم السماح بأن يستغل نفوذه من خلال وکلائه لتحقيق مآربه المسمومة التي ليست في صالح الجميع بما فيه الشعب الايراني نفسه، إذ أن النظام يريد من خلال ذلك المحافظة على نفسه من السقوط، ولکن وکما إن سياسة الانکماش قد فشلت فشلا ذريعا وقدات النظام الى أوضاع أمر وأدهى من السابق فإن إثارة الحرب هذه أيضا قد وضعت النظام في عنق الزجاجة وصار اليوم أکثر من أي وقت آخر مهددا بالسقوط.