دراسة عن سلبيات ادارة التعليم العالي في دهوك- الجزء الخامس-   دكتور عبدالعزيز رشيد          م. حاتم خانى

 

شهادات – 

( نحن لا نريد للطالب ان يتعلم نريده صاحب شهادة فقط , فنحن لا نحتاجه لقيادة المجتمع فهناك قادة موجودين ولا نحتاج لتكديسهم , فكلما تخرج طالب قائد فانه يحتاج الى كرسي وموقع يديره , ولم يتبق لدينا كراسي جديدة ) . هذا هو الواقع المؤلم الذي يدور بين صفوف البعض من الشخصيات والوجهاء في دهوك , فكلنا نرغب بالقيادة ولكننا لا نرغب بالعمل , حتى ظهرت في مجتمعنا طبقات اصحاب شهادات جامعية عاطلة عن العمل ونحن نستقدم العمالة من الخارج , واذا رأيت خريج جامعة او معهد يعمل في متجر او شركة بسيطة فذلك من الغرائب , فبأعتقادنا ان صاحب الشهادة قد تخرج لكي يجلس خلف الكرسي ويصدر الاوامر فقط . وهكذا سار الحال بنا حتى اقتنعنا ان التعليم هو شهادة فقط ولا حاجة للتعلم والمعرفة .  وكثيرا ما ردد البعض من الطلبة , استاذ انا فقط احتاج الى الشهادة لتعديل الراتب او لاصبح مثل اصدقائي , او لاتميز عن غيري في العمل . حتى لو كان الحصول على هذه الشهادة بطرق غير مشروعة , وهذا ما يحدث كثيرا حتى في الوقت الحاضر , والاغرب ان هذه الحالة اصبحت من ( الشطارة ) والذكاء وال ( فهلوة ) واصبحت عادة مشروعة ولا يتم التستر عليها خوفا من القانون ولكن تجنبا للاحراج امام من حصل عليها بالطرق العادية . هذه الحالة التي تزداد ولا تنقص بدأت تؤثر على سير عمل الكثير  من اساتذة التعليم الاكاديمي حيث بدأت علامات اليأس تظهر عليهم باقناع الطالب ان التعليم معناه الحصول على العلم والمعرفة وليس الشهادة لوحدها , ونتيجة هذا اليأس تدهور مستوى الاستاذ ايضا واصبح يفكر كيف يمضي وقت المحاضرة دون ان يواجه اعتراضات ممن جاءوا لنيل الشهادة فقط . وهكذا يتكاثر فساد العقول وتترعرع الطرق الملتوية للعيش والحياة وتزداد الفسحة وتتسع بين الافكار النزيهة وتلك الشريرة . وهذا لا يعفي الاستاذ من المسؤولية التي وصل حال الطالب اليها حيث انعكست لدى هذا الطالب صورة الاداء السيء لمعظم الاساتذة في القاء محاضراتهم ودروسهم . وبالتالي ترسخت لديه قناعة تامة ان الجميع يسعى للشهادة دون التعلم بما فيهم استاذه .

اما الدراسات العليا فهناك في التعليم العالي قرارات واضحة وثابتة تقريبا بخصوصها واشملها هو شرط العمروالمعدل وتأتي بعدها تعليمات خاصة بالاختصاص والجامعات وغيرها من الشروط  , ولكن معظم قرارات وزارة التعليم بخصوص الدراسات العليا لا تجد لها طريقا للتطبيق من قبل مسؤولي مؤسساتنا الاكاديمية في دهوك  حيث تجد رئيس هذه الجامعة او عميد تلك الكلية ينصح طالب الدراسات العليا بالحصول على مقعد دراسي ( وغالبا في الخارج ) حتى لو كان خارج التعليمات والسياقات المعمول بها او القرارات التي تصدرها الوزارة  ومن ثم يبحث له عن مخرج لتعديل شهادته بعد ان ينتهي من الدراسة , فاما انتظار فرصة تغيير قرارات الوزارة وقد حدث ذلك كثيرا ( مثل شرط العمر الذي تم الغاءه )  او سلوك طريق آخر وهو منتشر في دهوك ويكاد يكون من ضروريات العيش هنا الا وهو ( الواسطة ) , فبالواسطة يصبح كل شيء غير شرعي اوغير قانوني ممكنا , وفي الحقيقة الواسطة المنتشرة في دهوك لاتدخل في باب الفساد المالي بل هو فساد اداري بحت لانه يتم عن طريق القرابة والمعرفة ولا يحتاج الى المال. فيبدأ الفرد الذي حصل على شهادة عليا بالبحث عن مسؤول بارز متنفذ في اروقة ودهاليز الحكومة لتعديل شهادته , وغالبا ما يتم هذا الامر , وقد قال بعض الراغبين بالدراسة من الذين لم تتطابق الشروط عليهم حينها بانهم ندموا لانهم تقيدوا بقرارات الوزارة ولم يقدموا على الدراسات العليا ظنا منهم ان الوزارة لن تقوم بتعديل شهاداتهم , لكن اتضح فيما بعد ان الكثير من اقرانهم حصلوا على التعديل واستمروا بالتقديم على شهادات اعلى . وهذه الحالة منتشرة في الدول الفاسدة , فمن يتقيد بالقانون لا يحصل على مبتغاه ومن يخالف القانون والتعليمات يكون هو الفائز معظم الاحيان.

وهناك افراد الحاشية والتكتلات التابعة لمسؤولي الجامعة فهؤلاء لا يحتاجون الى البحث والتقصي عن واسطات لتعديل شهاداتهم , لان العميد او رئيس الجامعة سيتكفل بذلك , وهناك الكثير من الامثلة التي توضح كيفية قيام توابع المسؤولين بالدراسة دون التقيد بشروط الوزارة ودون الحصول حتى على الاجازة الدراسية . فمثلا تشترط الوزارة على الموظف الجامعي الذي يود القيام بدراسة  الماجستير ان يتفرغ صباحا للدراسة في حال ان دراسته خارج البلد او خارج مدينته , فكيف به اذا  حصل على هذه الشهادة من دولة اخرى وهويداوم في موقعه . !!!!!!!

اما الفئة الثالثة فهي ان تكون عضوا في الاحزاب المنتمية الى الحكومة وهي نسبة كبيرة ايضا , وهي الاسوأ من الناحية العلمية , لانها وصلت الى هذه المراحل عن طريق اليات الحزب ولا يهمهما العلم والتعلم طالما انه لا يوجد من يمتحنها او يقف في طريق تسلمها المناصب والمسؤوليات . وفي حين لم تكن تجد في صفوف احزابنا سوى القليل ممن انهى الدراسة الثانوية , اصبح معظمهم الان اصحاب شهادات جامعية ونسبة لا بأس بها اصحاب شهادات عليا , ومع انها حالة صحية جدا وخاصة لتلك الاحزاب الا ان معظم هؤلاء لا يزالون لا يعرفون اتباع القواعد في الكتابة ( وقد لا يعرفون الكتابة بتاتا ) , والبعض الاخر لم يكتف باختصاص واحد بل حصل على شهادتين في مجالين مختلفين , وما يميز الكثير منهم انهم اصبحوا متغطرسين , متعجرفين وخاصة عند التعامل مع الفئات العامة من المجتمع , فالشهادة بدون علم لا تمنح الثقافة , والثقافة هي التي تمنح الانسان تواضعه وسلوكه الحسن في التعامل مع اقرانه من البشر

معظم الشهادات الممنوحة لاصحاب الدراسات العليا لا يستحقونها عن جدارة لان المشرفين على هذه الرسائل غير جديين تماما في المناقشة او الاشراف وهم غير جديرين وغير  اكفاء ,  او ليس لديهم المام تام باختصاصات تلك الرسائل الجامعية مما يخلق ضعفا واضحا في عملية الاشراف وتظهر نفس حالة الضعف هذه على المشرفين في المناقشة النهائية , لذا يكون الطالب واثقا من نجاحه , ولم نسمع ان احد طلاب الدراسات العليا قد فشل الا اذا لم يكمل رسالته او تخلى عنها او لم يحضر المناقشة بتاتا . وقد اشار تقرير لقناة الحرة الاميركية ان 90% من شهادات الدراسات العليا بعد 2003 يشوبها الشك في صحتها . ولتبيان ضعف المشرفين وكيف انحرف اتجاه الهدف الاساسي من اشرافهم , مثلا احد الاساتذة ( معظم الاحيان , يكون العميد او رئيس الجامعة باعتبار ان بيده الصلاحية ) يشرف على طلاب ماجستيرمن دهوك ولان التعليمات لا تسمح له بأكثر من اربعة طلاب داخل مدينته , فانه يتفق مع استاذ  كأن يكون من خارج الاقليم لتبادل الادوار بحيث يشرف هو على الطلبة الخاصين به وطلاب من خارج الاقليم وبالمقابل يقوم الاستاذ من خارج الاقليم بنفس الدور , ثم يتم لعب نفس الادوار عند التقديم للمناقشة . واحيانا لا يتم الكشف عن عدد طلاب المشرف وخاصة اذا كان يشرف على طلاب من خارج الاقليم , وهنا يظهر لدينا نوع آخر من التلاعب .

هكذا يتم التحايل على التعليمات وبصورة قانونية من اجل الحصول على المال الذي اعمى بصيرتنا عن اداء الواجبات الاخلاقية في العمل . اذن كيف سيكون التعليم وكيف سيكون الاشراف  ولدينا مشرفون غايتهم الكسب وليس التعليم وكيف سيتخرج طالب الماجستير وهو على دراية تامة بما يفعله استاذه .

الكثير من طلبة الدراسات العليا يحصلون على شهاداتهم من خلال جامعات غير رصينة في الكثير من البلدان التي اصبحت بعض جامعاتها تجارية , حيث تتغاضى عن بعض شروطها واجراءاتها لقاء مبالغ من المال , او ان بعض اساتذتهم يتقبلون الهدايا وهذا ما حصل مع بعض الاساتذة في احدى جامعات العراق حيث كان الطالب يزودهم بالهدايا ويدعوهم في كثير من الاحيان الى كوردستان وينفق عليهم ويحملهم ما يرغبون به عند عودتهم فحصل الطالب على تقدير جيد جدا دون تعب يذكر وبموضوع ضعيف جدا .

وقد حاولت الوزارة استحداث شرط حصول طالب الدراسات  على شهادة الآيليتس في اللغة الانجليزية وتقديم عرض (Presentation      بريزينتيشن )  امام لجنة في الوزارة , للحصول على تعديل شهاداتهم كما حرصت الوزارة على تغيير لجنة المقابلة باستمرار, وان كان هذا الاجراء صحيا ونافعا في الحد من الخداع والتلاعب بالشهادات , الا ان الشك يراودنا في مدى نزاهة اللجنة وعدم انصياعها للضغوطات الحزبية والعشائرية ثم الشخصية . وقد لاحظنا تجاوز البعض ممن لا يستحقون تعديل شهاداتهم  هذه الشروط او ( نجاحهم المزعوم ) . وسيتم الاشارة الى مثل هذه الامثلة في الاجزاء القادمة .

وفي الحقيقة قد لا تختلف مناقشة الرسائل داخل كوردستان من حيث التساهل وتجاوز الصعوبات التي تواجه طالب المناقشة , حيث حضرنا مناقشة احدى رسائل الدكتوراه امام لجنة مماثلة , فكان المجموع الكلي للاسئلة المطروحة خمسة عشر سؤال , اجابة ثلاثة من الاسئلة مستوفية تماما , اجابة ثمانية من الاسئلة مشكوك في دقتها وبقية الاسئلة بين عدم وجود علاقة واضحة بالموضوع او انها اسئلة تحتاج الى زمن اكبر فكان يقتصر على اجابة ( اسكات فقط ) , وكانت النتيجة التي حصل عليها الطالب جيد جدا ؟؟؟؟

على الرغم مما تحاول الوزارة القيام به وجهودها الكبيرة لتجاوز الصعوبات الا انها لازالت  مجرد حاملة للاختام التي تؤيد فيها ما تبعثه جامعات دهوك , ولم نر في يوم من الايام ان الوزارة قامت بارسال وفد او لجنة للتعرف على مدى صحة ما تستلمه من بيانات وتقارير او متابعة شأن شائك حدث بين تعليمات الوزارة وتصرفات المؤسسة الاكاديمية او لمعرفة مدى تطبيق قراراتها . هكذا هي وزارة التعليم التي لا شأن لها بمحافظة دهوك .

  دكتور عبدالعزيز رشيد          م. حاتم خانى