الذين لهم مصلحة في تشويه سمعة المتظاهرين مسؤولين عما حدث- بيار روباري

هذه ليست المرة الإولى، التي يخرج الكرد إلى شوارع المدن للتظاهر، إعتراضآ على تردي الأوضاع الإقتصادية في الإقليم، وعدم دفع رواتب الموظفين، وتفشي الفساد والمحسوبية في مؤسسات الحكومة، وخنق الحريات، وتوغل الأجهزة الأمنية في حياة المواطنين.

وفي كل مرة يتظاهر الناس فيها، يرافقها نفس أعمال العنف، التي تمس أملاك العامة، ومقرات الأحزاب والمؤسسات الحكومية. وتنطلق على ضوئها حملة إعلامية قاسية وقذرة، تنال من المتظاهرين وأخلاقهم، والأهداف، التي خرجوا من أجلها، وعلى الفور يتم إتهامهم بالعمالة والخيانة، وتنفيذ أجندات خارجية.

ويلي تلك الحملة الإعلامية، تدخل قوات الأمن الطالبانية والبرزانية، وتقوم بالفتك بالمتاظاهرين وكأنهم مجرمين! وكأنما كتب على المظاهرات الكردية، أن تنتهي في كل مرة بأعمال عنف مشكوك في أمرها، والتي يذهب ضحيتها كل مرة عشرات المتظاهرين الأبرياء.

لقد تجاوزت مطاليب الاحتجاجات الأخيرة، تحسين الأوضاع الإقتصادية ودفع الرواتب، بل تعدته إلى الإصلاح السياسي والإداري، ودعى المتظاهرين إلى إستقالة الحكومة، والبرلمان، وطالبوا بإجراء انتخابات جديدة نزيهة، لاختيار ممثلين للشعب يمثلوهم في البرلمان، وتشكيل حكومة جديدة، وإنتخاب رئيس جديد للإقليم مكان المقال. وتخليص الإقليم من يد عصابة البرزاني والطالباني. وهذا التغير في مطالب المتظاهرين، لها أسبابها المبررة ومن أهمها:

– سيطرة عائلتي البرزاني والطالباني على الحكم، وإقصاء الشعب الكردي بأحزابه ومنظماته المدنية.

– تسلط أجهزة الأمن على رقاب الناس، وكبت كل صوت معارض.

– تفشي حالة الدعارة وعاملة الأطفال، وظاهرة الهجرة من الإقليم، بسبب الفقر والبطالة، بسبب تراجع فرص العمل، وعدم دفع رواتب الموظفين والعسكرين.

– صرف الأموال العامة على الحمايات الشخصية، وبناء القصور، وشراء الفيلات داخل الإقليم وخارجه.

– النهب المنظم لأموال النفط والغاز، من قبل المافية الحاكمة منذ عشرين عامآ.

– تسليم نصف مساحة الإقليم للأعداء، ومن ضمنها محافظة كركوك، في عملية خيانية واضحة المعالم.

لذا وجد القائمين على الحكم، ضرورة تشويه سمعة المتظاهرين، وإلصاق تهمة العمالة للعبادي وإيران بهم، بهدف قطع الطريق على المظاهرات قبل إنتشارها إلى بقية مناطق الإقليم، وخاصة هولير، دهوك وزاخو. وهذا ما فعله بالضبط إعلام العائلتين، وحرضوا بقية الشعب ضد المتظاهرين السلمين، نفس السيناريوا الذي مارسه بشار الأسد مع الثوار السوريين، في بدايات الثورة السورية.

كان على المتظاهرين، أن يكونوا يقظين وأن لا يسمحوا لعناصر المخابرات الجلالية والبرزانية، وأي جهة إخرة لها مصلحة في جر المتظاهرين إلى معارك جانبية، أن يندسوا في صفوفهم، ويحرفوا سير المظاهرات عن مسارها السلمي. والخطأ الثاني، الذي وقع الحراك السلمي فيه حسب قناعتي، السماح لبعض المندسين، بأن يدعوا بغداد للتدخل لحماياتهم من بطش قوات البرزاني الغاشمة، التي إمتلئت بها شوارع السليمانية.

السؤال: لماذا لم تؤمن قوان أمن السليمانية، التابعة لعائلة الطالباني الحماية للمتظاهرين، ورافقتهم طوال مدة التظاهر، بهدف حماية المتظاهرين في المقام الأول، وثانيآ، منع قيام أي مندس من القيام بأي عمل تخريبي ينال من الأملاك العامة والخاصة.

وثالثآ، ما مصلحة المتظاهرين في حرق سيارات المواطنين والممتلكات العامة؟ هل هم حمقى لهذه الدرجة، لكي يقوموا بتأليب الرأي العام الكردستاني ضدهم، وهم بأمس الحاجة لدعمه في مواجهة سلطات الإستبداد والنهب، وبيع الوطن؟

الحراك الكردي يفتقر إلى قيادة سياسية، قادرة على إستقطاب كافة فئات الشعب من حول نفسها وتتجاوز جغرافية محافظة السليمانية، وتجعل من الحراك حراكآ كردستانيآ، وتطرح مشروعها للإصلاح السياسي

والإقتصادي، ونظام الحكم. وكان بإمكانها إسقاط نظام الحكم العائلي البالي، وخاصةً إن الطبقة السياسية الحاكمة في أربيل والسليمانية، تعاني من ضعف ووهن شديدين، بعد التطورات الأخيرة، التي تلت عملية الإستفتاء على الإستقلال.

ولو أن الحراك ملكّ قيادة قديرة، وسلك طريقآ صحيحآ، لتمكن من تحقيق أهدافه، وتجاوز تأثيره حدود إقليم كردستان، ووصل إلى بغداد حيث الأوضاع السياسية والإقتصادية، ليست بأفضل منها عما هو الحال في الإقليم. وبدليل أن الحراك أخذ يلقى بعض الصدى والدعم وإن كان محدودآ،من قبل المواطنين العراقين في بغداد ومدن الوسط والجنوب، التي رفعت صوتها تضامنآ مع المتظاهرين في السليمانية وبقية المدن الكردية.

برأي الحراك الكردي الحالي بحاجة إلى تنظيم نفسه بشكل أفضل، ووضع إستراتيجية طويلة الأمد، وتحديد أهدافه بشكل واضح، والتوجه بها إلى الشعب الكردي مباشرةً، عبر الوسائل الإعلامية المتاحة. ولا بد من تنويع نشاطاتها بين التظاهر، والندوات الجماهيرية، وإستخدام وسائل التواصل الإجتماعي، للتواصل مع الناس، وخاصة فئة الشباب والطلاب منهم. وعليهم التحلي بنفس طويل، ولا أن يسيطر عليهم اليأس. إن إبعاد أخطبوط العائلة البرزانية والطالبانية، ليس بالأمر السهل، ويحتاج الأمر إلى نضال سلمي دؤوب ومدروس ومتواصل. لأن هذه العصابة تملك المال الكثير، وجهازين قمع كبيرين، ومكنة إعلامية ضخمة، تضم العديد من قنوات التلفزة الفضائية والأرضية، وإذاعات، صحف ومواقع الكترونية تنشر بلغات عديدة. فإذا المعركة طويلة، وتحتاج إلى إرادة وعظيمة، وإيمان بعدالة القضية، التي يناضلون من أجلها.

إن قمع الحراك الحالي بالقوة والعنف، وعدم الإستجابة لمطالبه المشروعة، سيكون له عواقب وخيمة في المستقبل، وينذر بانفجارات إجتماعية وسياسية كبرى، لأن الأوضاع في الإقليم متأزمة للغاية، ولم تعد تطاق. وهذا ما يجب أن تعيه الطغمة الحاكمة جيدآ.

أختتم مقالتي بقول التالي: الذين لهم مصلحة في تشويه سمعة المتظاهرين،هم المسؤولين عن أعمال العنف، التي رافقت التظاهرات الأخيرة والتي قبلها أيضآ.

 

26 – 12 – 2017