ماذا لو كان البارزاني يعلن إستقلال كردستان ؟- عبدالغني علي يحيى

 

لسنين وعقود، قبل إعلان نتائج الأستفتاء على إستقلال كردستان الذي أجري يوم 25/9/2017 كان يراودني السؤال: ماذا لو طالب الكرد بالاستقلال بدل الحكم الذاتي؟ وبعد الهجمة العراقية الأيرانية التركية مساء 16/10/2017 على كركوك خاصة وجنوب كردستان (المناطق المتنازع عليها) عامة، عقاباً للشعب الكردي الذي صوت بنسبة 92% على استقلال كردستان في الأستفتاء المذكور، وعلى أثر الهجمة العنصرية الشرسة تلك من ثلاث دول على شعب بدون دولة، راودني السؤال من جديد مع تحوير بسيط له وكالآتي: ماذا لو كان الرئيس مسعود البارزاني قد أعلن استقلال كردستان وليس نتائج الاستفتاء، ترى هل كان العقاب الذي نفذ بحق الكرد يكون أكبر وافظع من الذي شاهدناه وعشناه بعد أحداث كركوك وخورماتو؟

ان الذي له الفضل في طرح السؤال في شكله غير المحور هو صحفي روسي كان قد زار كردستان أعوام ثورة ايلول 1961 – 1975 واطلع على حجم مالحق بالكرد من قتل وقصف ودمار واعتقال للكرد وحرق لأرضه..الخ من النكبات والويلات، ولما هاله ما رأى سأل: (ماذا طلبتم لكي ينزل بكم كل هذا الدمار والظلم؟. وكان الرد الذي تلقاه هو: كل ما طلبناه ونطلبه هو الحكم الذاتي. وعاد الصحفي ليطرح سؤالاً ثانياً: وماذا لو طلبتم الاستقلال فهل كان الدمار يكون افظع؟

ومن الجواب على سؤاليه يفهم ان الاحساس لدى الكرد بوقوع ظلم أشد عليهم في حال مطالبتهم بالاستقلال، هو الذي يمنعهم من المطالبة بالأستقلال، لذا فأنهم اختاروا الحكم الذاتي لتجنب دمار أكثر هولاً، حسب معتقدهم الخاطيء.

قبل كل شيء، أقول أن لجوء الدول المحتلة لكردستان إلى الأرهاب ضد الكرد مقيد بجملة أمور منها الظروف الموضوعية الداخلية والأقليمية والدولية، فلو ان تلك الدول وجدت لديها القدرة فأنها لن تتردد عن محو الكرد كلهم حتى اذا تقدموا بأبسط مطلب قومي وحتى ان لم يتقدموا به، ورأينا كيف أنه في العديد من البلدان مورست الفاشية كأجراء احترازي من أحتمال وقوف الشعوب ضد حروب محتملة لأنظمتها، فالفاشية سلطت على الشعب الأيطالي والنازية على الألماني من غير ان تكون هناك مطالبات باستقلال امة مقهورة في ظل النظامين المذكورين أو (خطر) شيوعي يهددانهما كل ما في الأمر ان كلا النظامين الفاشي والنازي توجها لخنق أي صوت يحتج على الحرب التي كانا ينويان شنها على شعوب أوروبا، ما يفيد ان الشعبين الأيطالي والألماني تعرضا إلى الظلم الفاشي والنازي من دون ان تكون لهما مطالب باسقاط النظامين، جدير ذكره ان النظامين الدكتاتورين في العراق وتركيا في زمن صدام واردوغان الحالي سارا على خطى نظام هتلر وموسوليني، فصدام قبل شنه للحرب على إيران قمع الحزب الشيوعي العراقي و كذلك القوميين الكرد حتى المعتدلين في حزب البعث لم يسلموا من أذاه، ومثله فعل اردوغان قبل ان يدفع بجيشه الى سوريا والعراق إذ قمع الشعب الكردي في تركيا، فأضعف اولاً حزب الشعوب الديمقراطية واليسار التركي عموماً وجماعة فتح الله غولن والحزب الجمهوري إلى حد ما، ثم تحولت حكومته الى حكومة حرب وفاشية، كل هذا من غير ان يكون هناك خطر يذكر على النظامين العراقي الصدامي والتركي الأردوغاني.

أعود الى التجارب الكردية بين الدعوة الى الأستقلال أو الى الصيغ الوحدوية كالحكم الذاتي وحجم ونوع الأرهاب الذي سلط على الكرد في الحالتين: الدعوة الى الأستقلال أو الصيغ الوحدوية

في شرق كردستان ( كردستان إيران) أسس الكرد جمهورية كردستان واعلنوا الاستقلال عن إيران ، واسس قبل ذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة القاضي محمد، وفيما بعد اغتيلت الجمهورية الكردية الأولى واعدم رئيس الحزب القاضي محمد. الغريب في الأمر ، أن قادة ذلك الحزب ، فيما بعد تخلوا عن الاستقلال واختاروا الحكم الذاتي ( خودموختاري ) ظانين ومعتقدين ان الظلم سيكون أخف عليهم، ويمهد الطريق للوصول الى حقوق أوسع في المستقبل .. خطوة خطوة و(الاعتدال) في طرح المطالب ومع هذا فان املهم خاب ولم يكن توقعهم في محله، اذ منذ سقوط جمهورية كردستان والتخلي عن الاستقلال فان قوافل شهداء شرق كردستان لا تنقطع واستمرت في عهد الشاه وفي ظل جمهورية إيران الاسلامية ، واذا كان النظام الشاهنشاهي قد اعدم رئيس الحزب القاضي محمد لمطالبته بالاستقلال فان نظام الجمهورية الاسلامية قتل رئيسين للحزب نفسه هما: د.عبدالرحمن قاسملو وصادق شرف كندي لمطالبتهما بالحكم الذاتي . وعلى امتداد العقود الماضية قتل وسجن وشرد الالاف من كرد شرق كردستان الذي فضلوا المناداة بالحكم الذاتي على الستقلال، وليس هناك من وجه للمقارنة بين الظلم الذي نفذ بحقهم نتيجة مطالبتهم بالاستقلال والظلم الذي تعرضوا له جراء المطالبة بالحكم الذاتي ، فلقد كان الظلم الثاني اشد وافظع وابشع من الظلم الأول ، اذاً أولستم معي اذا قلت أما كان الافضل للقادة الكرد الايرانيين التمسك بالاستقلال بدل رفع شعار الحكم الذاتي وقد ذاقوا طعم الارهاب في الحالتين ؟ أما كان الأجدر بهم ان يقاوموا ظلم الشاه بعد اغتيال الاستقلال بمقاومة أشد؟

وفي شمال كردستان (كردستان تركيا) رفع عبداللـه أوجلان وحزب العمال الكردستاني P.K.K  ليس شعار الاستقلال لشمال كردستان فحسب إنما لكردستان الكبرى أيضاً . ومنذ عام 1984 والمعارك نتواصل بين P.K.K والجيش التركي ، ووجه الغرابة هنا في الحالة الكردية بتركيا أن اوجلان وقادة حزبه تراجعوا عن مطلب الاستقلال إلى درجة انهم لم يتوجهوا حتى الى المصطلحات الدنيا للحكم مثل : الحكم الذاتي والفيدرالية ..الخ الذي لم يكن متوقعاً منهم التخلي عن جميع الصييغ وفوق ذلك فان الاضطهاد التركي للجماهير الكردية و P.K.K بقي مستمراً وبشكل أقسى وأمر ، وحصلت مذابح جماعية وتدمير للقرى وزج باعضاء حزب الشعوب الديمقراطية HDP والعديد من نوابه وجميع رؤساء البلديات الكردية في السجون والمعتقلات ، حصل ذلك ومازال في غياب المناداة باية صيغة للحكم ، كما ان التعاطف الذي ابداه الكرد إزاء اوجلان وحزبه في ظل الدعوة الى الاستقلال تراجع بعد التخلي عن الاستقلال ، فبعد ان التحق بثورة الكرد في تركيا المئات من الشباب الكردي في كافة اجزاء كردستان ، فان الالتحاقات تلاشت بعد التحول عن الاستقلال ورفع طلبات مائعة لتحل محل الاستقلال . وهنا اسأل : هل قارن P.K.K  وضعه ووضع شعبه الحالي في ظل التخلي عن كل الصيغ التقليدية للحكم بالوضع الذي كان عليه وشعبه في السابق أيام الدعوة إلى الاستقلال ، فواللـه ان الاعدام مثنى وثلاث و رباع ..الخ بحق قادة P.K.K  قليل.

ان الالاف من الشباب الكردي في شرق وجنوب وغرب كردستان تخلوا عن احزابهم القومية بسبب رفعها لشعار الحكم الذاتي والتحقوا بأوجلان و  P.K.K لرفعهما الشعار الاكثر جاذبية اي الأستقلال ، غير ان آمالهم تبددت وواجهوا الاحباط بعد ذلك بسبب ترك P.K.K  لكل الصيغ القومية ، ناهيكم عن توجيههم لضربة قوية الى احزابهم القومية.

في جنوب كردستان (كردستان العراق) اعلن الشيخ محمود الحفيد الاستقلال واقام حكومته الملكية وقاوم ببسالة النظام الملكي وحماته من المستعمرين الانگليز ، وتعرض الى انواع من المحن إلى ان توفي  بالسليمانية عام 1957. ومن بعده طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مؤسسه الراحل مصطفى البارزاني بالحكم الذاتي ضمن إطار الجمهورية العراقية، بعد  أن تعرض اكثر من مرة الى محاولات اغتيال وقتل، ففي الموصل دس محافظها السم في طعامه وفي حاج عمران نجا بأعجوبة من محاولة ارهابية انتحارية، وتعرض نجلاه ادريس ومسعود الى محاولة اغتيال، الاول في بغداد والثاني في فينا، دع جانباً مقتل اولاده عبيد الله ولقمان و صابر وابناء عمومته في عام 1983 الى جانب مقتل 8000 فرد من عشيرته الذين دفنوا في مقابر جماعية بصحارى الجنوب العراقي وفي العام نفسه. والامر ان الحزب الديمقراطي الكردستاني ظل متمسكاً بالحكم الذاتي حتى اثناء وبعد تدمير ومسح 4500 قرية من الوجود وانفلة 12000 كردي فيلي وقصف حلبجة ووادي باليسان بالسلاح كيمياوي الذي ادى الى مقتل 5000 شحض وقضى الالاف نحبهم تحت التعذيب وشرد الاف اخرون، ترى لو كان الكرد يطالبون بالاستقلال فهل كان هناك من ظلم افظع ينفذ بحقهم من الظلم الذي نزل بهم في الثمانينات من القرن الماضي؟

في غرب كردستان، اعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صيغة حكم غريبة في المناطق التي تحررت من النظام السوري ألا وهي (الكانتونات) الفارغة من كل محتوى، أراد المطالبون بها أن يشذوا عن القاعدة والاجماع الكردي في أن، وهي تضاهي تخلي p.k.k عن  كل المصطلحات: الاستقلال والحكم الذاتي، الفيدرالية.. الخ وشذوا عن حركات التحرر الكردية برمتها، مثال ذلك انهم لم يتخذوا من علم كردستان علم جمهورية كردستان علما لهم كما انهم وp.k.k كذلك لم يطلقوا تسمية البيشمركة على مقاتليهم على الضد من كرد العراق و ايران بل اطلقوا عليهم  تسميات غريبة (شرفافان) و (كريلا) كما لم يتخذوا من نشيد (ئةي رةقيب) نشيداً قوميا لهم، واعود الى الصبغة (كانتونات) وأقول انها الاخفق والافشل من كل الصيغ الاخرى الفاشلة. واقول أيضاً حرام ان يضحي الشباب الكردي بحياتهم وارواحهم من اجل ضيغ ممقوثه هزيلة تبقيهم في قبضة المحتل لوطنهم واتساءل: ألأ يستحق الشعب الكردي في غرب كردستان نيل صيغة حكم افضل من ( الكاتتونات) وهو الذي الذي اكتوى بنيران  الحزام الاخضر والتعريب وحرمان  الالاف من الجنسية السورية ناهيكم عن  مقتل العشرات وتشريد المئات ان لم اقل الالالف منهم؟

أكاد اجزم، ان الحركات التحررية الكردية وحدها من دون الحركات التحررية الاخرى في العالم رفعت شعارات التمتع بالحقوق القومية ضمن وحدة قسرية في ظل دولة المحتل، وبتمسكهم بتلك الشعارات والصيغ المزعجة فانهم ساعدوا على ترسيخ الاحتلال لبلدانهم. لقد طالب الكرد العراقيون على مدى قرن بصيغ وحدودية والتي لم تتحقق رغم التضحيات الجسيمة التي قدموها من الارواح والممتلكات، ولو انها كانت في صالح المحتلين الذين  تصرفوا حياله عن جهل ولشدة جهلهم راحوا يرفضون تلك الصيغ. عليه ماذا لوطالبت الحركات التحررية الكردية كافة بالاستقلال؟ ماذا كان سيحصل؟ هل هناك اجيال من الارهاب أقسى واهول وأمر من الانفال والحرب الكيمياويه ومحو القرى من على وجه البسيطة؟ من المؤكد أنه لورفع شعار الاستقلال على مر العقود الماضية، لكانت الملايين الكردية ستنزل الى ساحات النضال وخير مثال على ذلك دعوة الرئيس مسعود البارزاني الى الاستفتاء على الاستقلال التي جذبت الملايين الكردية في اربيل ودهوك والسليمانية ومدن اوروبية ومن المهاجر كافة الى ميادين النضال الامر الذي لم يحدث مثيل له في السابق وفي ظل الدعوات الى الحكم الذاتي أو الفيدرالية. ويحضرين هنا قول للينين في كتابه: ملاحظات انتقادية في المسألة الوطنية يقول فيه مامعناه انه اذا اريد زج اوسع الجماهير في النضال يجب طرح الانفصال عليها.

من يوم  اجراء الاستفتاء والكرد يعاتبون المجتمع الدولي لأنه لم يتضامن  معهم في تأييد نتائج الاستفتاء، ترى أما كان حرياً بالكرد ان يعاتبوا انفسهم أولاً، لأنهم لم يعلنوا الاستقلال وما يزال لكي يؤيدهم المجتمع الدولي؟ الكرد مترددون في اعلان الاستقلال دوماً، في عام 2005 صوت الشعب الكردي بنسبة 98% للاستقلال ومع ذلك لم يعلنوا الاستقلال، وفي عام 2007 تم التصويت من  جديد عليه وبنسبة 92% ولم يعلنوا الاستقلال ايضاً وها أنه بسبب التردد يكاد يفرغ الاستفتاء من محتواه وكان تجميده ايذانا بذلك. لذا ولكي لاتتوالى المخازي اكثر على القيادة الكردية ان تقدم على استقلال كردستان فوراً ودون تأخير وتوجه بذلك صفعة قوية على حد المحتلين الجهلة في بغداد وطهران وانقرة ودمشق والى الخونة من الكرد الذين ينادون بافكار تساومية خيانية لأبقاء الشعب الكردي تحت نير الاحتلال البغيض وليعلم هؤلاء ان المحتلين للوطن كردي سيلجوؤن الى ابادة الكرد حتى وان لم ينادوا بالاستقلال او اية صيغة حوكم اخرى وحتى اذا الغوا الاستفتاء.عليه لا يسعنا الا ان نهتف باعلى صوتنا .. الاستقلال .. ثم الاستقلال.. ثم الاستقلال وخير البر عاجلة.