يقول كارل ماركس ((الرأسمالية ستجعل كل الاشياء سلعا، (الدين، الفن والأدب) وستسلبها قداستها، وهذا ما نراه اليوم خصوصا بفعل العولمة وتطور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنلوجيا الحديثة والعقل الاصطناعي وغيرها من أدوات العصر، وأنا أضيف لما ذكره ماركس حتى الرياضة وخصوصا كرة القدم أصبحت سلعة تجارية وفقدت كونها وسيلة لتقارب الشعوب وزرع روح المحبة والمنافسة الشريفة بين فرق الدول، بل دخلت التجارة والربح وكم سنحصل من هذه اللعبة وهذه الفرق وهذه النوادي وهؤلاء اللاعبين وهذا الملعب… الخ
لست عدوا لكرة القدم بل أنا أيضا من المعجبين بها، لكني لست مولعا بها لحد الجنون، فقد أصبحت كرة القدم اليوم الشغل الشاغل للشباب في كل مكان، بل تحولت إلى هوس حتى في داخل العوائل…
ما حفزني لهذه المقالة هو لي شاب أعرفه عن قرب، قال لي نصاً ((عمو أنا أعرف كل أسماء لاعبي الفرق المهمة وحياة كل منهم، وليس فقط لاعبي ريال مدريد وبرشلونا، أعرفهم أكثر مما أعرف أبناء عشيرتي وعمومتي…..))، وهو يتابع كل صغيرة وكبيرة، أي لاعب تم بيعه من قبل ناديه وأي نادي اشتراه، وأراه مهووساً بمتابعة أمور النوادي واللاعبين والمباراة والدوريات لكرة القدم في أوربا وغيرها.
اليوم للأسف تحولت الرياضة وخصوصا كرة القدم بالإضافة لكونها تجارة رابحة، إلى أداة سياسية أغراضها متعددة، فمن خلال الضخ الإعلامي الكبير والبذخ المالي على الفضائيات التلفزيونية الرياضية الكثيرة جدا ناهيك عن البرامج الرياضية في جميع الفضائيات، وتمتاز تلك الفضائيات المتخصصة بالإبهار والإخراج المتميز مما يجذب المشاهدين وخصوصاً الشباب، ويغريهم بالتعلق بالمشاهدة والمتابعة المستمرة، ويشغلهم عن مهام اجتماعية كثيرة بل حتى عن دراستهم ويبعدهم عن التفكير في أمور بلدهم وخصوصاً الأمور السياسية والتضامنية، لذلك تجدهم مهمومين بشؤون كرة القدم قبل أي هم آخر.
لذا تسعى الدول الرأسمالية والامبريالية إلى صرف المليارات لإشغال الشباب بكرة القدم وتقدم النجوم بأشكال فنية وممسرحة جذابة، كذلك نرى كثرة النوادي وكثرة الدوريات ففي كل بلد كذا دوري، وفي كل منطقة كذا دوري وللفئات العمرية كذا دوري، ناهيك عن كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية التي يهتم الجميع فقط بكرة القدم أكثر من الألعاب الأخرى المهمة والتي فعلا نجد فيها تنافسا لتحطيم أرقام قياسية في العديد من الألعاب الجميلة، كرة القدم لم تعد موسمية بل يوميا عشرات بل مئات المباريات ويتابعها الشباب بحرص واهتمام وهوس غير طبيعي.
كما تستخدم الملاعب للإعلانات التجارية بل حتى اللاعبون يرتدون ماركات معينة من الملابس أو فيها شعارات لشركات أو مؤسسات تجارية ربحية على ملابسهم، بل هنالك ظاهرة مرافقة لافتة للنظر حسب ما ورد لسمعي بأن هنالك رهانات تجري علنية وشبه علنية على من سيغلب وكم نتيجة المباريات، حتى في العراق يجري ذلك في مقاهي مخصصة عند كل لعبة مهمة، أي أصبحت المباريات مجالا للبعض للعب القمار، وهذه أمور خطيرة تنتهي بمشاكل اجتماعية مختلفة.
أما ظاهرة الاحتراف فما هي ايجابياتها لو هذا اللاعب تم انتقاله لناد آخر بعد انتهاء عقده ليدفع له أكثر وسيلعب في الموسم القادم ضد النادي السابق الي كان يلعب معه، وهكذا نسمع كل يوم ان هذا اللاعب سيتم انتقاله إلى نادي كذا مقابل كذا ألف أو مليون دولار، أجد ذلك لا معنى له، وبالنتيجة لربما سيأتي يوما ما شخص غني يؤسس ناديا جديدا يستقطب كل المهارات الموجودة ويشتريها للنادي وبالتالي سيكون الفريق الأول وبإمكانه الاستحواذ على أفضل اللاعبين وبالنتيجة هنالك سوق لبيع وشراء اللاعبين تحت بند الاحتراف ويتقدم على النوادي العريقة المعروفة عالميا… فأين روح التنافس الرياضي من هذه الظواهر…!!!؟؟؟ وأين الرياضة من ذلك كونها تنافسا ايجابيا بين طرفين، هنا التنافس المالي والتجاري هو الأساس وليس الرياضي، كون الرياضة حب وطاعة واحترام كما تعلمناها منذ الصغر.
البعض من الأصدقاء قال لي أنها المتنفس الوحيد لنا، فلماذا لا نعطيها كل هذا الاهتمام….؟؟
ولربما أعطيه الحق ولكن، إلا يحق لنا دراسة هذه الظاهرة من الناحية الاجتماعية والسياسية ونحمي شبابنا من الهوس المبالغ به، وليهتموا بأمور حياتهم قبل كل شيء، ونوفر لهم فرص العمل ومنافذ لقضاء أوقات فراغهم بشكل أفضل ونوسع المراكز الثقافية في مختلف المجالات والنوادي الرياضية الحديثة في كل مكان كالمسابح وكمال الأجسام والركض وغيرها من أصناف الرياضة، وتبقى الهواية لكرة القدم محمية بحدود المعقول.
ألا ترون معي بأن كرة القدم أصبحت أفيون الشباب ليس في العراق وحده بل في معظم دول العالم…. الجواب لكم.