لماذا تعتذر يا سيد جوزيف بوريل؟! – محمد مندلاوي

 

 

قبل عدة أيام وأثناء افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية في بروج في مملكة بلجيكا الاتحادية حيث المقر الرئيسي للاتحاد الأوروبي صرح منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي السيد (جوزيف بوريل): إن أوروبا حديقة والبقية أدغال. ظهر أن تصريحه هذا أثار حساسية البعض في العالم فلذا استدعى بعضهم القائم بالأعمال الأوروبي ليبلغه احتجاجه على ما قال السيد (جوزيف بوريل)، مع أن منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كان منصفاً جداً في وصفه للعالم بغابة أو أدغال، صدقوني أن العالم باستثناء دول أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وإسرائيل، وبعض البلدان الأخرى كاليابان، وكوريا الجنوبية الخ أما البقية ليست سوى غابة.. .

دعونا نناقش الموضوع بعقلانية حتى نعرف كيف كان السيد (جوزيف بوريل) دقيقاً ومحقاً في وصفه بأن أوروبا حديقة. أولاً: إن الشيوعي الذي كان يُضْطَهَدْ في بلده لم يذهب إلى بلده الأم الاتحاد السوفيتي أو أي بلد شيوعي آخر يطلب فيه اللجوء. والآن هناك الصين الشيوعية الديكتاتورية يستطيع الذهاب إليها ليرى بأم عينه كيف يستقبل بالكلاب البوليسية والهراوات، لا يتوجه إلى الفردوس الشيوعي، بل يتحمل مخاطر الطريق ويتوجه إلى إحدى بلدان الغرب الأوروبي، أو شمالها وفي مقدمتها دولة السويد التي تعتبر المركز العالمي للديمقراطية وحقوق الإنسان والتي استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين من جهات العالم الأربع وهذا أكثر بكثير من قدرتها الاستيعابية.عزيزي المتابع، رغم أن هذا الشيوعي يعتنق فكراً اشتراكياً يتعارض مع النظام الرأسمالي السائد لهذه الدول الغربية التي يلجأ إليها ويصبح فيها أخونا الشيوعي بخلاف مبدأه صاحب ملكية خاصة؟!. السؤال هنا: ماذا يعني هذا، أليست بلدان أوروبا الغربية فعلاً حديقة مزهرة فيها الأمن والأمان والعيش الرغيد؟.

ثانياً: البلدان الإسلامية مثل إيران والسعودية والسودان وموريتانيا وغيرها أو المسلمة وليست إسلامية مثل العراق وسوريا ومصر الخ. أليس جميع الإسلاميون والمسلمون حين يهربون من بطش كياناتهم الحاكمة يأتون عبر البحار ويتحملون المخاطر في قوارب الموت حتى يصلوا إلى الجنة الموعودة على الأرض ألا وهي دول أوروبا الغربية حتى ينعم فيها بكل وعد به في كتبه برغد العيش لكن بعد الموت، لكن في أوروبا حقيقة تتمتع بها وأنت حي على الأرض وليس تحتها؟. بما أن هذا الإسلامي أو المسلم ثقافته خاطئة تجد الكثير منهم يُكفروا الشعوب الأصلية لهذه الدول التي فتحت أبوابها أمامهم وأخذتهم بالحضن وأعطتهم كل ما يحتاجونه من مفردات الحياة الكريمة. يا ترى لماذا هؤلاء الإسلاميون والمسلمون الذين يأتون إلى دول الغرب ويصلون ويصوم ويبنون المساجد والحسينيات وتتحجب نسائهم ورجالهم تطلق لحاهم وبعضهم يطلق اللحية ويحف شاربه الخ يا ترى لماذا لا يذهبون إلى إيران ويأتون إلى الدول العلمانية التي يصفونها بالكافرة؟! للعلم توجد في عاصمة إيران طهران أربعة مليون سني لا يسمح لهم ببناء مسجد واحد!!!. ألم تهتف الشيعة: ماكو ولي إلا علي ونريد حاكم جعفري. الحاكم الجعفري يحكم الآن في إيران والعراق لماذا تأتون إلى دول الـ(كفار)!!!. ومثل الشيعة أيضاً السنة، هم أيضاً لديهم سعودية وبلدان الخليج النفطية وتركيا الطورانية التي حاكمها إخواني، لكن السني أقسم مع نفسه أن يترك جميع هذه الكيانات.. خلف ظهره ويتحمل المخاطر عبر البحار والمحيطات حتى يصل إلى بر الأمان، أعني إلى الدول العلمانية التي يتمتعون فيها بكامل حريتهم العقدية ولا تسألهم عن عرقهم وعقيدتهم، وهذا نابع من عمق شعوب الغرب الحضاري والإنساني.

ثالثاً: مثل الشيوعي والإسلامي تجد القومي وعلى وجه الخصوص القومي العربي حين يضطهد بفتح الهاء سابقاً وحالياً في العراق وسوريا وسودان وبلدان شمال إفريقيا الخ لا يذهب إلى قبلتهم مصر أم الدنيا هو الآخر يتوجه إلى حديقة العالم المزهرة ألا وهي دول أوروبا الغربية وغالبيتهم يفضلون اللجوء والعيش في دول الشمال الأوروبي. يا ترى أين يضعون هؤلاء القوميون شعاراتهم المركزية: أمة عربية واحدة … ذات رسالة خالدة. وحدة حرية اشتراكية. هذه شعارات بعثية ألا أن القوميين يرفعون ذاتها ويقدمون ويؤخر في بعضها مفرداتها.

رابعاً: القارة البائسة إفريقيا، على مدى تاريخها الحديث تفر الملايين من شعوبها من المجاعة والبؤس وتلجأ إلى بلدان الغرب الأوروبي، والبقية الباقية التي لا تستطيع الهروب إلى الغرب عبر البحار لو لا المساعدات الغربية والأمريكية لها تموت جوعاً خلال أسابيع أو أشهر معدودة.

خامساً: شعوب دول أمريكا الجنوبية هم أيضاً يخاطرون بحياتهم حتى يصلوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا حيث الأمان والعيش الرغيد الذي يفتقدون له في بلدانهم .

سادساً: النظام الديمقراطي، يعرف الجميع أن تطبيق النظام الديمقراطي نسبي والنسبة المطبقة في الدول الغربية وأمريكا وكندا وإسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية 100% بينما لا توجد في كيانات العالم الأخرى حتى شبح الديمقراطية، على سبيل المثال لنأخذ واحدة من هذه الكيانات إلا وهي روسيا، تقليدا ً للولايات المتحدة الأمريكية وضع المشرع الروسي في الدستور الروسي الحق لرئيس الجمهورية أن يشغل المنصب لمرتين إذا نجح في الانتخابات، قلنا شيء جيء تتوجه روسيا نحو الديمقراطية السليمة بناء عليه شغل الرئيس الحالي المدعو “فلاديمير بوتين” المنصب لمرتين وبعد انتهاء مدة الرئاسة بلعبة أكروباتيكية بدل المنصب مع صنيعته رئيس وزرائه “دميتري ميدفيديف” أصبح بوتين رئيساً للوزراء والآخر ديمتري رئيساً للجمهورية وبعد انتهاء مدة رئاسته للوزراء عاد بوتين مجدداً إلى رئاسة الجمهورية ورفع من الدستور شغل المنصب لدورتين فقط واحتل المنصب إلى الآن، منذ التسعينات القرن الماضي وإلى يومنا هذا. أ هذه هي الديمقراطية أم قمة الديكتاتورية؟. لقد أثبت الديكتاتور “فلاديمير بوتين” خلال أعوام حكمه عنجهيته و ديكتاتوريته حين غزى دولة جارة وذات سيادة اسمها أوكرانيا. والشيء الآخر الذي بين للعالم ديكتاتوريته المقيتة حين هدد العالم باستخدام السلاح النووي، هل أن دولة كبرى لديه آلاف الرؤوس النووية يرعب العالم بهذا السلاح الذي لا يبقي ولا يذر!!! لقد أظهر تهديده هذا إنه ودولته قزمان صغيران في السياسة الدولية. سبق وأن شاهدناهم حين كانوا شيوعيون والآن نراهم وهم قوميون لكن في الحقيقة لم يتغير شيء في سياستهم التي بينت إن النظامين الشيوعي والقومي وجهان لعملة مزيفة واحدة. لاحظ عزيزي القارئ دولة إسرائيل الصغيرة بحجمها الجغرافي وبنفوس شعبها المتواضع لقد خاضت هذه الدولة الصغيرة عدة حروب مع العرب الذين يفوقوه عدة وعددا لكنها لم تهددهم ولا مرة واحدة باستخدام السلاح النووي الذي لديها 90 رأساً منه، أن دل هذا على شيء إنما يدل على الحنكة السياسية في التعامل مع هذا السلاح الذي يحرم استخدامه بين بني البشر.

سابعاً: إن هؤلاء الـ(كفار) لو تقيم في أية دولة من دولهم لخمسة أعوام يمنحوك جنسيتها دون أية إعاقة أو تأخير. بينما في البلدان التي تسمى عربية أو إسلامية لو تقيم فيها عشرات وربما مئات السنين لا تمنحك جنسيتها وتشكك بأصولك العرقية!. على سبيل المثال وليس الحصر، أن مسعوراً مثل صدام حسين بجرت قلم اسقط الجنسية العراقية عن ما يقارب من نصف مليون كوردي فيلي، مع أن كتب التاريخ العربية وغيرها تؤكد وجود هؤلاء الكورد الأصلاء على أرض العراق قبل أن تأتي إليها غزاة العرب من شبه جزيرتهم الجرداء في صدر الإسلام بآلاف السنين. واحدة من هذه المصادر هي الألواح الطينية السومرية التي ظهر فيها اسم فيلي – پيلي. للعلم إن السومريين وجدوا في سومر فيما يسمى اليوم بجنوب العراق بين أعوام 4500 – 1900 قبل الميلاد؟.

وعلى المستوى العلمي مَن مِن غير الأوروبيين الغربيين قام بالاختراعات التي خدمت البشرية كابتكار الأدوية التي أنقذت مئات ملايين البشر أن لم نقل أكثر من الموت المحتم؟. مَن اخترع الكلور المادة التي تطهر وتعقم مياه الشرب، التي لولاها لا تستطيع أن تشرب كوباً من الماء خالي من الجراثيم والأوبئة؟. مَن اخترع الطيارة والسيارة؟ من اخترع المذياع (راديو)؟ من اخترع جهاز التلفاز؟ من اخترع الكومبيوتر والانترنيت؟ الذي أصبح هذا الأخير انعطافة كبيرة في تاريخ البشرية الخ الخ الخ.

وعلى المستوى النظام الإداري للدولة، أليس الغرب قدم النموذج الديمقراطي للعالم؟ وهو أفضل نموذج إلى الآن لقيادة الدول. يا ترى ماذا قدم الآخرون غير البؤس والشقاء والخراب. بعد هذا السرد المقتضب لمنجزات الغرب الـ(كافر) أليس الذي قلناه ‌أعلاه يوضح لكل ذي عينين بما لا يدع مجالاً للشك أن السيد (جوزيف بوريل) كان محقاً في وصفه بأن أوروبا حديقة والعالم عبارة عن غابة يأكل فيها القوي الضعيف.

 

22 10 2022