البرزاني الأب ومن سبقوه من افراد العائلة العمل في الحقل العام، لم يكن لهم أي علاقة بالقضية الكردية كقضية قومية تبحث عن حل سياسي. المجال الوحيد الذي كانوا يعملون به هو العمل الحيز الديني العام- وتحديدآ الطريقة النقشبندية، التي ينتمون اليها منذ أمدٍ بعيد.
النقشبندية هي إحدى الطرق الصوفية المنتشرة في كردستان، الى جانب طرق أخرى عديدة كالقادرية والبكداشية، وتنسب هذه الطريقة أي النقشبندية، الى الشيخ محمد بهاء الدين نقشبند، واشتقت إسمها من اسمه، ومن ثم عرفت بهذا الإسم. وتوصف الطريقة النقشبندية بأنها من الطرق ذات المسلك السهل ودراويشية، ولها طريقتها الخاصة في الذكر. أما لفظ “نقشبند” فهو مصطلحٌ فارسي مركب من كلمتين: الأولى “نقش” والثانية “بند”. وكان يطلق اسم »نقشبند« على الرسام والنقاش، الذي يعمل بالوشي والنمنمة على الأقمشة في اللهجة التركية القديمة أبان الدولة العثمانية.
هذه الطريقة إنتشرت أكثر شيئ في تركيا، بسبب قربها من ديانات الأتراك القديمة وخاصة »الشامانية«، والسبب الثاني، هو رغبة الأتراك بالتمايز عن العرب والفرس، لذا جعلوا من النقشبندية جزءً أساسيآ من إسلامهم بهدف تحقيق هذه الرغبة. في البداية إتخذ الأتراك النقشبنديين من اللغة الفارسية، لغة عبادتهم بسبب عدم إستجابة لغتهم الضحلة لهذه الطقوس الدينية. ووضعوا لهذا “الدين الجديد” آداباً ومبادئ عامة تختلف تمامآ عن أركان العبادة والدعاء في الإسلام، بغية أن يستقلوا بوجهة نظرهم، ويتجنبوا الإنصهار في البوتقة العربية الأوسع، وأتخذوا من أبي بكرآ مرجعآ لهم بخلاف النسة والشيعة.
والبرزانين إنتموا لهذه الطريقة عن طريق العثمانيين، ولهذا كانوا على الدوام مرتبطين بالأتراك روحيآ وعاطفيآ، ورفضوا المشاركة في أي حركة كردية خاضها الكرد ضد السلاطين العثماانيين، في شمال كردستان أو دعمها على الأقل، وهم مستمرين على هذا النهج إلى يومنا هذا، وناهضوا الحكم الجمهوري وكانوا مع بقاء السلطنة، حالهم كحال الشيخ سعيد بيران، الذي إنتفض في البدء من أجل الحفاظ على السلطنة من منطلق ديني، ولم يكن لحركته أية علاقة في البداية بقضية الشعب الكردي القومية، الطامح للحرية والإستقلال.
كافة الحركات التي قام بها عائلة البرزاني كانت ذات توجه ديني في المقام الأول، وهذا واضح من ألقابهم التي يطلقونها على زعيمهم “الملا” وتعني بالعربية الإمام. وكان لهم أتباع خارج قرية برزان وبالكردية يسمونهم “المريديين”. والطاعة لشيخ الطريقة عمياء لديهم، وممنوع على الأتباع مناقشة الملا بأي شكل كان. وإذا توفي الملا لسبب ما يحل محله النجل الأكبر في العادة، وهذه سنة متبعة من قبل النقشبنديين، أي المشيخة وراثية؟
وبنفش هذا الشكل تعامل مصطفى البرزاني مع أعضاء وقيادات الحزب الديمقراطي بعد تأسيس الحزب وإنضمامه له. منذ اليوم الأول أخذ يتفرد بقرارات الحزب، ويحضر نجليه ادريس ومسعود لخلافته في سن مبكرة جدآ. ولهذا السبب جرى خلاف وإنشقاق في الحزب الديمقراطي عام 1966 وتم إنشاء حزب ثاني في الإقليم عام 1975 بقيادة الراحل جلال طالباني. وفي المقام الثاني، كان هدفهم بناء مشيخة خاصة بهم، ولا يهم تحت أي غطاء أو عنوان.
ومع ظهور الأحزاب والجمعيات السياسية على الساحة الكردستانية، وبهوية كردية واضحة المعالم، وذات أهداف وطنية كردستانية في غرب كردستان وشرقها، ونشوء الإتحاد السوفيتي، ركب البرزاني الأب الموجة، وأخذ يرفع شعارات قومية بشكل خجول في البدء، ولاحقآ توجه الى مهاباد بهدف الإنضمام للكيان الوليد بقيادة الراحل الكبير شهيد كردستان قاضي محمد.
ومع تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستان-العراق عام 1941 وإنضمام الملا مصطفى له مع مجموعة من مريديه وهم بالألاف، حالما إستلم دفة قيادة الحزب، وتفرد بقراره وقرار الثورة لاحقآ. وبعد إتفاقية الجزائر بين المقبورين شاه ايران وصدام حسين، قرر البرزاني الأب وقف الثورة، واللجوء لإيران مع عائلة للعيش بحضن النظام الإيراني. ومع تحرير الكويت وإندلاع الإنتفاضة في جنوب كردستان، تغيرت الأوضاع بشكل دراماتيكي، مع فرض الغرب مناطق حظر الطيران شمال وجنوب العراق، مما حدا بصدام الى سحب جميع موظفيه وأجهزته الأمنية والعسكرية من ثلاثة محافظات كردية رئيسية بشكل كامل، ما عدا مدينة كركوك التي إحتفظ بها لنفسه بغية الإستفادة من نفطها الوفير.
هذا الوضع دفع بقيادة الحزبين الديمقراطي والإتحاد الوطني، الذين كانوا قابعين في دمشق في ضيافة صديقهم المستبد حافظ الأسد على وجه السرعة العودة الى للإقليم. وبسبب إمتلاكهم لميليشات مسلحة والمال الوفير، فرضوا سيطرتهم على المنطقة الكردية كاملة، وباتوا سلطة أمر واقع، تمامآ كما فعل حزب العمال الكردستاني بغرب كردستان، بعد سحب النظام السوري كافة موظفيه وأجهزته القمعية من المناطق الكردية، وأطلق على هذه العملية اسم “ثورة روزأفا” جماعة صالح مسلم! مثلما أطلق الجنرال عبدالناصر على إنقلابه تسمية “الثورة”.
ولم يستطع الملا مسعود، الذي حل مكان والده بعد أن إنتقل هذا الأخير الى جوار ربه، الإتفاق مع غريمه وغريم والده جلال الطالباني، على تقاسم الكعكة مما أدى الى تفجير الوضع في الإقليم ونشوب حرب أهلية طاحنة، غزاها الأعداء، وراح ضحيتها أكثر من أربعة ألاف من الكرد الأبرياء وهدم مئات القرى. ولولا التدخل الأمريكي المباشر لإستمر الحرب بينهما لسنوات طويلة للغاية.
ومع سقوط النظام الصدامي الإجرامي، حصل الكرد على مكاسب دستورية وسياسية مهمة جدآ. وبات إقليم جنوب كردستان إقليمآ فدراليآ، وبصلاحيات دولة شبه مستقلة. وفي هذا الأثناء تفرغ أعضاء العائلة المقدسة سرها، بقيادة مولانا مسعود قدس سره، لعمليات النهب والسرقة المنظمة كالعقارات والأراضي، النفط والغاز، التهريب، فرض الأتوات على كل مستثمر في الإقليم على نمط الحرامي السامي رامي مخلوف، إضافة الى الجمارك، وما أدراك ما الجمارك، أموال لها بداية وليس لها نهاية.
وتحول أفراد العائلة الذين كانوا يعيشون على المعونات الإجتماعية في الكثير من الدول الأوروبية، الى مليرديرية كالملا نجيرفان ومسرور وعمران البرزاني وخالهم هوشيار زيباري وشقيقه عنتر. وبات يملكون قصورآ وفنادق وحصص في شركات عملاقة في كل من أمريكا أوروبا وتركيا. حالهم في ذلك حال المافية الأسدية العبقرية، التي نهبت البلاد والعباد عن بكرة أبيهم. في الوقت الذي لا يجد المواطنين الكرد والسوريين ما يسدون به رمقهم ورمق أطفالهم.
وبسبب جشعهم حاولوا السيطرة على كل مقدارات الإقليم، وأقصوا بقية القوى السياسية وتفرد الملا مسعود بالقرار السياسي والمالي إقتداءً بسنة أبيه، وإمتناعه مغادرة منصبه بعدما إنتهت مدته القانونية، مما دفع بعائلة خصمهم التاريخي الطالباني بالتمرد عليه، والإتفاق مع بغداد وطهران بإخلاء مدينة كركوك وزمار ومخمور لهم، نكاية بمسعود البرزاني زعيم الحرامية والجهلة والأمية. وهكذا تسبب هذا الطاغية بضياع كركوك ومعها نصف مساحة الإقليم إضافة إيزديخان الكرد – شنكال المقدسة.
يحزنني أمر اولئك الحمقى المغررين بهذه العائلة، الذين يسيرون خلفها كالماشية، دون أي تفكير.ولا يدرون أنها باتت تشكل خطرآ حقيقيآ وجديآ على مستقبل الكرد عمومآ، وفي جنوب كردستان خصوصآ. إذا كان هناك من أمل وحيد في هدم الكعبة على رؤوس ال برزان والمتحالفين معهم من أصحابي المصالح والفاسدين، هو تجرأ أهل كل من دهوك وهولير النزول الى الشوارع والتظاهر ضدهم، والمطالبة بحقوقهم، وبقيا أن يطالبواا برحليهم عن السلطة أيضآ. وعلى القوى المعارضة جمعاء، دعم هذا التحرك الجماهيري المبارك ضد حكم الطاغية في هاتين المدينتن، اللتان تشكلان معقلآ اساسيآ لزمرته الباغية.
29 – 03 – 2018