إنتخابات برلمان كوردستان – العراق؛ تحليل نفسیإجتماعی- د. عبدالباقي مایی

 

من الظاهر للعيان فی عملية التصويت لإنتخاب أعضاء البرلمان الجديد فی أقلیم كوردستان العراق إنها جرت فی هدوء وانتظام دون خروقات واضحة أو تناحرات كاسحة كما كانت تسود فی الإنتخابات السابقة، بالرغم من ظهور مسائل جديدة ذات طابع تكنیكی و محتوى مشكوك فی أمره، هذه إحدى الأمثلة:

إتصل بی صوت أنثوی مجهول علی هاتفی “كورك” مستفسرا عن إسمی الثلاثی ومتسائلا إن كان طبع أصابعی قد أظهرت خللا فی السابق. وعندما استفسرت منها عن سبب تساۆلها أجابت بأنها مكلفة من قبل الهيئة المشرفة علی الانتخابات لتبلغنی بأنهم وجدوا خللا فی طبع أصابعی بحيث یستحیل علی جهاز التصويت أن يقوم بقراءتها الأمر الذي یحرمنی من التصويت. وعندما أبدیت لها دهشتی وتشككی فی الأمر ظهر القلق علی نبرة صوتها وقالت بأنهم وجدوا حلا لأمثالی وذلك لمساعدتنا علی عدم فقدان حقنا فی التصويت، وذلك بدعوتنا للحضور مبكرا فی یوم التصويت بین الساعة السابعة وآلثامنة صباحا لمساعدتنا علی التصويت. أما كیف یجری هذا الحل ولماذا فی هذا الوقت فقط وغيرها من الأسئلة التي لم تكن لديها أجوبة عليها فما زاد الأمر إلا مزيدا من الشك والریبة فی مخیلتی. إنتهت المكالمة بطلبی منها أن تبلغ مسۆلیها بأننی أشم من هذه العملية رائحة التزوير أو التأثير علی التصويت علی الأقل.

تبين لی فيما بعد بأن هذه الانتخابات تجري بتكنيك جديد تحت إشراف الحكومة المركزية فلا حول ولاقوة لسلطات الأقلیم و أحزابها علی التدخل اللاقانونی فی الإجراءات المتعلقة بالتصويت وذلك لتجنب خطورة التزویر الذي جرت العادة أن تقوم به الأحزاب المجازة للدخول فی الانتخابات فی الإقلیم. وكانت هذه المعلومة كافية لتهدئة أعصابی و تقليل شكوكی حول إحتمالية نظرية المۆامرة التي كادت أن تكون التفسير الوحيد الذي سمعته من كل من حدثته بالحادث. و بالرغم من عدم تطبيق نظرية العالم الیهودی\الأمریكی (ارون أنتونوفسكی) علی وضعی النفسی فإن دخول الحكومة المركزية فی تنظيم هذه الدورة من إنتخاب برلمان كوردستان زودنی بالاطمئنان كما زود غیری من الأهل والأصدقاء الذين عرفوا بالأمر وجرى لهم أيضا ماجرى لی بل أكثر من ذلك. فمعظمهم كانوا قد توقعوا الكوارث بسبب قلة إحتمال فوز الأحزاب الكلاسیكیة فی هذه الإنتخابات، لكون الجميع يعلم بأن تجربة الأعوام الثلاثين لهذه الأحزاب فی السلطة قد جعلتهم يظهرون علنا بأنهم لا یمثلون الشعب، أما الوطن فتعتبره احزاب السلطة ملكا لها بجميع أراضيه و ممتلكاته ومكاسبه وثرواته ولا یحق لغیرهم المنافسة عليها أو علی كرسی الحكم، برلمانا كان أو حكوه‌مة أو أیة شركة أو جامعة أو منظمة أو جمعية أو وظيفة فی أجهزة الحكومة، مركزیة كانت أم تابعة للأقلیم.

ظهرت نتائج التصويت لتشير كالعادة إلی فوز الحزبين الرئیسیین فی الأقلیم وهما الحزبان اللذان يملكان لیس فقط قوات مسلحة خاصة بها من الپیشمه‌ركة و قوات أخرى من مخابرات وأمن وشرطة محلية وغيرها من القوات الخاصة التي تهتم بحماية الرئاسة الحزبية وليست الحكومیة، بل يملكان الحكومة ومافيها من هیئات ومدیریات و وزارات غيرها. و كذلك یمتلك الحزبان البرلمان فعلیا بغض النظر عن مكونات البرلمان و منتخبیه.

هل تستمر حالة إنفصام الشخصية لدی سلطاتنا المحلية فی أقليم كوردستان كما تعود عليها الشعب أم تدل حالة الهدوء والإستقرار فی هذه الانتخابات ونتائجها علی إستقرار نفسی لدی الشعب كما یتسم بها الحزبان الفائزان إلی درجة تجعلهم يعتبرون الشعب أتباعا ومرتزقة یعیشون علی حسنات الحزبين الرئیسیین فی الأقلیم؟! كيف لهذه السلطة أن تستمر فی الحكم بإسم الشعب وقد أثبتت فی جميع سنوات حكمها بأنها تمارس سياسة تجبر الشعب حتی علی دفع رواتبه لتأمين إستمرارها فی السلطة و الحكم، بالرغم من أنها تعقد الإتفاقات مع ألد أعداء الكورد وكوردستان انطلاقا من شعورها بالدونية التي بنیت عليها شخصيتها بسبب إفرازها كقيادة من خلال الكفاح المسلح، و بالرغم من أنها تنازلت تدریجیا عن أرض كوردستان جنوبا وشمالا، وتسببت فی نجاح مخططات الأعداء من سلطات الاحتلال و غيرها فی تنفیذ عمليات غسل الدماغ والحرب النفسية لأبناء شعبنا ما جعل الشعب يفقد تدریجیا الشعور بالإنتماء القومي والوطنی لیفضل الأعداء علی الأهل والأقرباء لغة و تجارة و زراعة و صناعة و ثقافة حتی تشمل الأغاني والموسیقی والأطباء و المستشفيات و المنتوجات التي یرسلها العدو ضمن مخططاته الفاشیة والشوفینیة التي تهدف إلی إبادة كل ما يتعلق بالكورد وكوردستان؟! أم هل أن هذه السلطة قد توصلت إلی القناعة بعدم كفاءتها فأصبحت ترضخ تدریجیا لشروط و مخططات الحكومة المركزية لكی تسترجع الأقلیم وذلك لإحتواء طفلها الرضیع وإرجاعه إلی حضن عائلته القديمة بعد أن فقد والدیه فأصبح یتیما يرجع إلی عائلته البديلة لكی يشعر بالأمن والاطمئنان؟!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *