اموال العرب بين وهم التأثير ومهزلة التبعية: ترامب والجولاني نموذجّاً!- راجي سلطان الزهيري

في كل مرة يزور رئيس أميركيّ دولة عربية نشهد مشهداً يتكرر بنمطٍ يكاد لا يتغير: استقبال حافل، ممرات مفروشة بالسجاد الأحمر، صفقات بالمليارات وبيانات مشتركة لا تُغير من واقع السياسات شيئاً. هذا ما حدث تحديداً عندما زار دونالد ترامب السعودية وتبعته زيارات ولقاءات في دول الخليج الأخرى، لتُقدَّم له أموالاً طائلة قُدِّرت بمئات المليارات من الدولارات كان أبرزها ما وصفه ترامب لاحقاً بأنه “أعظم صفقة تجارية في التاريخ”.
ودائع بمليارات.. ونتائج هزيلة
أودعت السعودية مئات المليارات كاستثمارات مباشرة وغير مباشرة تبعتها قطر بهدية طائرة رئاسية قيمتها نصف مليار دولار وانضمت الكويت والإمارات بسخاء مالي مماثل تحت عناوين دعم الاقتصاد الأمريكي أو تعزيز الشراكة الاستراتيجية. والسؤال المحوري: هل غيّرت هذه الأموال من سياسات الولايات المتحدة تجاه القضايا العربية والإسلامية؟ الجواب بوضوح: لا.
فما زالت واشنطن تقف بصلابة خلف إسرائيل في كل عدوان وما زالت تُقسِّم العالم العربي إلى “محاور خير وشر” حسب رؤيتها الخاصة وما زالت ملفات فلسطين، العراق، اليمن، سوريا، وليبيا، تُدار بما يخدم مصالحها لا أكثر.
استقبال الجولاني… مشهد لا يُصدّق
وإذا كان المال السياسي أداة تأثير فقد بلغ الأمر مستوى من التناقض حين ظهر المدعو أبو محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” جبهة النصرة سابقاً، المصنّفة كتنظيم إرهابي ضيفًا مرحبًا به في أحد الاجتماعات الخليجية غير الرسمية ضمن جهود مريبة لإعادة تدوير بعض الجماعات المتطرفة لتخدم أجندات آنية.
الأغرب من ذلك أن يُقال إن ترامب الذي لطالما رفع شعار محاربة الإرهاب ناقش مع الجولاني دعماً لوجستياً أو معلوماتياً لمواجهة تنظيم “داعش”، متناسياً – أو متجاهلًا – أن الجولاني نفسه خرج من رحم هذا التنظيم وكان ذات يوم أحد رموزه البارزين.
هل يُعقل أن يُطلب من أحد أبناء الظاهرة الداعشية أن يساعد في القضاء عليها؟! إنها نكتة سياسية سوداء بامتياز.
عجباً لأموال تُهدر باسمنا
إن العجب كل العجب أن تستمر بعض الأنظمة العربية في ضخ المليارات من أموال الشعوب إلى خزائن الغرب تحت وهم تغيير مواقف دول عظمى لا تنظر إلى حلفائها العرب إلا من زاوية الاقتصاد والصفقات، لا من باب المصير المشترك أو القيم المتبادلة.
لقد أثبتت التجارب أن الكرامة الوطنية لا تُشترى وأن الشعوب لا الأنظمة هي من تُصنع السياسات الحقيقية عندما تكون حرة الإرادة وواعية المصير.
الخاتمة وهامش القرار
ربما يعود ترامب – أو غيره من الرؤساء – إلى بلاده محمّلًا بآلاف المليارات بينما يبقى العرب شعوباً وحكومات، على هامش القرار يُراهنون على السراب. ويبقى السؤال الأهم: متى يدرك العرب أن كسب احترام العالم يبدأ من الداخل من احترامهم لكرامتهم وثرواتهم وشعوبهم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *