،حق الشعب الكوردي في سوريا: نضال مستمر من أجل العدالة والكرامة – أزاد خليل 

الشعب الكوردي، أحد أقدم شعوب المنطقة، يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين، لكنه ما زال يعاني من الاضطهاد والإنكار في بلدان قُسمت على يد قوى الاستعمار في اتفاقية سايكس بيكو. في سوريا، التي تضم جزءًا من كوردستان التاريخية، يواجه الكورد تحديات جمّة تهدد وجودهم، رغم أن قضيتهم تتجاوز حدود سوريا، لتكون قضية عدالة وحقوق إنسان على مستوى المنطقة بأكملها.

التاريخ لا يُمحى

الكورد ليسوا طارئين على هذه الأرض، بل هم سكانها الأصليون الذين أسهموا في صنع حضارتها. إنكار هذا الوجود لا يمحو الحقيقة، بل يعمّق الجرح القومي ويغذي مشاعر الاحتقان. سوريا اليوم تقف على مفترق طرق، ولا يمكن بناء مستقبل مستقر دون معالجة القضية الكوردية بطريقة عادلة وشاملة، تعترف بالكورد كشعب وقومية لها حقوقها المشروعة.

الدور التركي في سوريا: محاربة الوجود الكوردي

منذ بداية الثورة السورية عام 2011، سعت تركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية، إلى التدخل في الشأن السوري لتأمين مصالحها. لكن هذا التدخل لم يكن فقط لضمان نفوذها السياسي، بل لتدمير أي نواة لحكم كوردي محلي أو إدارة ذاتية. تركيا تتهم الكورد السوريين بالولاء لحزب العمال الكوردستاني، مما يبرر، في نظرها، استخدام القوة ضدهم واحتلال مناطقهم.

شهدنا هذا التدخل في معارك عديدة، من احتلال عفرين ضمن عملية “غصن الزيتون”، إلى عمليتي “درع الفرات” و”نبع السلام”، التي أسفرت عن تهجير مئات الآلاف من الكورد، وتغيير ديموغرافية المناطق ذات الأغلبية الكوردية مثل رأس العين (كري سبي) وتل أبيض. تركيا تستمر بفرض أجندتها تحت غطاء محاربة “الإرهاب”، لكن في الواقع، هدفها هو القضاء على أي تطلعات كوردية للحكم الذاتي.

القضية الكوردية: حق وليست تهديدًا

منذ عقود، يعاني الشعب الكوردي في سوريا من الإنكار والتهميش. حُرموا من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حق التعلم بلغتهم الأم وحقوق المواطنة. اليوم، ومع تصاعد المطالب بالحريات والديمقراطية، يواجه الكورد تحديات جديدة تتمثل في محاولات القوى الإقليمية، وخصوصًا تركيا، لإخماد أي أمل في نيل حقوقهم.

الكورد ليسوا انفصاليين ولا تهديدًا لوحدة سوريا، بل هم جزء من نسيجها الوطني. مطالبهم تتلخص في العيش بكرامة ضمن نظام حكم لا مركزي أو فدرالي، يضمن حقوقهم ويحترم خصوصيتهم القومية. إن الحلول المركزية التي فُرضت بالقوة عبر عقود من حكم الأسد الأب والابن لم تؤدِ إلا إلى مزيد من القهر والتمزق، بينما يشكل الاعتراف بحقوق الكورد جزءًا أساسيًا من تحقيق السلام والاستقرار.

القضية الكوردية في السياق الإقليمي

رفض الدول الأربع التي قُسمت فيها كوردستان (تركيا، إيران، العراق، وسوريا) لأي شكل من أشكال الحكم الكوردي لم يُنتج إلا المزيد من المعاناة. الممارسات العنصرية والاستبداد ضد الكورد أشعلت نيران الغضب القومي، ودفعت الشعب الكوردي للنضال من أجل حقوقه. إذا كانت فلسطين قضية العرب المركزية، فإن القضية الكوردية هي قلب النضال القومي للكورد، وهم يستحقون الدعم لتحقيق حريتهم.

الحل: عقد اجتماعي جديد

الحل العادل للقضية الكوردية في سوريا يكمن في بناء عقد اجتماعي جديد يحترم حقوق الجميع، ويضمن مشاركة الكورد كشركاء في بناء سوريا المستقبل. نظام حكم لا مركزي أو فدرالي ضمن وحدة سوريا يمكن أن يكون أساسًا لتحقيق السلام. على سوريا الحرة أن تحترم حقوق كل مكوناتها، وأن تبتعد عن سياسات التخوين والتمييز.

رسالة للكورد وللعالم

الكورد ليسوا مذهبًا أو طائفة، بل قومية أصيلة لها ثقافتها ولغتها وتاريخها. إن إنكار هذا الحق لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعصب والصراعات. الشعب الكوردي في سوريا قدم الكثير من التضحيات، وهو مستمر في النضال من أجل حقوقه المشروعة.

القضية الكوردية ليست قضية انفصال، بل قضية عدالة وكرامة. الكورد لا يطلبون أكثر من حقهم في العيش بسلام على أرضهم التاريخية، والمشاركة في بناء مستقبل ديمقراطي، يعزز القيم الإنسانية التي يتطلع إليها جميع السوريين. سوريا الحرة لن تكون حرة بحق إلا إذا ضمنت حقوق كل مكوناتها، وعلى رأسهم الشعب الكوردي.

مع خالص المحبة والتقدير

أزاد خليل

كاتب وباحث سياسي سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *