المَهْوُوس وَالمِصْيَادَة – فرياد ابراهيم

 

يقال ان فتى بلغ ولعه بالمصيادة حد الهوس والجنون . عرضه ابواه على طبيب نفساني . فشرع بعالجه في عيادته لصرف انتباهه من المصيادة وامحائه تدريجيا من ذاكرته . حمله الى مجال أجمل . قال له لو تصورنا انك ترقد مع فتاة فاتنة في الفراش فماذا تفعل ؟ قال : اتمدد إلى جانبها بهدوء. قال : وثم؟ قال: سأضمّها. قال: وبعد ذلك؟ قال : امدّ يدي الى تحت. ضحك الطبيب زاعما انه يقترب من النجاح فسأله متحمسا: وبعد ذلك ؟ قال: انزع سروالها . طار الطبيب من الفرح وهتف عاليا من فرط السعادة: وبعد ذلك؟ أجاب المهووس: ثم انزع اللاستيق (المطاط الرابط) من السروال. الطبيب كمن صُبّ عليه ماء بارد: وبعدها ؟ اجاب المَهوُوس : وبعدها سأصنع منه مصيادة.
وهذه الحالة تسمى ب (المجال النفسي ) في علم النفس . فالشخص حين يقع نظره على شئ ينتقل ذهنه الى شئ يتعلق به بعيدا عن الغاية التي صنع من اجلها. إنتقال ذهني من صورة جديدة حالية الى صورة اخرى تشغل مجال اهتماماته بدوام.
والتشبيه من جزئيات هذا الانتقال. والهَوَس من ( مضاعفات ) هذا التعلق.
وهنا أمثلة على التشبيه قبل العودة الى المجال.
الشاعر الفيلسوف (نالي ) – بتفخيم اللام -بمعنى ( أنّ) بصيغته الماضية، او– بتخفيف اللام- اسم بمعنى (حدأة الفرس) – اي انه جعل نفسه حدأة – حذاء لأقدام- الحبيبة- يرى نالي (البدر التّم) فيتبادر الى ذهنه وجه حبيبته (حبيبة ). فنالي يشبه وجه حبيبته (حبيبة ) ومصدر الهامه هكذا بالبدر:
خوفا من طلعتكِ أي حبيبة فرّ القمر كالمجنون هلها شاحب الوجه وتوارى وراء التلال- (وهنا محسنة بديعية معنوية ، ما يسمى ب: حسن التعليل .)
والشاعر الكوردي ( كوردى) العاشق أحب غلاما اسمه (قاله – مختصر: قادر) . فلو رأى هذا نفس البدر لتبادر الى ذهنه وجه قاله. يقول في بيت له بديع يجمع فيه تورية وتشبيه بلاغي بديعي في آن واحد:
يخاطب الغلام قاله منشدا:
عجبا للملائكة يأتون ويسألونني في داخل قبري : ما هو مذهبك ودينك ؟ بينما قادر – تورية- وحده يعرف ما مذهبي وديني.
والتورية باب من أبواب البديع أو التزويق المعنوي يأتي الشاعر بشئ ويقصد به شيئا بعيدا عنه في المعنى بقرينة لفظية او معنوية تمنع ارادة المعنى الاصلي. ف (قادر) هو اسم الغلام وفي نفس الوقت اسم من اسماء الله الحسنى. أما الشاعر فأراد به الغلام والقرينة المانعة معنوية هنا وهي تعلقه بقاله حد العبادة.
ولو وقع نظر شخص يتضور جوعا على البدر نفسه الذي وقعت عليه عيون نالى لتبادر الى ذهنه مباشرة صورة رغيف خبز محمّر خرج من الفرن للتو : حار وطيب.
أمّا زيوه ر الشاعر الكوردي الذي خصص جلّ اشعاره في بث شكواه وهمومه لشعبه المظلوم ( المدهُوس دهساً ) فلو وقع نظره على نفس البدر وفي نفس الزمان والمكان : لتذكر الفرن عن طريق إنتقال ذهني من الخبز الى صانع الخبز. وهذا ما يسمى في علم النفس : التذكر بالتجاور او بالتماثل او بالتداعي. كونه مهووسا مأخوذا بمأساة قومه الكادح الذي يعمل ولا يحصل. فلا حب في مجاله النفسي سوى حب شعبه.
يقول ( زيوه ر) – من زيو أي فضة وكل شئ غالي ونفيس من مجوهرات وحلي- في الشعب اليتيم منشدا متأوّها متنهّدا:
حتى رغيف الخبز الذي يصنعونه بصدورهم المحترقة المرّة تلو المرّة
فليس لهم هم أنفسهم منه نصيب …. فما أشبههم بالأفران ..!!
هنا تشبيه (تمثيل) او تشبيه (صورة بصورة): صورة الكردي الذي يكدح ويحترق من اجل صنع خبز بصورة فرن. زيوه ر يضعهما في خندق واحد. كلاهما ينفعان غيرهما ويخدمان غيرهما ويأكل ثمرة اتعابهما الآخرون.
ولنعود الى الحاضر ولندع زيوه ر و بى كه س وقانع و كوران وعشرات غيرهم الذين حملوا هموم قومهم اكثر من هموم معيّهم الفارغة . ولننتقل سريعا عبر الأثير الى الزمن الحاضر ، الى مبنى البرلمان أو مبنى الحكومة : بكردها وعربها وبرلمانيّيها واعضاء ورؤساء احزابها ( الذين تتضاعف أعدادهم بسرعة هائلة اسرع من تكاثر الذباب والبعوض الناقل للمرض . وذلك لغرض الأنصاف في توزيع المناصب وتجنب الشجار على المال المسروق وإرضاء الأقارب وترشية المعارض والمناوئين وتدهين شواربهم وإسكاتهم بالمغريات) ، فلو وضعنا اي من هؤلاء المهووسين بالمناصب في موضع المهووس بالمصيادة أمام الطبيب النفسي فماذا سيتبادر الى ذهنه على الفور؟ فكّروا معي قليلا قبل الإنتقال إلى الجواب المحتمل.
حسب اعتقادي ان الهَوَس سيشغل المجال المادي في نفسيتهم على الفور: فتنتقل وبالتحديد إلى حلقة الشدادات المطاطية التي تُشَدّ بها رزم وحزم الأوراق المالية..!!!
مجرد تشبيه تمثيل!

فرياد