للمرة الاولى يغير الكيان خططه الحربية، من الحروب الخاطفة الى حرب الاستنزاف، فبعد ان كان يخشى الحرب الطويلة يراهن اليوم على الوقت لكسب حربه في غزة ولبنان.
فما سرّ هذا التحول؟ .
تقوم عقيدة المعركة التي يخوضها الكيان حاليا في لبنان على استخدام اقصى درجات القوة واطالة امد النزاع الى حد الاستنزاف، وهو ما اوصت به اجتماعات مطولة لقادة الكيان عقدت بعد حرب تموز في 2006.
كانت دروس حرب تموز والتي تكبد فيها الكيان خسائر فادحة، حاضرة في اجتماعات قادته لتقييم سبب هزيمتهم.
وخلص المجتمعون الى ان قوة حزب الله تسنتد الى عناصر اساسية ثلاثة” قوة القيادة،والتلاحم مع الحاضنة والدعم الذي تلقاه الحزب باستمرار( حتى اثناء المعارك) من حلفائه في سورية وايران”.
وخلصت النقاشات في حينه لوضع خطة عرفت بـ”التطويق والاستنزاف” للقضاء على حزب الله بتجريده من عناصر القوة التي حققت له النصر في حرب تموز.
وبدأ قادة الكيان منذ 2010 بتنفيذ خطتهم، فبدأوا باثارة الفوضى في سورية واضعافها بحرب خطط لها بعناية.
وفي الجانب الخفي كان جهاز الموساد مدعوما بمخابرات دول عظمى ودول عربية يعمل على اختراق حزب الله بهدف الوصول الى قياداته، وتم ذلك بضربة ايلول الاستباقية المؤلمة والتي استشهد فيها قادة الحزب.
وبهذا تحقق عنصران من خطة الكيان الهادفة الى القضاء على عناصر قوة حزب الله، بينما ينفذ يوميا العنصر الثالث من الخطة باستخدام اكثر اسلحته تدميرا ضد المدنيين ومساكنهم ومزروعاتهم في الجنوب لخلق هوة بين الحزب وحاضنته.
في ظل ما تحقق شعر نتنياهو بغبطة جامحة، فهو يعتقد ان خزين حزب الله من الاسلحة والمؤونة لابد ان ينفد في وقت ما، طالما ان ظهر الحزب بات مكشوفا ولن تتمكن سورية او ايران من دعمه برا او بحرا او جوا.
فالوقت اذن في صالحه لذا يطيل امد النزاع آملا الوصول الى اليوم الذي لايجد فيها مقاتلو حزب الله صاورخا يطلقونه على المستعمرات في الكيان او يدمرون به دباباته ويستهدفون قطعاته.
لكن هذا الانتفاخ بالتفاؤل يصطدم بحقائق يبدو ان الخطة الاسرائيلية الهادفة الى التطويق والاستنزاف لم تأخذها بنظر الاعتبار .
فكما ان قادة الكيان خططوا وعملوا منذ هزيمتهم في حرب تموز على تجريد الحزب من عناصر قوته.
كانت قيادة الحزب تعمل بالمقابل لتدعيم مواجهة اخرى مع الكيان بعناصر مباغتة وقوة اضافية، آخذة بنظر الاعتبار احتمالات غياب القادة وانقطاع الامداد والمحاصرة الطويلة.
وعالج الحزب هذه التحديات بإجابات فاعلة اثبتت نجاحها حين تخطى الضربة القوية التي تلقاها بسبب غياب قياداته، اذ سرعان ما حل محلها قيادات اخرى اثبتت انها صلبة وقوية بما يكفي للصمود وتحقيق الانتصارات.
اما ما يخص الخزين الاستراتيجي من الاسحة والمؤونة فيكفي القول ان جبال الجنوب ومزارعه مليئة بالمخازن والانفاق التي تسد حاجة الحزب في قتال يستمر من الوقت ما يكفي لإرهاق الكيان والحاق الهزيمة به.
وتفاصيل الميدان تثبت هذا الكلام بملاحظة الخط البياني للمواجهة التي ينتهجها حزب الله منذ بداية العدوان على لبنان.
فصرنا نشهد دخول صواريخ بمديات مختلفة الى ساحة الحرب تباعا، حتى باتت كل مدن الكيان تحت رحمة صواريخ حزب الله بعد ان كان التهديد في البدايات مقتصرا على المستعمرات الحدودية.
هذا التصاعد فيه من الرسائل ما يكفي للاطمئنان ان حزب الله يخوض حربا استعد لها بدقة وسد كل ثغراتها ولايمكن للكيان ان يحقق النصر فيها.
في مقابل ذلك تعاني الجبهة الداخلية للكيان من انقسامات حادة ظهر بعضها على شكل اقالات غامضة وسريعة لكبار قادة الجيش، وتورط بعض المتنفذين بالخيانة، واتساع رقعة التظاهرات المطالبة بوقف الحرب ورحيل نتنياهو.
وهذه العناصر كلها لم تأخذها خطة” التطويق والاستفراد” بالحسبان فضلا عن عناصر اخرى مثل دخول اليمن وايران ساحة الصراع بشكل مباشر.