من الخطأ نقد المجتمع بسبب سلوكيات سيئة موروثة لأن هذا النوع من النقد ليس له قيمة عملية ويبقى حبيس عقل الناقد ولن يجد له صدى عند الناس ، فالمجتمع لا يغير طبائعه من تلقاء نفسه ولا يغير سلوكياته إستجابة لنقد الناقد خاصة تلك التي لها أساس ديني ، فهذه الطبائع السيئة عند أصحابها محل فخر وإعتزاز فهي تسري بدمائهم ، التغيير قد يحدث بتأثير عوامل متغيرة قوية تفرضها تقلبات الزمان أو عن طريق فرض قوانين تمنع أو تحييد السلوكيات الخاطئة وهذا واجب الدولة أو السلطة الحاكمة ، لذلك فأن الدول المتحضرة تبادر إلى وضع قوانين صارمة للسلوكيات الخاطئة المؤذية حتى وأن كانت هذه السلوكيات ذات طابع ديني لأن الدستور يجبرها على ذلك ، فالدولة لا تقاد بالعواطف ! الناقد للمجتمع عليه أن يكون أكثر إدراكاً لكي لا يؤذي مشاعر أبناء المجتمع المغلوب على أمره بتقديس أمور سيئة تربى عليها ، بل عليه توجيه سهام نقده للدولة إذا تجاهلت دورها القانوني وليس للمجتمع لأن الدولة هي المسؤولة عن أستئصال أو بقاء السلوكيات غير الصحيحة للمجتمع ، عند إهمالها وغضها الطرف عما يقوم به أبناء المجتمع من تصرفات غير حضارية ، القانون الذي تفرضه الدولة يجب أن يكون عادلاً حدياً وغير متسامح مع الجميع ، يراعي الجميع وأن لا يتقاطع مع حقوق الناس بمختلف أصنافهم وبنفس الوقت لا يخرج هذا القانون عن باقي مجتمعات الدول ، فحياة المجتمعات أصبحت اليوم متداخلة بالمصالح وبالمشتركات والمفاهيم والقوانين ، فأية دولة لا تراعي هذا التداخل تكون قد جنت على مجتمعاتها وعزلتها عن حركة الحياة . الدولة الحضارية ليست لها عقيدة ولا دين ولا عواطف ولا أحاسيس ، الدولة الحضارية يعني القوانين . لا يوجد مجتمع في الدنيا إلا ونجد له عادات وتقاليد مختلفة منها صحيحة وفيها صبغة جمالية ومنها غير صحيحة فلا ينبغي أن تصبح هذه العادات السيئة قوانين تخضع لها الدولة ، خذ على سبيل المثال قوانين الفصل العشائري في مجتمعنا ، هذه جريمة ترتكبها الدولة بحق عموم أبناء المجتمع عندما تغض الطرف عن هذا السلوك الذي يطعن بهيبة الدولة ويسبب الإرباك لقوانين الدولة . لماذا نتحسر على النظام الدكتاتوري ؟ ليس لأنه نظام صحيح ولكنه نظام فيه قوانين ملزمة للجميع بالقوة . فنحن حتى اللحظة لم نجرب النظام الديمقراطي الذي فيه القوانين أكثر حدية وأكثر وضوحاً فنتصور بأن النظام الديمقراطي هو فقط تعددية حزبية وحرية الرأي ، أما القوانين التي تتحلى بها الأنظمة الديمقراطية فهي غير موجودة على أرض الواقع ، فنحن جئنا بديمقراطية معيوبة لا تصلح للتطبيق . الحرية في النظم الديمقراطية لا تعني المحاباة وضعف القوانين فهذه فوضوية بلباس الديمقراطية . إذاً سهام النقد يجب أن توجه للدولة أولاً ، أما نقد المجتمع فيتحول إلى إحتقان وكراهية رغم النية السليمة للناقد لأن الناقد إن كان يقصد في نقده السلوكيات الدينية للمجتمع فيصبح بنظر المجتمع كافراً وإن كان يقصد العادات الاجتماعية الموروثة فيصبح بنظر المجتمع متمرداً مقلداً للغرب ، ففي كل الأحوال يصبح منبوذاً أمام المجتمع رغم أن نقده يهدف إلى بناء المجتمع وإعادة الحياة له . لا توجد سلوكيات مجتمعية خاطئة تتحرك داخل المجتمع بقوة إلا وتجد خلفها جهات مستفيدة ، فتلك الجهات داخل الأنظمة الضعيفة لها يد خفية قوية تتلاعب بالقوانين لمصلحتها وقد تكون تلك الجهات هي من تمثل الدولة ، وهذه الحالة لا تحصل إلا داخل الدول المستباحة للتدخلات الأجنبية أو دول العصابات كما هو الحال في بعض دول أمريكا اللاتينية التي تخضع فيها أجهزتها الأمنية لسلطة عصابات المخدرات وقادتها من رجال العصابات والمافيات فترى شعوبها تتوسل باللجوء إلى الدول الأخرى للتخلص من جحيم الحياة نتيجة ضعف القانون ، الدول التي تلهث شعوبها للهجرة واللجوء عادة تكون مبتلية بضعف أنظمتها السياسية الخاضعة لجهات خارجية أو جهات ظالمة قاسية مستفيدة من حالة اللا قانون في الدولة . على الجميع أن يعلم بأن الوطن ليس ملكاً لأحد ليعبث به كيفما يشاء فطالما هناك عبث سيصدح صوت الناقد الذي لا يهدىء حتى تعاد الأمور إلى نصابها الصحيح ، هكذا هي مجتمعات الدنيا مع كل إنحراف هناك صرخات الخيريين لا تسكت وإلا لأصبحت الحياة لا تطاق لأن الأشرار لا يوقفهم شيء إلا العدالة وكلمة الحق .