الأسُس التاريخية للثقافة الإسلامية – د. قبات الشيخ نواف شيخ جافي.

عندما نسمع كلمة الإسلام لأول مرة لا يمكننا تجنب ربطها بكلمات مثل: الله عز وجل، القرآن الكريم، محمد(ص)، مسلم.. ينتمي الإسلام تاريخيا إلى الديانات التوحيدية الثلاثة، إلى جانب المسيحية واليهودية. يأتي مصطلح الإسلام من كلمة “الإسلام” العربية والتي تعني السلام والاستسلام لله و الخضوع له. ومن أسلم يسمى مسلم، أي خاضع لله عز وجل، وليس لمحمد النبي(ص)، كما يعتقد البعض من الغير المسلمين حول العالم.

محمد (ص)، هو خاتم الأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية البشرية إلى طريق الصواب، وأنزل عليهم القرآن الكريم بتعاليم واضحة و صريحة ليتدبروه و يطبقوه في حياتهم اليومية. لم يبرز الإسلام كدين جديد، ولكن كاستمرار للديانتين اليهودية والمسيحية (لا نريد الخوض هنا في مجالات التحريف أو ماشابه). ووفقًا له، فإن محمدًا  الرسول أرسله الله تعالى ليذكر ويكمل رسائل الأنبياء السابقين، مثل نوح وإبراهيم وسليمان وموسى وعيسى.

هنا هنالك سؤال مهم، هل الإسلام مجرد ديانة أم ثقافة ام الأثنين معا؟ بناءً على حقيقة وجود تعريفات متعددة لكلمة دين، فإن أي إجابة على هذا السؤال تكون نسبية ولكن في وجه نظري الشخصية هي الأثنين معا. كان الإسلام تاريخيا في أصوله وتشريعاته ومنابته الأولى، بالإضافة إلى الطابع الديني، هو الدولة والقانون الذي ينظم المجتمع الإسلامي. لا يأمر ويهتم الإسلام بالجوانب الروحية والدينية فحسب، بل يشمل أيضًا القضايا السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية. لهذا السبب، لا يمكن اختزال الحديث عنه في الحديث عن الدين فقط، و القاعدة الشرعية الأساسية في الإسلام الا و هي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خير دليل على ذلك. يقول القرآن الكريم بهذا الخصوص: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه… ﴾ (110) آل عمران. ويقول في موضع آخر: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾. (104) آل عمران.

الإسلام هو أيضًا مدونة سلوك فردي وجماعي ونظام قانوني وأسلوب حياة. من وجهة نظر العبادة، الأمر بسيط للغاية، لأنه عبادة بدون صور، أو أيقونات، أو وسطاء كما في بعض المعتقدات الأخرى. إنه اتصال مباشر بالله بدون وكيل أو كفيل، علاقة مباشرة وحية محكمة الأركان بين الإنسان وخالقه (لطالما تم أستغلال هذه الجزئية من قبل من يدعون انهم رجال دين، فتلاعبوا بعواطف ومشاعر المساكين لتحقيق مآربهم الشخصية النفعية). في الديانة والثقافة الإسلامية يمكننا التفريق بين جزأين: العبادات وأعمال الحياة الاجتماعية (المعاملات). الأول: هو أسس وأصول الإسلام الجوهري التاريخي وتسمى بالركائز أو الأركان الخمسة التي بات يعرفها طالب الصف الأول الأبتدائي والتي تعتبر ثابتة وقطعية الدلالة والنص. أما الجزء الثاني المتعلق بالمعاملات، فأن السلوك الاجتماعي للأفراد يتغير وفقًا للسياق والتقاليد المحلية لكل منطقة، وهو ما يفسر سبب تكيف الإسلام كدين بسهولة داخل ثقافات مختلفة مثل الثقافات الأفريقية أو الآسيوية أو الأوروبية.. لذلك، فإن التأكيد على أن الإسلام هو دين تعبدي واحد فقط دون ثقافة وتصنيفه على هذا الأساس بين بقية الأديان هو  مجرد تصنيف بسيط وسطحي.

أركان الإسلام الخمسة هي بشكل مبسط كل عمل يقوم به المسلم بوعي وتقوى لتحقيق إرادة الله وتطبيق آوامره يعتبر عبادة في الإسلام. الأركان الخمسة تدعم وتمكن بنية أسلوب حياة المسلمين وخاصة الركن الأول حيث يمنحنا ويعطينا نمط الإيمان بالله، و اليوم الأخر وهو صلب و جوهر العقيدة الأسلامية.

أن مقولة الإسلام دين ودولة يجب أن لا تفسر بشكل خاطئ (فالإسلام لم يحدد نموذج حكم سياسي معين للمسلمين، ولكنه أشترط عليهم أن يكون هذا النظام متوافقا مع الثوابت القرآنية للحكم: كالشورى، العدل والمساواة). اذا مقولة دين ودنيا تشمل أسلوب العيش المشترك مع الأخر، السلوك الحسن، تكوين الأسرة الزواج، تربية الأبناء، تنظيم الدولة، ونحو ذلك كثير من جوانب عديدة مستخرجة من القرآن والسنة الصحيحة المؤكدة. لا يقتصر الإسلام على العالم العربي فقط كما يظن الكثير حول العالم، ولكن بحسب النص القرآن، فإن كل إنسان على وجه الأرض مدعو للتسليم للإله الواحد عن محض أراداته و ليس كرها كما يروج البعض. هناك حوالي أكثر من مليار و ثلاثة مائة مسلم حول العالم، لذلك لا ينبغي الخلط بين الإسلام ونوع ثقافي، عرقي معين أو منطقة جغرافية محددة، بل هو ذو توجه عالمي.

لا يمكن فهم الديانة او الثقافة الإسلامية دون الإشارة إلى مصدره الأول والأساس، القرآن الكريم، حيث يعتبر موضوع دراسة لكل مسلم “صالح”، وفي بعض الأحيان عرضة للتفسير الخاطئ من قبل البعض لأسباب محددة. القرآن يعني “التلاوة”، ووفقًا للعقيدة الإسلامية هو كلام الله الذي أنزل على محمد (ص)، في أجزاء على مدى عقدين من الزمن، استجابة لحاجات المسلمين في جميع الأوقات (أسباب النزول). فلما تلقى النبي (ص)، بعض الوحي أرسله لأتباعه ليحفظوه ويدوّنوه. إلى جانب القرآن الكريم، تستند الثقافة الإسلامية على السنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني للإسلام. السنة هي مجموعة أقوال وحقائق (أحاديث) عن النبي محمد (ص)، والتي تم نقلها على شكل قصص ومرويات لمعالجة وأستنباط الحلول والأحتياجات السياسية والقانونية التي لم يتوخاها القرآن الكريم بالتفصيل (وهذا ايضا أحيانا يكون مثار جدل تاريخي لادعي لشرحه الآن).

نقطة أخرى أساسية في تاريخانية الثقافة الإسلامية هو المسجد. المسجد كما هو معلوم في الإسلام ليس منفصلاً عن الأنشطة الاجتماعية الأخرى للمجتمع. المسجد ليس فقط مكانًا يؤدى فيه المسلمون صلاتهم، ولكنه أيضًا مخصص للاجتماعات والدراسات والمؤتمرات وما إلى ذلك. إنه مركز اجتماعي في حياة المسلم ولكن تم تهميشه على مراحل تاريخية عديدة ليكون مكانا ومنبرا للخطاب الرسمي فقط، و توجيه المجتمع نحو نقطة موحدة ترضي الفقيه و السلطان في ذاك الوقت.

ختاما، لا يمكن اختزال الحديث عن الإسلام، في مجرد الحديث عن الدين أو الثقافة، بل يشمل أيضًا الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية… الإسلام دين وثقافة ومجتمع ودولة في نفس الوقت. الإسلام ليس دين عبادات فقط، بل هو دين معاملات وأخلاق، أن عدد الآيات القرآنية التي تتحدث عن المعاملات والأخلاق وسنن الله في الخلق والكون والتدبر فيه، أكثر بكثير عن تلك التي تتحدث عن الأحكام الفقهية والعبادات. إنها ديانة و ثقافة في نفس الحين، وهي باختصار أسلوب حياة يقوم على خمسة أركان محكمة: الإيمان بوحانية الله عز وجل، الصلاة، الزكاة، الصوم، والحج  وتوجه عالمية مبني على الإنسانية والتواصل الحضاري بين الشعوب من خلال تأطير وتأصيل المعاملات القرآنية والبعد الأخلاقي لرسالة وثقافة الإسلام عامة.