دراسة عن سلبيات ادارة التعليم العالي في دهوك- الجزء الاول –  دكتور عبدالعزيز رشيد  –   م. حاتم خانى

 

التفرد في القرارات

دكتور صرفت عليه الدولة الملايين لكي يحصل على شهادة الدكتوراه , جالس في بيته ينتظر رأس كل شهر ليستلم تلك الملايين من الدنانير كراتب تم تخصيصه لقاء خدماته بالقاء المحاضرات على طلبة الجامعة ضمن اختصاصه , لكن بسبب عدم تطابق وجهات نظره وارائه مع اراء السيد العميد فلا يمكنه القيام بالقاء اي محاضرة ولا يكلف باي واجب آخر , وفي نفس الجامعة في دهوك  مدرس ماجستير استبعد من القاء المحاضرات وذلك لان مسؤولا كبيرا في الجامعة سمع منه كلاما لم يعجبه فاوصى مسؤوليه بعدم تكليفه بأي واجب ,  ومدرس ماجستير آخر يأتي بعض الايام للدوام لانه سأم من الجلوس طوال ايام السنة  في البيت بعد أن تم حرمانه من تأدية اي مهام او واجبات , لان اختصاصه غير متوفر في هذه الجامعة واذا سألته لماذا لا ينتقل الى المكان الذي يتمكن من خلاله تقديم خدماته في ذلك الاختصاص , يجيب بأن المسؤولين هناك لا يسمحون له بالدخول بين صفوفهم , وهو ايضا يستلم عدة ملايين كل رأس شهر .

هذه امثلة مثلها مثل عشرات الحالات الاخرى التي تستنفذ اموال الدولة دون ان تؤدي الوظيفة المطلوبة  لاسباب عديدة معظمها أسباب مزاجية لمسؤولي الجامعات ,  مثال آخر مختلف عن الامثلة أعلاه , فالوظيفة الاساسية للدكتور الذي يحصل على شهادة الدكتوراه ويتقاضى راتبا من الحكومة هي القيام بتدريس الطلبة وخدمة العملية التعليمية اوالقيام بالبحوث والدراسات التي تؤدي الى تحسين الحياة العامة وتسهيلها في المجتمع  , ولكن السيد رئيس الجامعة فضل ان يجد عملا آخر لاصحاب الشهادات العليا حيث تم تكليفهم في اداء وظائف ادارية يمكن ان يقوم بها اي موظف اخر اقل شهادة واقل كلفة للدولة ويتفرغون هم لتعليم الطلبة ضمن اختصاصاتهم , وغاية السيد رئيس الجامعة بذلك ,لانه ببساطة يريد ان يفتخر بأن من يشرفون على ادارة جامعته معظمهم حاملو شهادات عليا في حين ان معظم الكليات والاقسام والمراحل  الدراسية  تعاني نقصا في الكوادر . واذا استفسرت  من العميد لماذا لا يستعين بهؤلاء في سد النقص في مؤسسته , يجيب بأن الامر ليس بيده , واذا وجهت نفس السؤال الى رئيس الجامعة تكون اجابته ان الامر ليس بيده , اذن من المسؤول عن ترك هؤلاء بعيدين عن اداء واجباتهم ؟ قد يظن المسؤول الجامعي انه بهذه الاجابة قد برأ ذمته من تحمل المسؤولية في جلوس هؤلاء في بيوتهم او في مكاتبهم الادارية دون القاء اي محاضرة وهم اصحاب هذه الشهادات  العالية والالقاب الرفيعة , وقد دأبنا على سماع هذا العذر كثيرا , لكن اذا كانت الحكومة تتعامل بمرونة مع بعض اخطاء قياديي مؤسساتنا ودوائرنا فأن القانون يجرم هؤلاء ويعتبر كل مسؤولا منهم متلكأ ومقصرا في اداء واجباته ويوجب تقديمه للمحاكمة .

التعليم مثله مثل باقي القطاعات اصبج ضحية بين الاحزاب فلان وزير التعليم , من حزب الاتحاد حيث لا سلطة له على دهوك لذا فان بعض قراراته التي يصدرها لا تسري على سلك التعليم في هذه المدينة وهو يعلم ذلك ( لذايتراءى لنا ) انه لا يأبه لمسيرة التعليم في دهوك ولا يهمه من يدير المؤسسات التعليمية وهل يتمتع اولئك بالكفاءة المطلوبة ام لا , واذا تقدم اي شخص للترشيح لنيل المسؤولية في احدى مؤسسات وزارته في دهوك فهو لا يستطيع تعيينه او اختياره بصورة منفصلة عما يريده بعض المسؤولين في دهوك. فالكفاءة العلمية ليست معيارا اساسيا لذلك الاختيار , بل الولاء والتبعية للمسؤولين في السلطة هي الفيصل القاسم , وبذلك اصبحت المنافع الشخصية لبعض الافراد من الاحزاب دور كبير جدا لدعم واسناد وتكليف المسؤولين في الجامعات والمعاهد , وبالتأكيد تكون هناك  تنازلات من قبل المرشحين لهؤلاء الداعمين وتعهدات بتبادل المنافع لضمان هذا الدعم والاسناد ومن المؤكد ايضا  تكون هذه التنازلات بعيدة جدا عن الشرعية او القوانين النافذة , وقد تدر هذه المناصب لمن يتسلمها اموالا كبيرة بحيث ان رئيس الجامعة والموالين له يصبحون من اصحاب الاملاك التي لم يكن ليملكونها لولا هذه المناصب , وقد صرح احد العمداء بأن ما يجنيه من مخصصات في منصبه ليست بذات اهمية , بل الاهم هواستغلال منصبه للتعرف والوصول  الى الاشخاص المتنفذين داخل السلطة والتمكن من تكوين علاقات وثيقة معهم واستغلال هذه العلاقات  في ادارة مشاريعه الخاصة , فالاموال ليست هدفا وحيدا لاولئك المسؤولين .

من اجل هذه المنافع نجد ان هناك  منافسة شديدة جدا للوصول الى مثل هذه المناصب لا لخدمة المؤسسة التعليمية وانما للحصول على المكاسب والغنائم التي سيجنيها , واذا كان من حق الموظف ان يؤجر على عمله فالشرع والواجب والقانون يحتم عليه ان يقدم افضل ما لديه ويؤدي الواجب المكلف بادائه على اكمل وجه ايضا , وقد تسببت العلاقة الموجودة بين المسؤولين في هذه المناصب وبين بعض الافراد داخل الحزب مشاكل لعملية التعليم ادت في بعض حالاتها الى تقهقره وتراجعه عن الاداء الامثل , ويجب التمييز ان العراقيل التي تولدت هنا جاءت من افراد في الحزب وليس من الحزب نفسه ذلك لان هؤلاء الافراد فضلوا تغليب مصالحهم الشخصية مستفيدين من وجودهم بين صفوف الحزب. وبهذا يتم الولاء لهؤلاء الاشخاص وليس للحزب نفسه وتبنى على اساس ( نفعي للطرفين ) .

وهكذا بدأت تظهر على السطح سلبيات ومشاكل كبيرة ترافق مسيرة مؤسساتنا التعليمية في دهوك ويشهد هذا القطاع تراجعا كبيرا على المستوى الداخلي والخارجي وبدأت تتكشف للمطلعين الهوة الكبيرة التي تتسع وتزداد بين البديهيات التعليمية الدولية الاساسية وبين التطبيقات الهشة للطموحات التي كانت اللبنات الاولى للبدء بهذه الفرضيات.

 

 

        دكتور عبدالعزيز رشيد               م. حاتم خانى