حملة فهد الشاعر.. صباح كنجي

 

ضابط قيادي في الجيش السوري برتبة لواء، من البعثيين المعروفين بميلهم للتآمر والقسوة، من قرية بوسان التي يسكنها الموحدون الدروز، كان له صلات جيدة بقادة البعث المعروفين ابتداء من سليم حاطوم الذي نسق معه في مشروع انقلاب فاشل انكشف أمره في أيلول 1966..

ابعد من الجيش وبقي يعمل في دائرة المقربين لمنيف الرزاز وخاض صراعات مع الضباط العلويين من اجل الزعامة في الجيش والحزب واختار يوم الثالث من أيلول موعداً لانقلاب جديد لكنه فشل، هرب وحكم عليه بالإعدام غيابياً مع سليم حاطوم وطلال أبو عسلي.

قاد في زمن أمين الحافظ لواء مدرعاً من الجيش وتوجه إلى العراق لمساندة سلطة البعث الأولى التي تنكرت لاتفاقها مع قيادة الثورة الكردية، حينما أصدرت حكومة البعث بعد انقلاب شباط بياناً بتاريخ 9/6/1963 طالبت فيه البارزاني وبقية الثوار بالاستسلام وإلقاء السلاح، وحسب قول لسفير مصر في العراق الذي قابل وزير الخارجية في ذات اليوم، أن الوزير قد أكد له أن السلطة في العراق ستنهي التمرد الكردي وتقضي عليه في غضون شهرين مقبلين قبل حلول موسم الشتاء، الذي تهطل فيه الأمطار والثلوج ويتعذر على قطعات الجيش التحرك والعمل في كردستان، ورغم زج الحكومة العراقية بكافة قطعاتها في المعركة إلا أنها جابهت مقاومة كردية شديدة، وفي الصيف وجدت السلطة نفسها في مأزق سياسي وعسكري يصل حد الورطة ولكي تستطيع الحكومة الخروج من الموقف الصعب، عقد مؤتمر في وزارة الدفاع برئاسة رئيس الوزراء احمد حسن البكر حضره كل من صالح مهدي عماش وزير الدفاع وطاهر يحيى رئيس أركان الجيش ومعاوناه وصبحي عبد الحميد مدير الحركات العسكرية وقتئذ، لبحث إمكانية تدبير قوات إضافية لمواجهة الموقف، بعد أن استنفذ الجيش العراقي كافة احتياطه في المعركة، فتقدم صالح عماش باقتراح طلب معونة عسكرية من سوريا، ذاكراً أن السوريين أخبروه أنهم على استعداد لتلبية ذلك، إذا طلب العراق منهم المساعدة وقد وافق أغلب الحاضرين” ..

في أيلول، أرسلت القيادة العراقية وفداً مؤلفاً من وزير الدفاع صبحي عبد الحميد و حردان التكريتي قائد القوات الجوية لطلب هذه القوة. وفي دمشق تم إعلان الوحدة العسكرية بين سورية والعراق تمهيداً للوحدة الدستورية، وذلك لتبرير دخول القوات السورية إلى العراق وبالفعل دخلت القوات السورية إلى العراق وشاركت في العمليات العسكرية في كردستان العراق بقيادة العقيد فهد الشاعر عضو مجلس قيادة الثورة في سورية، واتخذ من الموصل و زاخو مقراً لقوة لوائه، بالإضافة إلى كتيبة مصفحة استقرت قيادتها في معسكر الحبانية.

سافر وفد عراقي برئاسة محمود شيت خطاب وزير الشؤون البلدية وعضوية حردان التكريتي وصبحي عبد الحميد، إلى القاهرة في الثاني من تشرين الأول 1963، قابل الوفد الرئيس جمال عبد الناصر في نفس اليوم، وطلب منه تزويد العراق بقوات عسكرية لحسم الموقف قبل مجيء الشتاء، لكن يقول السيد أمين الهويدي الذي كان حاضراً في اللقاء “واعتذر الرئيس عبد الناصر عن إرسال أي قوات من القاهرة” وفي يوم 8 تشرين الثاني، تم إعلان الوحدة العسكرية بين دمشق وبغداد لتبرير التدخل العسكري السوري في العراق، ونصب الفريق الركن صالح مهدي عماش قائداً عاماً للقوات المسلحة، اتخذت من دمشق مقراً لها. دون أن ينال هذا الإجراء موافقة جمال عبد الناصر، الذي اعتبر الاتحاد خرقاً و تراجعاً عن اتفاق 17 نيسان 1963، الموقع في القاهرة بين سورية والعراق ومصر.  

لم يستطع التدخل العسكري السوري تحقيق ما كان مخططاً له من قبل السلطات العراقية والسورية. ففي ساحة العمليات مُنيت القوات السورية بخسائر فادحة وتلقت ضربات قوية من الأنصار الشيوعيين والبيشمركة الأكراد وبقية والأهالي، وخاصة وأن هذه القوات كانت تجهل أساليب حرب العصابات في المنطقة الجبلية، وعدم معرفتها لجغرافية كردستان وكان من أهم أثار هذا التدخل تصعيد روح المقاومة عند الأكراد الذين وجدوا أنفسهم وحيدين أمام عدو متضامن وحد جهده العسكري والعنصري ضدهم، وشكل دخول الجيش السوري وانسحابه الذليل نقطة تحول في مسار العلاقات العربية الكردية بحكم زج الجيش السوري في قمع الثوار الكرد داخل وطنهم وهم يخوضون كفاحاً عادلا من أجل حقوقهم المشروعة في إطار صراعات محلية مع سلطة استبداد تتحكم بالبلاد بوسائل قمعية، تهدد وجودهم فكانوا يسعون بكل ما يمتلكون من قدرات للاستمرار في الدفاع عن وجودهم ومستقبلهم.   

 أما على الصعيد الإقليمي والدولي فقد بادرت الحكومة السوفيتية لإعلان موقف صريح من الأحداث في التاسع من تموز 1963حينما قدم وزير الخارجية السوفيتي أندريه كروميكو مذكرة استنكار شديدة اللهجة إلى كل من سفراء العراق وإيران وتركيا وسوريا، للقمع الدموي ضد الأكراد في العراق والتدخل في منطقة كردستان العراق.  ودخلت العلاقات بين الأطراف والتكتلات العربية منعطفاً تجسدت في تصاعد الخلافات بين قطبي الاتجاهات العروبية المتمثلة بالناصرية وحزب البعث ونزوعهم للتآمر وتأليب الأطراف المتحالفة معهم في العراق وسوريا ومصر..

حيث شهد العراق توجهاً جديداً اتفق فيه عبد السلام عارف رئيس الجمهورية مع بعض العناصر الناصرية في الجيش، وبعد أن أقنع عارف كلاً من زعيم الجو الركن حردان التكريتي قائد القوى الجوية بالرغم من انتمائه لحزب البعث، وسعيد صليبي آمر الانضباط العسكري بإبعاد وإزاحة سلطة البعث الراجحة عن الحكم في حركة18  تشرين الثاني 1963 . وبعد نجاحه في ملاحقة البعثيين أمر بعودة القوات السورية المتمركزة في كردستان، وبذلك انتهى “الزحف المقدس” للجيش السوري في كردستان العراق بعد أن ساهم في تدمير القرى الكردية وساهم في شحذ الشعور القومي عند الأكراد .

 وفي سوريا قمعت السلطات السورية في نفس الفترة تمرداً ناصرياً في حلب في  8أيار 1963، ولاقت نفس المصير محاولة أخرى ناصرية في دمشق في 8 تموز، وكان عبد الناصر يعتبر بأن السلطات في سورية والعراق تتقصد إبعاد العناصر الناصرية من قيادة الجيش والدولة، و أعتبر تلك الإجراءات خرقاً لميثاق 17 نيسان 1963 الذي تضمن مشروعاً وحدوياً، فتعمقت الهوة بين البعث وعبد الناصر. ولذلك بدأ راديو (صوت العرب من القاهرة) بشن حملاته الإعلامية ضد البعث، منادياً و محرضاً الشعبين العراقي والسوري للانتفاض ضد ميشيل عفلق وحزبه وأنصاره..

هكذا نشأ في خضم الصراعات المعقدة تيار بعثي في سوريا بدعم من عبد الناصر تمحور حول شخصية حافظ الأسد الذي سيطر بقوة السلاح والجيش على المؤتمر القومي وفرض إرادته على سوريا من خلال حزب البعث .. وكان من جملة الإجراءات التي رافقها فيما بعد اعتقال فهد الشاعر الذي خذلته اتجاهات الصراعات الحزبية وأصبح رهينة في المعتقل على يد رفاقه وأصدقائه الذين أجادوا فن التعامل معه بأساليب خبروهامع غيرهم أسفرت عن تعرضه لحالة من الخلل تطورت معه ليفقد عقله في المعتقل..

وبقي مختل العقل لغاية وفاته في  17 – 4 ـ1994ـ في قريته بوسان في محافظة السويداء ..

 

ـــــــ 

صباح كنجي

 

ـ عملية دجلة أو (الحملة العسكرية العراقية في الشمال) هي حملة عسكرية قادها الجيش العراقي على مواقع قوات البيشمركة في كردستان يوم 9 حزيران 1963 بعد فشل المفاوضات بين بغداد والملا مصطفى البارزاني .. بسبب رفض الحكومة العراقية مطلب البارزاني بإضافة كركوك لمناطق الحكم الذاتي الكردية المزمع تشكيلها بعد حركة 8 شباط 1963 ضمن حرب كردستان العراق 1961 – 1970

تألفت القوات العراقية من الفرقة الرابعة الجبلية وقوات الجحوش “جتا” الزيباريين و البريفكانيين تحت قيادة كل من يونس عطار باشي وخليل جاسم الدباغ وعبد الجبار شنشل وسعيد حمو وإبراهيم فيصل الانصاري والزعيم عبد الرزاق السيد محمود متصرف السليمانية وآخرين بالإضافة إلى الفرقة الثانية المرابطة بكركوك ولواء اليرموك السوري بقيادة فهد الشاعر.

تألفت القوات الكردية من البيشمركة بقيادة الملا مصطفى البارزاني وحسو ميرخان وتشكيلات الأنصار الشيوعيين في بهدينان ومجموعة هرمز ملك جكو من المناضلين الاشوريين .. بالإضافة الى العديد من الضباط الشيوعيين الذين فروا من الجيش العراقي بعد الانقلاب وفشل انتفاضة معسكر حركة فايدة 1963

بدأت الحملة بهجوم الجيش العراقي بمختلف الأسلحة على مواقع قوات البيشمركة.. وكانت هناك حملات اخرى مقترنة بها وفق خطة للهجوم الشامل انطلقت نحو جبل مقلوب وتواصلت .. في التاسع من  نوفمبر تقدمت قطعات الجيش العراقي والجحوش الزيباريين بمشاركة لواء اليرموك السوري من  ثلاثة محاور..

1ـ بيدة – أتروش

2ـ الوكا – سينا – بيرموس

3ـ فايدة – عين سفني.

وقام لواء اليرموك السوري بالعسكرة فوق جبل دهوك بينما تقدمت قوات الجحوش بقيادة خليل الدباغ من فايدة حتى عين سفني للسيطرة على المنطقة والجبال المشرفة عليها على امتداد المسافة بين   الشيخان .. ايسيان .. باعذرة .. كابرا .. طفطيان .. خورزان.. كرساف.. بوزان .. القوش .. داكا..

 أما القطعات الاخرى من الجيش العراقي فقد تقدمت من دهوك باتجاه قرية بيدة ثم إلى أتروش. ولم يتصد البيشمركة المزورين للجيش وانسحبوا أمامه دون مقاومة مما أدى لسيطرة الجيش على أتروش لوجود اتفاق مسبق بينهم وبين القوات العراقية.

أستمرت الحملة حتى شباط عام 1964. وبالرغم من النجاحات الأولية إلا أنها لم تحقق أهدافها كاملة وتوقفت بعد معركة جبل متين حين استعاد البيشمركة الجبل بعد 45 يوما من القتال مع القوات الحكومية وبعد معركة راوندوز.. وعندها أعلن الرئيس عبد السلام عارف وقفاً لإطلاق النار ..

ـ اعدت المادة كملحق لمذكرات بعنوان .. ابو عمشة يتذكر