يكثر الحديث عن طبيعة الصراع في سوريا واتجاهاته ومصيرها كدولة وكشعب . لا نأتي بشيء جديد عندما نذكر او نستذكر ” المؤامرة ” وحجمها وبرنامجها ضد الاسلام كأمة وكدين وضد العروبة بشكل عام والدول النفطية العربية والمحيطة بأسرائيل منها بشكل خاص . الغاية منها السيطرة عليها ونهب خيراتها والاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي وتأخير تطورها ومنع توحدها ” وهذا سبب في غاية الاهمية ” الحسابات الاستعمارية مُنصبّة على هذه المسائل . انها ليس فرضية بل واقع معاش منذ زمن مداه وتاريخه قديم من قبل الحرب العالمية الاولى مروراً بها ولحد اليوم . بغض النظر عن طبيعة الانظمة السائدة فيها التي جرى استحداثها بعد سقوط الدولة الاسلامية بقيادة بني عثمان ضمن الاتفاقات الاستعمارية مثل ” سايكس بيكو” وغيرها الانظمة السائدة فيها كأن تكون ملكية او جمهورية , دكتاتورية فردية او ديمقراطية , مسالمة أو عدوانية كما يصنفونها على مزاجهم وعلى قياساتهم الخاصة بهم . من اهم هذه الدول التي يجري تطبيعها وترويضها حسب مفاهيمهم كدول استعمارية ما ذكرناه آنفاً كحالة وكأسباب .
قديما الدول الاستعمارية كانت تعمل على احتلال الدول بشكل مباشر لأستغلالها ونهبها مستغلة تقدمها و تطورها العلمي والتقني في هذا المجال , يرافقها انشاء وصناعة الحركات الشعوبية والعنصرية وزرعها في اماكن سيطرتها لغرض الاستمرار في الهيمنة . والامثلة كثيرة على ذلك . أهم ما انجزته الدوائر الاستعمارية في العالم على مدى التاريخ القريب هو انشاء الكيان الصهيوني واغتصاب فلسطين والاقرار بدويلة اسرائيل العنصرية , التي بنيت على الوهم التاريخي والاجرام الاستعماري . ودولة جنوب افريقيا وتسهيل وتمكين العنصر الاوربي الآري الاستعماري من السيطرة عليها وادارتها كدولة خاصة بهم . والحالة الاخرى انشاء دولة ” تايوان ” المسلوخة من الصين ” جمهورية الصين الشعبية ” واعتبارها كدولة عظمى بدل عنها رغم صِغَرِها. مستغلين ومبرزين للتناقض الحاصل بين النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي . هذه بعض الامثال البسيطة للتعريف بمذهب وسلوك الدول الاستعمارية ونضرياتها المتعامل بها في العالم , سلوك اجرامي فاسد ومغالط لكل القيم والاعراف الصحيحة والسليمة ” من اعطاهم الحق في هذا التجني على الآخرين ” . التطور العلمي والتقني في المجال العسكري والاستخباري ولا اعني الحضاري الانساني ’ هو ماخلق هذا الحال المزري في الاعتداء على دول العالم المسالمة بغية الاستحواذ على خيراتها واستغلال مواردها ومواقعها الجغرافية وشعوبها .
كل هذه الدلالات للتأكيد على ماحدث في المنطقة العربية وما يحدث وسيحدث .الدوافع الاستعمارية هي نفسها لم تتغيير وفلسفتهم وثقافتهم لم تتبدل , كل ما هنالك تطويرهم لأساليب تنفيذ برامجهم ضمن نضرياتهم الثابتة في الاستغلال والعدوان . التركيز في هذه الفترة الزمنية التي تبني عليها الدول المستعمِرة صاحبة العلاقة منظورها في “اقتصادها ورخائها وتطور تقدمها العسكري والتقني “, السيطرة على مراكز الطاقة في العالم والتحكم بها وبأسواقها , حتى لو استدعى ذلك أبادة شعوب هذه الدول ومن يساندها , ومعلوم بأنها تتركز في كل من دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وليبيا والجزائر وإيران والمؤشرات والتنقيبات تشير بأن هناك دول عربية أخرى مؤهلة للإنتاج الواسع لمصادر الطاقة النفط والغاز . والعمل في الامر الثاني الدال على حماية مراكز العدوان الاستعماري مثل ” اسرائيل ” .
الخوف والقلق الاستعماري يستدعي قيامهم بضرب كل الدول العربية والاسلامية وتدمير مرتكزاتها الحضارية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية , التي قد ” ونركز على كلمة قد ” تعارض ما تفعله دول الاستعمار ’ وهذا متوقع وغير مستغرب كون امة الاسلام امة واحدة وانبثاقها من جديد ” في منظور التوحد ” جائز لأسباب وشروط ذلك الكامنة فيها , والدول العربية ومصيرها وتوحدها كذلك . حالات الصراع المريربينها وبين دول الاستعمار مبنية على هذه الأسس كأولوية جوهرية واساسية في فحوى هذا الصراع .
أنشأ المستعمرين حديثاً الكثير من الحركات الشعوبية والعنصرية دينية وقومية وتمكينها من ” ادرارة دول ” مستغلين حالة التنوع المبنية على التآلف والتجانس الانساني ساعين لتخريب موجبات تجانسها وادخالها في حال صراع وتناقض مستمرين لا يفضي الى شيء سوى الهدر العام والشامل لكل موجبات حياة الاستقرار والسلام والتطور . لانريد ان نذكر الحركات المخلوقة والتي بناها المستعمرين , فهي معروفة للجميع لكن نريد ان نؤكد لمن لا يعرف هذه الحركات وطبيعتها ان كل اتجاه حاكم او فاعل سياسي او ديني فردي او جماعي لا ينتهج في سلوكه مصلحة شعبه وشعوب امته الاسلامية يصب في خدمة أعداء هذه المؤشرات ” الوطن والامة ” والعكس صحيح . الاتجاهات السياسية العربية والاسلامية بغض النظر عن طبيعتها ومنهجها وسلوكها فعليها ان تعي ذلك وتفهمه وتعمل به . ما جرى على سوريا ويجري هوفي هذا المفهوم والاطار . وما جرى على العراق وليبيا ويجري في اليمن ولبنان ومصر وقطر والبقية من دول العرب والمسلمين . الكل ضمن اطار اللعبة الاستعمارية ” مجبرين مرغمين لا راغبين ولا راضين ” لأمور تفوق ارادة الجميع بحالهم الذي هم عليه . دوامة من التناقض تحركها يد العدوان بين التراضي والارضاء والاسترضاء وتحت شعار ” غصباً على البل تصعد للسفينة ” .
أقوى رد على الاستعمار في سلوكه ونضرياته وفكره الاجرامي الارهابي , هو السعي الحثيث والجاد ” للتوحد ” في مجالات الحياة واستقرارها وتطورها في جوانبها الاساسية الاقتصادية والعلمية والاجتماعية ومصادر قوتها . ” لتكن اشكال الانظمة على حالها لكن المطلوب شكل يغطي كل هذه الاشكال ” ويكون فوقها ومرجعها في رسم واتخاذ القرار المصيري الحاسم المهم .
عبدالقادر ابوعيسى : كاتب ومحلل سياسي عراقي حر مستقل .