بريطانيا- نوفمبر 2024
الشريحة اليتيمة هي تلك التي تفتقر إلى التمثيل السياسي أو الاجتماعي الكافي، مما يجعلها تشعر بالعزلة والتهميش. هؤلاء غالبًا ما يعانون من نقص في الدعم والاعتراف من قبل المجتمع الأوسع، مما يؤدي إلى شعورهم بأنهم مهملون أو غير مرئيين. يمكن أن يكون هذا الوضع نتيجة لعوامل تاريخية، اجتماعية، أو سياسية تجعل من الصعب عليهم الحصول على حقوقهم والمشاركة الفعالة في الحياة العامة.
كل من يعرف الفيليين وطبعا الفيليين أنفسهم يدركون بان ما تم وصفه أعلاه هي صورة حقيقية للمكون الكوردي الفيلي داخل المجتمع العراقي.
من هم الفيليون؟
الجواب السريع-السطحي والذي يعكس الفكرة السائدة في الشارع العراقي هو انهم مواطنون إيرانيون يسكنون العراق منذ عقود ومع ذلك ضلوا محتفظين بجناسيهم الإيرانية تهربا لأداء الخدمة العسكرية. هذه الفكرة أيضا تنكر اصولهم القومية لانها تجردهم من هويتهم الكوردية مدعين ان الكورد في الإقليم لا يعترفون بكوردية الفيليين ويعتبرونهم شيعة.
الجواب الحقيقي هو ان الفيليون هم كورد قبل وبعد تأسيس الدولة العراقية! موطنهم الأصلي هو جنوب كوردستان ابتداء من كرمانشاه وخانقين شمالا الي حدود الخليج جنوبا. وجود الفيليين في الجزء الوسط والجنوبي من وادي الرافدين اقدم بكثير من تاريخ ولادة الدولة العراقية سنة 1923 لان هذه المنطقة كان يسكنها اجداد الفيليين من المانويين و العيلاميين واللولبيين والكاشيين والميديين الاف السنين قبل الغزوات العربية المسماة بالفتوحات والتي جاءت بعرب الجزيرة الي العراق في القرن الثامن الميلادي.
تقسيم كوردستان في القرن السادس عشر بين الفرس والأتراك وضع نصف الكورد (بضمنهم الفيليين طبعا) داخل حدود الإمبراطورية الصفوية والنصف الاخر ضمن الإمبراطورية العثمانية.
بعد اعلان الإنكليز لتأسيسهم دولة باسم العراق صار الفيليين الموجودين في العراق نوعين: حاملي الوثائق العثمانية وحاملي الوثائق الإيرانية. حاول ونجح الكثير من حاملي الوثائق الإيرانية التجنس في العراق رغم الممارسات الشوفينية العربية والمذهبية السنية التي كانت تعرقل معاملاتهم.
سنة 1981 استغل النظام البعثي السني الحرب ضد ايران لتسفير حوالي 600000 كوردي فيلي الي ايران وحجز ممتلكاتهم وتعريض شبابهم وشاباتهم الي المذابح الجماعية وهذه كانت بداية عمليات الانفال المشؤومة التي راح ضحيتها اكثر من 200000 كوردي.
بعد سقوط النظام العفلقي سنة 2003 , عاد الكثير من الفيليين المسفرين واللاجئين في ايران الي العراق تمكن الكثير منهم من تعديل الأمور المتعلقة بهويتهم العراقية وتعويضات جرائم التسفير وحجز الممتلكات رغم ان المعاملات المتعلقة بهذه الأمور كانت شديدة البيروقراطية وتعرضت لابتزاز الموظفبين والمسؤولين والمحامين.
حاليا يمكن وصف أوضاع الفيليين بالاستقرار ولكنهم كشريحة اصيلة عراقية مهمشين وهلاميين نظرا لان الناطقين باللهجة الفيلية اصبحوا نادرين وتمثيلهم السياسي والبرلماني والإداري صفر ومستقبلهم يؤشر الي زوالهم كشريحة لغوية وقومية كوردية.
أسباب الوضع “اليتيمي” للفيليين
لا يوجد إحصاء رسمي لعدد الفيليين في وسط وجنوب العراق وهذا غير مستغرب لأنه يصب في خانة تيار كبير من العراقيين المتحمسين لفكرة الهوية القومية العراقية لهذا ينعتون المطاليب القومية الغير العربية بالعنصرية والطائفية والحقيقة ان هذين النعتين مستعملة فقط ضد الكورد.
مع ذلك، واستنادا الي الرقم الرسمي الصادر عن الأمم المتحدة لعدد المسفرين الفيليين في الثمانينيات أي 600000 ونظرا لوجود اعداد مماثلة او اكثر من هذا الرقم من اللذين لم يشملهم عمليات التسفير لشتى الأسباب، يمكن اعتبار عدد الفيليين اكثر من مليون ونصف مليون مواطن.
بغض النظر عن الرقم الانف الذكر وسواء كان الفيليون في العراق يقدرون بالملايين أو بالآلاف فإن ذلك لن يغير شيئا من قضيتهم الرئيسية وهي أن الدولة العراقية منذ تأسيسها اهملت حقوق الكورد الفيليين ! كان ينبغي على الدولة العراقية الحفاظ على هوية الفيليين القومية واللغوية اسوة ببقية المكونات العراقية مثل التركمان والاشوريين والارمن والمندائيين واليزيديين واليهود. ففي حين تم السماح لتلك الاطياف في الاحتفاظ بلغتهم وطقوسهم وتقاليدهم، ضل الفيليون مجردون من هذه الحقوق وحتى منبوذين لكونهم كوردا ومن اتباع المذهب الشيعي.
رغم ان حقوق القوميات والمذاهب والاعراق معترف بها في المحافل الدولية بضمنها الأمم المتحدة وان معظم دول العالم تقر هذه الحقوق في دساتيرها، الا ان عدد غير قليل من هذه الدول تستعمل طرق ملتوية لتجنب الإقرار بهذه الحقوق مثل العراق وتركيا وايران وإسرائيل والصين.
طريق الخلاص:
هنالك طريقتان للحفاظ على الحقوق القومية واللغوية لاية مجموعة عرقية سواء من الناحية النظرية او العملية:
- الإقرار بهذه الحقوق في دستور الدولة وتطبيقها.
- او مطالبة المجموعة العرقية في دسترة وتطبيق هذه الحقوق في حالة تلكؤا الحكومة من تطبيقها.
وفي العراق لا يوجد في الدستور أي مادة تهدف إلى حماية الحقوق القومية واللغوية للفيليين، لهذا فهم مجبورون على خوض نضال سياسي من اجل اجبار الحكومة على تحقيق ذلك. وبما ان الممارسة السياسية لا يمكن عمليا تنفيذها الا من خلال حزب سياسي لهذا يصبح الفيليون مجبرين على انشاء حزب فيلي لتحقيق طموحاتهم وتجنب الزوال من قائمة الاطياف العراقية.
لسوء الحظ ولسوء الأحوال الاجتماعية والسياسية المحيطة بهم، باءت كل محاولات الفيليين لحد هذا اليوم بالفشل!
- في العهد الملكي (1923-1958) اقتصر نشاط الفيليين فقط على انشاء حسينية ومواكب عاشوراء شيعية. المدرسة الفيلية شيدت في محلة عكد الاكراد في بغداد وزالتدريس فيها طبعا كان باللغة العربية والمناهج لا تختلف عن مناهج المدارس العراقية الاعتيادية.
- في العهد القومي والبعثي (1958-2003) لم يقم الفيليون باية مبادرة تذكر نظرا للأجواء الاستبدادية والقمعية السائدة حينئذ.
- اما في الفترة ما بعد السقوط (2003- الي اليوم) , فقد شكل الفيليون اكثر من عشر منظمات شبه سياسية البعض منها كانت تتصرف وكانها أحزاب رغم عدم حيازتها على دساتير ومناهج توضح أسباب قيامها وأهدافها ومبادءها ولا كانت لديها أنظمة داخلية ولا تم الاعتراف رسميا بهم كما هو الحال مع الأحزاب العراقية الأخرى والبالغة عددها 235 حزبا. هذه المحاولات كانت خجولة في مجملها ولم تستمر طويلا لأنهم اختفوا بمرور الزمن.
لهذا يمكن الجزم بان الفيليون فشلوا في عرض قضيتهم لانهم فشلوا في إقامة حزب سياسي قادر على توحيدهم تحت راية واحدة وهدف واحد.
أسباب فشل الفيليون في إقامة حزب سياسي:
هذا الفشل هو انعكاس لمزيجً معقدً من الأسباب الاجتماعية والسياسية والنفسية كما هو مبين ادناه:
- اعتقادهم الخاطئ بان الأحزاب الكوردية في الإقليم ليست فقط ملزمة على حل قضاياهم وانما هي قادرة على تنفيذ هذه الطموحات! هذا الاعتقاد ليس فقط اعتقاد خاطئ بل يشكل احد الأسباب التي أدت الي غياب المبادرة الذاتية الفيلية لحد مشاكل هذه الشريحة.
- الاعتقاد الخاطئ بان تشكيل حزب سياسي غير ممكن بدون وجود تمويل مالي! هذا الاعتقاد يعكس افتقار الفيليين إلى الثقة بقدراتهم المالية الذاتية وان تكلفة انشاء حزب سياسي في عصر الانترنيت لا يكلف شيئا يذكر لا من ناحية العنوان ولا المراسلة والاجتماعات ولا الاعلام لان كل ذلك ممكنة التطبيق مجانا من خلال التكنولوجيا الحديثة (الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي والمراسلة).
- الاعتقاد الخاطئ بضرورة وجود دعم سياسي عراقي او خارجي! الإجابة لهذا الاعتقاد مشابه للإجابة السابقة وفي كل الأحوال فان تشكيل حزب جماهيري واسع الانتشار سيقلل كثيرا احتياج الفيليين الي الدعم السياسي الخارجي.
- قد يعتقد بعض الفيليين بان ولادة حزب فيلي سيخلق ردود افعال رسمية وشعبية داخل العراق لان التخوف من احتمالية تكرار عمليات التهجير والحجز والانفال ليست بعيدة عن مخيلاتهم المستقبلية.
- فشل المنظمات الفيليّة السابقة في تحقيق أي شيء يذكر أحبطت امالهم المستقبلية وخلقت نفورا وابتعاد عن اية توجهات لفكرة الحزب الفيلي.
- نزعات الانسلاخ عن القومية الكوردية عند بعض الجهلة الفيليين القصيري النظر أضعفت الثقة الجماعية وخلقت نوع من الازدواجية في التفكير: كيف يمكن للفيلي المؤمن من اعماقه بهويته الكوردية ان يجرد هذه الشريحة من أصولها الكوردية.
- التهميش الرسمي من قبل الحكومة والأحزاب العراقية لاي نشاط او تمثيل فيلي سواء في الماضي او حاضرا.
- \واخيرا وليس اخرا, الدور الإيراني السلبي من وراء الكواليس في احباك اية مساع فيلية لتسييس هذه القضية وانشاء حزب فيلي! ايران تخاف من تسييس القضية الفيلية اكثر من العراق لان عدد هذه الشريحة في ايران اكثر بكثير مما هم عليه في العراق.
النتائج المترتبة على غياب حزب فيلي:
غياب حزب سياسي يعبر عن طموحات الفيليين في العراق قد يفضي إلى نتائج سلبية مستقبلاً تؤثر على دورهم ومكانتهم وحتى وجودهم ككيان اجتماعي وسياسي كما هو موضح ادناه:
- استمرار التهميش السياسي: سيبقى الفيليون بلا تمثيل حقيقي في الحكومة والمؤسسات السياسية، مما يعني استبعادهم من صناعة القرارات المؤثرة على حقوقهم وقضاياهم.
- ضياع الحقوق: ستظل طموحات الفيليين اللغوية والقومية مهملة نتيجة غياب جهة منظمة تطالب بها بشكل فعّال.
- تآكل الهوية: غياب الحزب سيؤدي إلى انصهار الفيليين في “بودقة الانصهار العربية” وفقدان خصوصيتهم الثقافية والقومية واللغوية على المدى البعيد. الواقع ان هذه النتيجة الكارثية تجري على قدم وساق منذ الثمانينيات كرد فعل مباشر للخوف الناتج من عمليات التهجيروالحجز والانفال البعثية.
- ضعف التأثير المجتمعي: استمرار تشتت الفيليين كما هو الحال في الوقت الراهن سيضعف قدرتهم على تحقيق أي مكاسب سياسية أو اجتماعية مشتركة.
- استغلال القضية: الأطراف الخارجية، (الشيعية اوالكوردستانية)، ستستمر في استغلال الفيليين كأداة سياسية لتحقيق مأربهم الحزبية واحباط أي مساع فيلية لإقامة حزب فيلي.
- الإحباط والاغتراب: الشعور بالظلم والتهميش قد يدفع الشباب الفيلي نحو العزلة أو الهجرة خارج العراق، مما يضعف الوجود الفيلي في البلاد على المدى الطويل.
- غياب الحزب يعزز الفوضى وتعدد الدكاكين السطحية المشبوهة او الجاهلة والتي تهدف الي ذر الرماد ف العيون وابعاد الكورد الفيليين عن فكرة الدفاع عن شريحتهم من خطر الانصهار اللغوي والقومي.