قبل أن نتكلم عن الشعب اليهودي – العبري، دعونا نقول شيئاً عن قوم العرب. إن هؤلاء القوم لديهم وحدة قياسية عجيبة غريبة في العالم، لم ولن ولا تجد مثلها إلا عندهم، في قاموسهم، وهي: إنهم يدعون مُلكية كل شبر من الأرض وصلتها حوافر خيولهم إبان الغزو!!!
الآن نأتي إلى اليهود الشعب الذي قال عنهم القرآن في سورة الجاثية آية 15: ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين. لو نريد أن نفهم الكلام الذي جاء في القرآن يعني أن الله أعطاهم كل شيء. أليس ما فيه إسرائيل وشعبها من قوة ومن خيرات التي يأكلون من فوقهم ومن تحت أرجلهم تحقيق لهذه الآية الكريمة؟ آية واضحة لا تحتاج إلى تفسير وتحليل. وفي النهاية قال لهم القرآن بصريح العبارة: أنتم اليهود فوق جميع البشر، لأنه فضلهم على عموم البشرية دون استثناء.
لماذا أنا أستشهد بالقرآن، لأنه أهم وأول كتاب مقدس عند المسلمين والإسلاميين، وتحديداً عند المسلم الملتزم، والمنظمات الإسلامية بسنتها وشيعتها. إن الخروج عن أي حرف أو أية كلمة أو اية جملة من القرآن بعلم منك يوقعك في المحذور الديني، أي: إن آخرتك تكون وخيمة. دعونا الآن نرى ماذا يقول القرآن عن حق الشعب اليهودي – العبري في الوجود على الأرض التي يقفون عليها اليوم. إن القرآن في سورة المائدة آية 21 يقول صراحة: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين. إن تفاسير المسلمين تقول: إن هذه الأرض هي طور وما حولها. يعني جبل الطور وما حوله، يعني سيناء؟ وهناك من المفسرين من يقول هي الشام. والشام يقول المفسرون المسلمون: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن. وقال آخرون هي أرض أريحا. هنا نسأل: هل أن كل هذه الأرض التي حددها القرآن تابعة لإسرائيل اليوم؟ بالطبع لا ربما أقل من 10% منها أسس عليها دولة إسرائيل. ثم، عن كلمة لا ترتدوا على أدباركم. أي: لا يجوز لكم أن تتراجعوا أبداً، يجب عليكم دخول أرض الميعاد، وإلا تنقلبوا خاسرين. والخاسر في لغة القرآن نتيجته الخلود في النار. يعني أن الله أجبرهم من دخول أرض إسرائيل واستيطانها.إذا مفهوم الكلام غير هذا الذي نقوله، فليقولوا لنا ما معناه، لكن دون اللعب بالكلمات.
وفي آية 104 في سورة الإسراء يقول القرآن: وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض … . يقول المفسر الطبري: الأرض هي أرض الشام. وأرض الشام في ذلك التاريخ حسب علمي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين مجتمعة، وربما أكثر من هذه بكثير. لأني قرأت عن أرض الشام قيل هي: تبدأ من السواحل الشرقية للبحر الأحمر وتنتهي إلى سواحل بحر الروم (بحر الأبيض المتوسط) وإلى حدود العراق وحدود بلاد العرب وحدود بلاد الترك.
وفي سورة الأعراف آية 137 يقول القرآن: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا… . يقول العلامة الطبري: أي: أورثهم الشام. وسبق وقلنا أن الشام تعني سوريا ولبنان وفلسطين وبلدان أخرى.
وفي سورة البقرة آية 40 يقول القرآن: وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا … . يقول المفسرون المسلمون: القرية هي بيت المقدس. أمرهم الله بدخولها والسكن فيها.
وفي سورة الأعراف آية 161 يقول القرآن: وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية. يقول شيخ المفسرين الطبري: إن هذه القرية هي بيت المقدس.
إن كل هذه الآيات القرآنية وغيرها كثر تقول: إن الله منح اليهود هذه الأرض. وقبل القرآن كتاب اليهود التوراة قال نفس الكلام. هو الآخر منحهم الأرض في آيات واضحة وصريحة. لا أدري لماذا هذا التكابر وعدم الانصياع لآي القرآن والأحاديث النبي محمد بن عبد الله (ص).
ثم لاحظ هذا الحديث النبوي، إسناده صحيح، الراوي عبد الله بن عمر، تفسير القرطبي، يقول: أنَّ سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خِلالاً ثلاثةً: (سأل الله عز وجل) حُكماً يصادف حكمه، فأوتيه، وسأل الله عز وجل مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فأتيه، وسأل الله عز وجل حين يفرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحدٌ لا ينهره إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه، فأوتيه. تفسير القرطبي – رقم الحديث :5/207 – أخرجه النسائي (693)، وابن ماجه (1408) إلخ.
وفي التوراة في سفر التكوين 15/18قال الرب لأبرام: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى نهر الكبير، نهر الفرات. وفي سفر التكوين أيضاً آية 17/8 قال الرب: وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان مُلكاً أبديا. وأكون إلههم.
وقبل بزوغ فجر الإسلام، لا بل قبل يسوع المسيح له المجد، تعرض الشعب اليهودي – العبري إلى القتل والدمار على أيدي أولئك الأوباش، الذين سموا بالآشوريين، الذين حسب سفر النبي ناحوم في التوراة انتهوا من الوجود نهائياً سنة 612 ق.م. لكن قبل فنائهم وتحديداً عام 720 ق.م. حاصروا مملكة يهوذا ودمروا عاصمتها (أورشليم) وسبوا شعبها إلى أرض الكورد التي كانت واقعة تحت حكم هؤلاء الآشوريون، وبقي هؤلاء اليهود فيها لأكثر من 2000 سنة، حتى أنهم أنشأوا مدينة في أرض الكورد – كوردستان وباقية هذه المدينة إلى الآن واسمها (بيتواته). وكان ولا يزال هؤلاء اليهود موضع احترام وتقدير الشعب الكوردي. وبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 بدعم وإرادة المجتمع الدولي عادت غالبيتهم العظمى إلى وطنهم الأم إسرائيل.
عودة للماضي البعيد. وفي عام 595 ق.م. غزا البابليون بقيادة سنحاريب أرض مملكة يهوذا وسبوا أهلها اليهود إلى بابل، وجرى ما جرى لهم على أيدي البابليون من ظلم وقهر واضطهاد، حتى جاء الميديون والفرس واسقطوا الحكم البابلي وحرروهم وأعادوهم إلى وطنهم الأم مملكتي يهوذا وإسرائيل.
وبعد هؤلاء البابليين… جاء الروم من أقاصي الأرض واضطهدوا اليهود أيما اضطهاد. وهكذا فعل بهم المسلمون بعد الإسلام، احتلوا بلادهم وكبلوهم بسلسلة مواثيق مذلة لهم كبشر وصاروا من أهل الذمة، وفرضوا عليهم زي خاص بهم حتى يعرفوا أن هؤلاء يهود، حتى أمروهم بأن سروج خيولهم يجب أن لا تشبه سروج خيول المسلمين، ووضعوا علامات على بيوتهم تميزهم عن بيوت المسلمين، بعد كل هذا هدموا معابدهم وساووا قبورهم مع الأرض وأغلقوا مدارسهم إلخ.
وفي العصر الحديث، من لا يتذكر سنة الفرهود التي قُتل فيها اليهود ونهبت أموالهم وممتلكاتهم على أيدي العرب المسلمون. حتى صارت عادة سائدة في البلدان العربية إذا تأخذ أموال أحدهم بالقوة يقول لك: شنوا قابل ما يهودي. وبعد مجيء حزب البعث المجرم إلى دفة السلطة هو الآخر أعدم مجموعة من اليهود ليس لشيء سوى أنهم يهود لا غير.
وقبل حزب البعث المجرم اضطهدهم ذلك النازي المدعو “هتلر” وقتل منهم الكثير دون رحمة. وفي النهاية أيقظ صوت عذابهم المجتمع الدولي الذي سمح لهم بإعادة تأسيس دولتهم التاريخية إسرائيل على أرض الميعاد. إلا أن هذا لم يرق للعرب، أو الأصح للناطقين بالعربية، رفضوا قرار المجتمع الدولي وقالوا سوف نرمي اليهود بالبحر!!! لكن لم يتحقق لهم ما أرادوا، إلا أنهم عاودوا الكرة مرات عديدة، إلا أنهم في كل مرة كما بينا أعلاه أن إرادة التوراة والقرآن هي التي انتصرت، وبقيت هذه الدولة الصغيرة شامخة وتشق طريقها يوماً بعد الآخر بمزيد من التقدم والتطور في جميع مجالات الحياة.
في نهاية هذا المقال أسأل: باستثناء دولة السويد العظيمة، لا توجد دولة على كوكبنا الأرضي أن كانت في الشرق أو في الغرب وتعيش فيها جالية يهودية لم تُضطَهَد من قبل شعوبها. فعليه، إن اليهود كما عموم شعوب الأرض له كل الحق أن يكون له دولته الوطنية أسوة بعموم شعوب الأرض التي لها أوطان.
أرجو أن لا يفهم مضمون هذا المقال خطأ. أنا فاهم الحياة هكذا: إن كل مجموعة بشرية تملك تاريخاً على رقعة أرض محددة من حقه الطبيعي أن يقيم عليه دولته القومية، إن كانت هذه المجموعة البشرية يهوداً أو عرباً أو كورداً أو قبطاً أو آرامياً أو فرساً أو أو أو إلخ.
“لا توجد قيمة أخلاقية أعظم من الإنسانية” (كيرت فونيغوت)
24 11 2014