تحليل صوت كوردستان:
تدخل تركيا في سوريا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان يحمل بين طياته أبعاداً تاريخية وسياسية عميقة، تتجاوز مجرد الصراع الإقليمي أو المصالح الجيوسياسية المباشرة. يمكن قراءة هذا التدخل كجزء من استراتيجية طويلة الأمد تستهدف استعادة النفوذ العثماني الذي فقدته الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين، وخاصة بعد الثورة العربية الكبرى عام 1916 التي قادها الشريف حسين بن علي ضد الحكم العثماني. هذه القراءة تُظهر أن أردوغان يستخدم الإسلام كشعار مشترك مع الدولة العثمانية لتنفيذ مشروع سياسي يتمحور حول الانتقام من الفكر القومي العربي، بدءاً بسوريا التي تحمل مدلولات سياسية قومية واضحة.
1. الثورة العربية الكبرى: جرح عثماني لم يندمل
- الثورة العربية الكبرى (1916) كانت لحظة فاصلة في التاريخ الحديث للمنطقة، حيث أدت إلى إنهاء الحكم العثماني في الحجاز وبلاد الشام والعراق. هذه الثورة، التي قادها الشريف حسين بن علي بالتحالف مع بريطانيا، مثلت ضربة قاضية للدولة العثمانية، خاصة بعد خروجها من الجزيرة العربية والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.
- بالنسبة للأتراك، الذين يعتبرون أنفسهم الوريث الشرعي للدولة العثمانية، فإن هذه الثورة تمثل نقطة انكسار تاريخية لا تزال تلقي بظلالها على السياسات التركية حتى اليوم.
- الثورة لم تكن مجرد صراع ضد الحكم العثماني، بل كانت أيضاً تعبيراً عن الهوية القومية العربية التي بدأت تتشكل ضد سياسات القمع والتهميش التي مارستها الدولة العثمانية. هذه الهوية القومية أصبحت فيما بعد حجر الزاوية في تشكيل الدول العربية الحديثة، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً لأردوغان الذي يسعى إلى إعادة إحياء “الإمبراطورية العثمانية” تحت شعار الإسلام.
2. أردوغان ومشروع “العثمانية الجديدة”
- أردوغان يستخدم الإسلام كأداة أيديولوجية لإعادة بناء النفوذ التركي في المنطقة. هذا النهج يعتمد على فكرة أن الإسلام كان الأساس المشترك بين العرب والأتراك خلال فترة الدولة العثمانية، وبالتالي يمكن أن يكون أساساً لاستعادة هذا النفوذ.
- لكن هذا الشعار ليس سوى غطاء سياسي لمشروع قومي تركي يهدف إلى توسيع نفوذ أنقرة في العالم العربي، بدءاً بسوريا التي تعتبر مركزاً تاريخياً ورمزياً للقومية العربية.
الانتقام من الفكر القومي العربي
- الفكرة القومية العربية التي ظهرت كرد فعل ضد الحكم العثماني تُعتبر عند أردوغان تهديداً مباشراً لمشروعه السياسي. لذلك، يبدو أن تدخله في سوريا هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض الفكر القومي العربي واستبداله بنظام سياسي يعتمد على الإسلاموية المتطرفة.
- دعم أردوغان للجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا، مثل هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، يعكس رغبة في إعادة تشكيل سوريا كدولة دينية تابعة لأنقرة، مما يجعلها أداة لتحقيق أهدافه السياسية.
3. سوريا: نقطة البداية نحو الحجاز؟
- سوريا ليست مجرد دولة بالنسبة لأردوغان؛ إنها تحمل رمزاً سياسياً وثقافياً للقومية العربية. كما أنها كانت جزءاً من الدولة العثمانية، وبالتالي فإن استعادتها تمثل خطوة أولى نحو تحقيق حلم “العثمانية الجديدة”.
- من خلال دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا، يحاول أردوغان إضعاف الفكر القومي العربي وإعادة تشكيل الهوية السورية بما يتماشى مع مشروعه السياسي.
الحجاز: الهدف النهائي؟
- إذا نجح أردوغان في سوريا، قد تكون الخطوة التالية هي الحجاز، موطن الحرمين الشريفين ومهد الثورة العربية الكبرى. الحجاز يحمل أهمية رمزية وتاريخية كبيرة للأتراك، الذين يعتبرون أنفسهم الوصي الشرعي على التراث الإسلامي.
- استخدام الإسلام كشعار مشترك يجعل من السهل على أردوغان تقديم نفسه كزعيم للمسلمين، بينما يعمل في الواقع على تحقيق أهداف قومية تركية.
4. الجولاني: أداة أردوغان لتحقيق أهدافه
- الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، ليس سوى أداة في يد أردوغان لتحقيق أهدافه السياسية. من خلال دعمه للجماعات الإسلامية المتطرفة، يضمن أردوغان سيطرته على المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات، مما يجعلها أداة لتوسيع نفوذه.
- هذا التعاون ليس قائماً على أيديولوجية مشتركة فقط، بل أيضاً على مصالح متبادلة: الجولاني يحصل على الدعم العسكري والسياسي، بينما يستخدم أردوغان الجماعات الإسلامية لتحقيق أهدافه الاستراتيجية.
التناقض بين القومية والإسلاموية
- الجولاني يحافظ على اسم “الجمهورية العربية السورية” ليكسب شرعية لدى القوميين العرب، بينما يعمل على بناء دولة دينية متطرفة. هذا التناقض يعكس دوره كأداة في يد أردوغان، الذي يستخدم كل الأيديولوجيات عندما تخدم مصالحه.
5. الخلاصة: بين التاريخ والسياسة
تدخل أردوغان في سوريا ليس مجرد استجابة للظروف الجيوسياسية، بل هو جزء من استراتيجية تاريخية تهدف إلى استعادة النفوذ العثماني الذي فقدته الدولة العثمانية بعد الثورة العربية الكبرى. باستخدام الإسلام كشعار مشترك، يحاول أردوغان الانتقام من الفكر القومي العربي الذي كان السبب الرئيسي في انهيار الحكم العثماني، بدءاً بسوريا التي تحمل رموزاً قومية عربية واضحة.
هذا المشروع، الذي يعتمد على توظيف الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام، في إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع أحلام “العثمانية الجديدة”. وإذا نجح في سوريا، قد تكون الخطوة التالية هي الحجاز، حيث تكمن أهمية رمزية وتاريخية كبيرة للأتراك لا تقل عن أهمية سكة الحديد لدى السلطان عبد الحميد الى مكة و ربط أسطنبول بالحجاز. .
في النهاية، يبدو أن أردوغان يستعيد تاريخ الدولة العثمانية ليس من خلال الحوار والتعاون، بل من خلال الانتقام والقوة، مما يجعل من الصعب تحقيق استقرار حقيقي في المنطقة.
اردوغان ليس له مبدأ ولا عقيدة سوى البقاء بالحكم باي ثمن، يُعتبر التمسك بالسلطة أولوية كبرى لدى رجب طيب أردوغان، حيث شهدت مسيرته السياسية تحولات كبيرة، تضمنت تخلّيه عن حلفائه السابقين واتخاذه قرارات مثيرة للجدل لضمان استمراره في الحكم.