المال, السلطة, التدين و أشكاليات المنافقة – د. قبات شيخ نواف الجافي

 

كان لدي بعض التردد عن الكتابة عن هكذا مواضيع شائكة وحساسة لدى الكثيريين. إلا أن هذا التردد تبدد شيئا ما بعد أستفحال الظاهرة والحاجة الملحة الضرورية إلى هكذا مناقشات مجتمعية. لطالما كان موضوع هذا المقال مثار جدل وتجاذبات عديدة بين الناس منذ قديم الزمان و إلى الآن. أن هذا الثالوث المحرم الممنوع, أثار شبهات عديدة بين طبيعة العلاقة المشبوهة المرفوضة أخلاقيا ومنطقيا عن دور المال, السياسة و التدين الظاهري في هدم وخراب المجتمعات. أن النفاق يعتبر مشكلة أخلاقية كبيرة ومفجعة, وهي بكل تاكيد من أرذل الرذائل في الفكر الأخلاقي الإسلامي بعد الشرك بالله.

لقد كتبت أكثر من مرة عن الأخلاق, و ها أنا أكتب عنه للمرة الثالثة لقناعتي المطلقة بأن غياب الأخلاق أو النفاق بها, هي جوهر و أصل كل المآسي البشرية من فقر و فساد و أمراض و مظالم وجهل, فعلاج هذه المسائل لا تحتاج إلى المليارات كما يقال, بل هو تعزيز الوجود العملي للأخلاق في شتى مناحي الحياة: أقتصاد, أجتماع, ثقافة, دين, سياسة…

للمال دور مهم بلا شك في هذا الحياة الدنيا, فهي في كثير من المواقف ترفع من شأن اللئيم المنافق, وتحط من شأن الإنسان المسالم طيب القلب, وهذا يكثر في الكثير من المجتمعات, وخاصة المنافقة منها. فالمال يشتري الذمم ويشجع على الفساد, وينشرالبغضاء و الرذائل بين الناس ويتمي الفوارق الطبقية إذا لم يستخدم بالطريقة الصحيحة أخلاقيا. وصاحب الرأسمال يتلاعب بالسياسيين ويشتري ذمم رجال الدين ويخلق ثقافة مجتمعية بين الفقراء و المساكين بأنه إنسان شهم ورحيم وسخي, و لكنه يتلاعب بأحتياجات الناس, ويعزز من مركزه على المستوى العائلي و المجتمعي. وإذا سأله أحد ما عن مصادر هذا المال الحقيقية, ونسبة الزكاة المستحقة من هذا المال الواجبة أخراجها, يتردد ويلفق الكلام من هنا و هناك, فيصدقه الفقراء و أصحاب القلوب الطيبة الساذجة, وينافقه فيه من هم على شاكلته. وكذلك يعتمد صاحب المال إلى اللعب على وتر التدين من محافظة على الصلوات, وتردد أوتوماتيكي على المساجد والقيام بالشعائر الظاهرية الأخرى لتعزيز وجوده الأجتماعي بين الناس, فيصبح المسجد من خلال المنافقة و التردد اليومي أشبه بمقهى أو ملتقى او مكان لتجاذب الأحاديث في جو أجتماعي بعيدا عن التقوى و الورع في معظم الأحيان.

المال و السلطة أيضا موضوع شائك ووعر, وهناك علاقة تاريخية قديمة بينهما, ولطالما كانت هذه العلاقة مشبوهة وقائمة على المنفعة و النفاق المتبادل بمعرفة و رضا الطرفين. والجميع يعلم كيف يتم أستخدام المال في خدمة السلطة و بالعكس حتى في الدول الديمقراطية المتقدمة. و الشركات الدولية العملاقة خير دليل على ذلك. المال أيضا لعب ويلعب دورا بارزا في المسائل الدينية, ولطالما أستلم رجال وشيوخ الدين النقود و الهدايا و العطايا الثمينة من أصحاب الأموال المشبوهة و الغير مشبوهة على حد سواء. وكذلك الصدقات التي غالبا ماتوزع بشكل غير عادل ويذهب قسمها الأكبر إلى الأهل و المعارف الغير محتاجين, ولا يتم البحث عن الفقراء بشكل جدي لتوزيعها عليهم. على أيه حال, يطبقون  الحديث الموضوع الضعيف حسب الألباني, “الأقربون أولى بالمعروف” الذي لطالما أسيى فهمه وتفسيره وتطبيقه. والنص القراني المبارك ذكر الكثير من الآيات ذات مضامين أخلاقية, بل أن عدد هذه الآيات تزيد على عدد آيات العبادات و الشعائر.

وفي سياق ذي صلة, هنالك موضوع الأخلاق في السياق العلمي الأكاديمي فيما يتعلق بالسرقة العلمية و الأقتباس وحقوق الملكية الفكرية…ولكن ما أود قوله بأن الكثير من الأكاديميين يتجنبون البحث في الكثير من المسائل الهامة في مجتمعاتهم التي يشوبها النواقص الأخلاقية, خوفا من فقدان وظائفهم او مركزهم الأجتماعي بين الناس أو التعرض لأشياء غير مرغوب فيها. وبالتالي هم يمارسون النفاق الأكاديمي وتنقصهم الشجاعة الأكاديمية البحثية.

خلاصة الكلام, المال و السلطة و التدين مواضيع حساسة ومعقدة جدا, و ليس من السهل الحديث عنها أبدا لعدة أسباب وضرورات لادعي لذكرها هنا بالتفصيل, و ما ذكرناه كان بشكل مقتضب ومختصر جدا بعيدا عن التعمق و الجزئيات. ان موضوع الأخلاق هي النقطة الجوهرية التي يمكن من خلالها إصلاح الخلل الذي يشوب هذا الثلاثي المحزن. ولكن في نفس الوقت لايجب التعميم, فهناك سياسيين ورجال أعمال و رجال دين يعملون بجد وأخلاص, وسيرتهم الشخصية جميلة وعطرة ومقبولة أخلاقيا ودينيا.

One Comment on “المال, السلطة, التدين و أشكاليات المنافقة – د. قبات شيخ نواف الجافي”

Comments are closed.