الكرد ولعبة الدول الكبرى- بيار روباري

 

الأحداث الأخيرة الكبرى، التي شهدتها كردستان بأجزائها الأربعة، تؤكد وبشكل قاطع بأن الكرد ليس لهم حلفاء في هذا العالم، وأن القضية الكردية رهينة بيد الدول الكبرى، وهي من تقرر مصيرهم، والكرد لا حول لهم ولا قوة. وهذه الدول تاجرة بقضيتهم مرة إخرى عندما إستخدمتهم كوقود في حربهم ضد تنظيم داعش، الذي كان يسعى لبسط نفوذه على المنطقة برمتها، وفرض ايدلوجيته الإسلامية الراديكالية، على قاطنيها من الكرد والعرب وسواهم. ولم يكن يهدف الى قتل الكرد وإقتلاعهم وبدليل أنه سيطر على مناطق كردية اسلامية ولم يتعرض لهم، وإنما تعرض للمكونات الغير اسلامية كالكرد الأيزيديين والمسيحيين القاطنيين في هذه المنطقة، إضافة للغربيين العاملين فيها أيضآ، لأسباب عقائدية خاصة بهم.

ونتيجة قيام تنظيم داعش بتفجيرات في العديد من الأوروبية، وقتل مواطنيها بوحشية لا نظيرها لها في كل من سوريا والعراق، وتهديد مصالحه في هذين البلدين، حول الغرب إهتمام من مقارعة النظام الأسدي، الذي إنتفض في وجهه الشعب السوري برمته بأذار عام 2011، مطالبآ بإسقاطه ومحاسبة المسوؤلين عن قتل المواطنين السوريين الأبرياء. فهنا وجد الغربيين وعلى رأسهم ضالتهم في الكرد، وأعني بذلك مقاتليهم. وهنا يجب أن نميز بين الكرد “العراقيين” و “السوريين”.

الكرد “العراقيين” كانوا يتمتعون بإقليم فدرالي خاص به، ومعترف به من قبل الأمم المتحدة، وأكثرية دول العالم. وهولير كانت تضم العديد من البعثات الدبلوماسية على مستوى القنصليات. وكان يعمل المئات من الشركات الغربية والتركية في الإقليم، لهذا

هبت الدول الغربية للدفاع عن مصالحهم ومواطنيهم، عندما هدد تنظيم مدينة هولير عاصمة الإقليم، بعد وصله الى أطرافها الجنوبية، بعد سيطرته على مدينة الموصل العراقية.

وفي هذا الأثناء توافد العديد من الزعماء الغربيين الى هولير، وأعربوا عن دعمهم للكرد وقدموا بعض أنواع الأسلحة، تمكنهم في الدفاع عن أنفسهم مقابل تنظيم داعش المتوحش. ولكنهم لم يقدموا للكرد أي قطعة سلاح ثقيل أو طيران أو صواريخ، وكل ما تم تقديمهم بعض الصواريخ ضد المدرعات، ولم يعطى ذلك للإقليم إلا بعد موافقة بغداد أي الحكومة المركزية، والتشاور معها سلفآ!!!! مذا يعني ذلك؟ يعني أن الغرب لم يغير موقفه من الكرد، وكان ينظر اليهم على أنهم جزء من العراق، وكانوا يغلبون الدولة العراقية على الكرد.

هنا وقعت القيادة الكردية المتمثلة في البرزاني وأبنائه وصهره، أن ذلك دعم لهم وللكرد في وجه الحكومة العراقية، وهذا الفخ الذي وقع فيه بسبب عدم قدرته على قراءة مواقف الدول الغربية بشكل صحيح، ووقع ضحية شر أفكاره الخرافية، وخاصة تضخمت ذات الأنا عنده بعد سيطرة قوات البيشمركة على مدينة كركوك الكردستانية، الغنية بالنفط والغاز. وبسبب هذا “الدعم” الموهوم، أطلق البرزاني عدة تصريحات نارية فاجأة كافة الجهات المحلية والدولية، كتصريح: “الحدود ترسم بالدم”، وأصر على ضوء ذلك البقاء في منصبه كرئيس للإقليم رغم إنتهاء مهلة رئاسته القانونية. وباصراره هذا تسبب في أزمة سياسية خطيرة للغاية، مما أدى الى تفجر الخلافات بينه وبين بقية القوى السياسية الإخرى.

وكان رده على ذلك إقفال البرلمان المنتخب، ومنع رئيسه من دخول مدينة هولير، وهذا ما أدى الى شل عمل بقية المؤسسات في الإقليم. ولم يكتفي بذلك هذا المستبد المغرور بل تابع في سياساته الخاطئة، وأكمل باجراء استفتاء حول غير متفق عليه كرديآ، حول مستقبل الإقليم، رغم كل التحذيرات الغربية والإقليمية والعراقية، لكنه لم يستمع لصوت الحكمة والعقل، وأقدم على خطوته المنفرة بهدف الحفاظ على منصبه ومصالح عائلته المالية، التي جمعوها من أموال الشعب الكردي بطرق غير شرعية. وكان نتيجة ذلك خسارة نصف أراضي الإقليم وضياع مدينة كركوك الكردية مرة إخرى. والأن يعمل من خلف الستار لخلق القلاقل للإقليم كما كان يفعل علي صالح في اليمن بعد خروجه من السلطة، وحتى يوم مقتله.

ماذا فعل الغرب عندما غزت جحافل الحشد الشيعي الطائفي البغيض الأراضي والمدن الكردية، أدارة ظهرها للكرد وقالت: “هذا شأن داخلي وليس لنا أي علاقة بذلك فهذا شأن عراقي داخلي، ونحن مع وحدة العراق وضد أي تقسم لأراضيه”. ماذا نستخلص مما سبق؟

نستخلص ما يلي: أن القضية الكردي مازالت في أعين الدول الكبرى، قضية داخلية لكل دولة، من الدول التي يعيش فيها الكرد. رغم كل التغيرات التي شهدتها المنطقة خلال العشرين السنة الأخيرة. حيث ما زالت القضية الكردية من المحرمات الدولية، ولم يحن الوقت لفتحها ووضعها على جدولها. إن إقتراب الدول العمظى من هذه القضية السياسية العادلة، زل محصورآ في الجانب الإنساني فقط. وفي العراق ولأسباب وظروف معينة، تمكن الكرد من فرض قضيتهم على المعارضة والأمريكان، ونيل بعض الحقوق المهمة ولكنهم خسروها لاحقآ بسبب سياسات البرزاني الحمقاء وتفرده بالقرار الكردي.

ثانيآ، ظلت القيادة الكردية في جنوب كردستان، تفكر بطريقة القروي، والفلاح، وشيخ الطريقة والعشيرة، لا ترى أبعد من خشمها، ولم تتعلم شيئ من تجارب الماضي البعيد والقريب. السبب في ذلك هو إنطلاق البرزاني من مصالح الشخصية والعائلية، وبنء مجد شخصي، وليس من منطلق سياسي وطني يبحث عن خلاص شعبه، من العبودية

والإستغلال، والظلم التاريخي الذي وقع عليه. عدا ذلك إنه شخص معدوم الكفاءة، ولا يملك مقومات الشخصيات القيادية، التي تستطع قراءة خارطة الأحداث السياسية، وأخذ المبادرة والقيام بجمع الكرد على طاولة واحدة، للبحث بشكل جماعي، مستقبل هذه الإمة بشكل عام، ومناقشة وضع كل جزء من كردستان، والبحث سويآ لإيجاد الحلول الناسبة لكل جزء.

أما في حالة “الكرد السوريين”، فالوضع مختلف بشكل كلي عما هو في العراق، فقضية الكرد السوريين، لم تظهر على رادرات الدول الكبرى وسياساتها الخارجية، قبل إندلاع الثورة السورية ولا مرة. وحتى بعد اندلاع الثورة بفترة طويلة، ظلت القضية الكردية قضية ثانوية بالنسبة للغربين والمعارضة السورية على حدٍ سواء. بدأ الإهتمام الأمريكي والروسي والتركي بالشأن الكرد، بعد سحب النظام موظفيه وجميع أجهزته من المناطق الكردية وتسليمها لحزب الإتحاد “الديمقراطي” الموالي لي (ب ك ك)، وظهور تنظيم داعش الإرهابي على الساحة السورية، وتمدده الى العراق، وسيطرته على مدن رئيسية ومهمة، وتمتدده على مساحات كبرى من أراضي البلدين. وثالثآ، إمتناع جميع فصائل العارضة المسلحة العربية، الإسلامية منها والقومية في محاربة تنظيم داعش الدموي.

هذا الوضع دفع بالولايات المتحدة الأمريكية، في البحث عن جهة تستعين بها، لتقاتل تنظيم داعش على الأرض في سوريا، بدلآ من جنودها. ووجدت ضالتها أخيرآ، في وحدات حماية الشعب الكردية، المنظمة بشكل جيد وتخضع لقيادة مركزية، وتلتزم بأوامرها بشكل كامل. وقامت باجراء الإتصالات بشكل مباشر ووغير مباشر بها، بهدف العمل سويآ. ورأى في العرض الأمريكي فرصة لا تعوض، وخاصة أن أمريكا ولفترة تعتبر حزب (ب ي د) تنظيمآ إرهابيآ وطالب القوى الكردية الإخرى الإبتعاد عنه، وعدم مشاركته في أي هيئة كانت.

بدأ التعاون بين الطرفين، ومع مرور الأيام أثمر هذا التعاون عن تحقيق إنجازات مهمة على الأرض، وظن قادة (ب ي د)، بأن هذا التعاون الأمريكي معهم إعتراف سياسي وإن كان غير رسمي، ومع الوقت أمريكا ستتعامل معهم سياسيآ وتعترف بإدارتهم التي شكلوها في غرب كردستان بمفردهم.

لكن القيادات الكردية الهاوية، لم تكن تعلم بأن الأمريكان إتفقوا سرآ مع الروس على تقاسم مناطق النفوذ في سوريا، وأن المناطق الكردية قسمت إلى قسمين: القسم الأول، شرق الفرات وهي من حصة الأمريكان. والقسم الثاني، غرب الفرات وهي من حصة الروس. لذا عندما طالب القيادة الكردية بالحماية الأمريكية لعفرين، قال الأمريكان صراحة: “عفرين لا تقع ضمن مناطق نفوذنا”. والروس كما هو معروف قاموا ببيع الكرد بشكل رخيص لعدوهم التاريخي التركي، وسمحوا له بإحتلال منطقة عفرين، مثلما سمحوا له من قبل بإحتلال مدينة جرابلس والباب وإعزاز. والأن أعلن الرئيس الأمريكي عن نيته سحب قواته من سوريا قريبآ، وهذا سيكون مبحث مقالتي القادمة.

رغم هذا المشهد السوداوي الذي يسود القضية الكردية هذه الأيام، بعد الخسائر التي منيوا بها في كل من جنوب وغرب كردستان، يجب أن لا تحجب عن أعيننا وقائع مهمة للغاية موجودة على الأرض، ألا وهي:

إقليم جنوب كردستان، منطقة فدرالية وفق الدستور العراقي ومعترف بها من قبل الإمم المتحدة،

والإشكالية هو كيف نوحد إدارة هذه الإقليم ونحررها من تسلط عائلة البرزاني والطالباني بشكل نهائي، كي يستطيع الكرد من إستعادة أراضيهم التي سلبت منهم كطوزخورماتو وقضاء مخمور ومدينة كركوك وريفها.

السياسة الدولية لن تبقى على حالها، ولا بد للظروف أن ستتغير، والكرد أن يصلوا إلى كامل حقوقهم في هذا الجزء العزيز من كردستان، بما فيه الإستقلال. ولكن هذا يحتاج الى وقت وجهد وسياسيين من غير هذه الطبقة الفاسدة والمفسدة.

وفي سورية، بات من الصعب للغاية إن لم يكن مستحيلآ، تجاوز القضية الكردية على النحو الذي كان يحدث منذ تأسيس هذه الدولة المصطنعة. فالقضية الكردية باتت جزءً أساسيآ من القضايا التي فرضتها نفسها وعلى السوريين عمومآ، تنتظر حلآ سياسيآ عادلآ لها. بغض النظر عن ما يقوله بعض الشوفينين والعنصريين من قادة المعارضة السورية، وإتهاماتهم الباطلة لقوات الحماية الشعبية الكردية.

وفي تركيا رغم الحملة العسكرية والأمنية القذرة، التي يشنها المجرم اردوغان من أكثر من عام ونصف العام، ضد الشعب الكردي، وتراجع وضع الحريات العامة، وسجن معظم قادة حزب ( ه د ب). مع كل ذلك، لا يمكن لتركيا أن تتطور، ويعيش أبنائها في سلام وهدوء، وتصبح دولة محورية في المنطقة، من دون الإعتراف الدستوري بالشعب الكردي، وإحقاق حقوقه القومية العادلة والمشروعة، وإطلاق سراح السيد عبدالله اوجلان والتفاوض معه. ولا يمكن لأردوغان الطامح للسلطة المطلقة من القضاء على الشعب الكردي وإفنائه، ومحكوم عليه وعلى دولته الطورانية بالفشل، ولذا عليهم الجلوس مع القادة الكرد وإيجاد حل سلمي لهذه القضية الملتهبة منذ سنين طويلة مضت. وما ينطبق على تركيا ينطبق على إيران هي الإخرى.

 

02 – 04 – 2018

3 Comments on “الكرد ولعبة الدول الكبرى- بيار روباري”

  1. ليس الاستفتاء هو العامل المباشر في خسارة نصف مساحة كردستان بين ليلة وضحاها او بالاحرى خلال ساعات ليلة حالكة في الظلام وانما السبب المباشر هو الخيانة والتشرذم والضعف والهوان والجبن والخوف والتردد والانهزام والمعنويات المنهارة وعدم الولاء لارض الآباء والاجداد والتركيز على المصالح الشخصية والحزبية وتفضيلها على المصالح العامة للشعب والوطن والامة اضافة الى عدم وجود قوات مسلحة وطنية في اطار جيش قومي موحد. لا يمكن ان يفكر شعب ما في دعم المجتمع الدولي وهو منقسم على نفسه ولا يعرف ساسته حتى الفباء السياسة لان السياسة عندهم ليست سوى تجارة وسمسرة وصفقات تجارية ذات الربح السهل والسريع والمناصب حيث الانانية والنرجسية وحب المظاهر السطحية وكأنهم خارجون لتوهم من كهوف انسان ما قبل التاريخ! علينا ان نفهم باننا الداء والدواء في نفس اللحظة التاريخية وما اطولها!

  2. ما ضاع حق ورائه مطالب ونيل الحرية والعدالة لن يتحقق إلا بالنضال المستمر. إنشاء الله سينال هذا الشعب العظيم حقوقه يوما ما شاء من شاء وأبى من ابى. ….

  3. من الغباء إلقاء اللوم والعتب على الدول المحتلة لكوردستان او القوى العالمية. العتب كل العتب على قادتنا الحقراء سراق بيترول باشور.
    في عام ١٩٩١ بدأ الربيع الكوردي فحولها البارزاني والطالباني الى انفلة كوردستان اقتصاديات حيث تم سرقة كل مل يمكن حمله و بيعها لإيران ، بحيث لم يبقى من أسطول مديرية الأشغال ودوائره الدولة أية اليه او حتى تراكتور. تصر بان البارزاني والطالباني سرقا كل ما أمكن نقله الى ايران، حتى سد بخمه الخيالي سرقوها. بعدها بدؤا بسرقة الكمارك واختلف حرامية الطالباني والبارزاني على السرقة فكانت الحرب الأهلية. وأخيراً اتفق الطالباني والبارزاني على سرقة نفط باشور ولا زالو مستمران على السرقة.
    قادتنا شغلها الشاغل هو السرقة، ولا وجود لمشروع تحرير كوردستان او دولة كوردستان بل كل همهم ان يبقى دوامة عدم الاستقرار لاستمرار سرقاتهم، مشروع دولة كوردستان ليس لصالحهم لكونها ستكون دولة لها قانونها ونظامها ومشروعها القضاء الذي سيحاسبهم وهم لايريدون الحساب.
    الحل الأمثل هو التخلص من العائلتين الطالبانية والبارزانية و يوم يلقى العائلتين في الزبالة سينمو مشروع تحرر كوردستان.

Comments are closed.