أجاب خامنئي علانيةً في 8 مارس 2025، رداً على رسالة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بشأن إجراء مفاوضات بالرفض. فلماذا هذا الرفض؟ ألم تكن سياسة ” التفاوض” إحدى أدوات سياسة هذا النظام لضمان بقاء الديكتاتورية؟
قال خامنئي: “إن بعض الحكومات القوية تصر على التفاوض. وتفاوضهم ليس لحل القضايا، بل للهيمنة. التفاوض بالنسبة لهم وسيلة لطرح مطالب جديدة. فالقضية ليست مجرد قضية نووية حتى يتحدثوا الآن عن القضايا النووية. إنهم يطرحون مطالب جديدة، وهي مطالب لن تجدَ لها استجابةً من جانب إيران على الإطلاق”.
ما هي الحقيقة؟
أولى الحقائق هي أن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران يعيش في أضعف نقطة من وجوده، نظراً لأن هذا النظام يواجه أزمات لا تُحصى على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث تحتل أزمة “الإطاحة” رأس قائمة هذه الأزمات. ولهذا السبب يتهرب من التفاوض مع أي طرف خارجي؛ لأنه يعلم أنه لم يعد هناك مخرج له ليواصل الخداع أكثر من ذلك ويجد من يصدق أقواله. إن رفض خامنئي لـ “التفاوض” هو نتاج وثمرة الظروف الراهنة للنظام الديني المتهاوي لولاية الفقيه.
عند النظر إلى العام الماضي، نجد أن هذا النظام قد فقد أيضًا الديكتاتورية الحاكمة في سوريا، بشار الأسد، وقواته بالوكالة في المنطقة، ولا سيما حزب الله. ونتيجة لذلك، فقد أيضاً “الهلال” الذي كان يرسمه ويعمل على استكماله، ويفقد المزيد منه يومًا بعد يوم!
الوضع الضعيف والهش!
ما يراه خبراء الشأن الإيراني أكثر أهمية هو الوضع الهش والمتزعزع والضعيف للغاية للديكتاتورية داخل حدود إيران. وهذا ما يعلمه علي خامنئي قبل أي شخص آخر. ففي أي لحظة، يمكن أن تسقط هذه الديكتاتورية على أيدي الشعب الإيراني ووحدات المقاومة، حيث قد تكون “شرارة” واحدة كافية لبداية هذا المصير الحتمي. لذلك، فإن النظام الديكتاتوري الديني الحاكم في إيران يرى نهايته قبل الجميع، ويعيش كل يوم لحظات “هلاكه” المحتوم.
بالتوازي مع اقتراب سقوط الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، أفلتت سياسة “التفاوض” أيضًا من قبضة هذا النظام، وهو يتهرّب من الخوض فيها. في سياسة هذا النظام، تكون المفاوضات جيدة عندما تكون في اتجاه بقاء هذا النظام. ربما تكون المفاوضات حول “القنبلة الذرية” هي أفضل مثال على ذلك. لقد أساء النظام الإيراني استخدام هذه السياسة إلى أقصى حد ممكن فيما يتعلق بـ”الأسلحة الذرية” و”المشاريع النووية”.
خامنئي عدو التفاوض!
أليس الواقع أن هذا النظام كان يهدف من وراء هذه السياسة، بالتوازي مع تطبيقها، إلى حيازة “السلاح النووي”، ورهن مصائر شعوب العالم الأخرى؟! لذلك، فإن مصير “سياسة التفاوض” لنظام الملالي في الماضي يشهد على حقيقة أن الديكتاتورية الحاكمة في إيران هي عدو لـ “التفاوض”؛ لأنها حتى النخاع معادية للتعايش السلمي والسلام والأمن في المنطقة والعالم.
قال خامنئي في خطابه: “يقولون: لا تفعلوا كذا، ولا تلتقوا بفلان، ولا تذهبوا إلى مكان الفلاني، ولا تنتجوا الشيء الفلاني، ولا يجب أن يتجاوز مدى صواريخكم الحد المحدد”. وهذا هو هدفهم من التفاوض”. كما أضاف: “إنّهم يكررون اسم التفاوض أيضًا، وذلك لخلق ضغط على الرأي العام، قائلين: “الطرف الآخر مستعد للتفاوض، فلماذا لستم مستعدين؟”. وأضاف خامنئي على الفور، قائلاً: “هذا ليس تفاوضًا، إنه إملاءٌ وقهرٌ، بالإضافة إلى جوانب أخرى لا مجال لبحثها هنا الآن”.
مع اقتراب زمن سقوط الديكتاتورية في إيران، تخرج “أدوات السياسة” واحدة تلو الأخرى من يد هذا النظام. الشعب الإيراني يرفض الديكتاتورية في بلاده. لقد أطاح بديكتاتورية الشاه، وها هو الآن حاضر في الساحة لإسقاط الديكتاتورية الدينية. إنه شعب لم يكل ولم يستسلم فحسب، بل أصبح أقوى وأكثر تجهيزًا وخبرة واستعدادًا! لقد عانى الشعب الإيراني من حكم الاستبداد الملكي والاستبداد الديني.
دونالد ترامب يطلب التفاوض مع خامنئي
جاءت تصريحات خامنئي بعد أن قال الرئيس الأمريكي في مقابلة مع قناة “فوكس بيزنس” المتلفزة التي بُثت في 7 مارس 2025، حول المشروع النووي لنظام الملالي: “هناك طريقتان للتعامل مع إيران. إما عسكريًا، أو التفاوض. وأنا أفضل التفاوض؛ لأنني لا أسعى إلى الإضرار بإيران. لقد كتبت لهم رسالة قلت فيها: آمل أن تقبلوا بالتفاوض؛ لأنه إذا اضطررنا للتدخل عسكريًا، فسيكون ذلك شيئًا مروعًا لهم”. وكان ترامب قد أعلن قائلًا: “لقد وصلنا إلى المراحل النهائية مع النظام الإيراني، ونحن الآن على مشارف النهاية تمامًا. ولا ينبغي السماح لهذا النظام بالحصول على السلاح النووي. إنّني أرجّحُ إبرام تسويةٍ سلميةٍ على الخيار الآخر، غير أنّ الخيار الآخر سيحل هذه المشكلة كذلك”.
المواجهة الرئيسية تدور داخل إيران!
الآن، وبعد مرور أيام قليلة على إعادة طرح “التفاوض”، نشهد استمرار هذه المواجهة الحسّاسة والخطيرة.الآن، بعد مرور عدة أيام على إعادة طرح موضوع “التفاوض”، نشهد استمرار هذه المواجهة الحساسة والمصيرية. خامنئي، الذي يحاول الالتفاف حول المواجهة الرئيسية بين النظام الديني والشعب الإيراني، ويحاول التظاهر بأن الشعب الإيراني يقف في صف الولي الفقيه! بينما يعلم الجميع جيدًا أن رعب خامنئي الحقيقي هو من إسقاط النظام الديكتاتوري الديني على يد الشعب والمقاومة الإيرانية.
رعب خامنئي من التفاوض مع أمريكا
قال خامنئي في 12 مارس 2025: “نحن هذا العام أقوى مما كنّا عليه العام الماضي!”. وأضاف في هذا الخطاب، مشيرًا إلى الإدارة الأمريكية الجديدة: “إن الدعوة إلى التفاوض والتعبير عن الرغبة فيه ليسا سوى تضليلٍ للرأي العام…إلخ. لن يفضي الحوار مع الإدارة الأمريكية إلى إلغاء العقوبات، أي أنه لن يرفعها فحسب، بل سيزيد من إحكام قبضة الحصار، وسيزيد الضغط. إن التفاوض مع هذه الإدارة سيزيد الضغط… إلخ. إنهم يطرحون مطالب جديدة، وتوقعات جديدة، ومطالب جديدةً مُبالغًا فيها، وستصبح المشكلة أكبر مما هي عليه اليوم. لذلك، فإن التفاوض لن يحل أي مشكلة، ولن يفك أي عقدة”.
الكلمة الأخيرة!
إن يقظة الشعب والمقاومة الإيرانية واستعدادهما لأداء دور محوري في التطورات القادمة المتعلقة بإيران، أمرٌ ضروري ومُلح في هذه الظروف المصيرية. والآن، تتجه أنظار جميع أفراد الشعب نحو المقاومة الإيرانية ووحدات المقاومة المنتشرة في جميع أنحاء إيران. وما هو مؤكد ولا يمكن إنكاره هو أن سقوط الديكتاتورية وإقامة جمهورية ديمقراطية في إيران سيصبح حقيقة قريبًا!
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني