قضايا كوردية قابلة للحوار- 5- المجلس الوطني الكوردي تراجع دوره في الشارع الكوردي-  د. محمود عباس

المجلس الوطني الكوردي تراجع دوره في الشارع الكوردي، وحضوره في الائتلاف الوطني السوري؟

  من الخطأ إلقاء كل العتب على سلطة الأمر الواقع أي الـ ب ي د في تراجع دور المجلس كورديا أو على مستوى المعارضة السورية، فالقوى السياسية التي تخدم المجتمع بنزاهة، وتعكس رؤية الشارع؛ عادة لا تخسر أمام المتربصين به أي كانت السلطة ومهما كانت شموليتها، وسلطة الأمر الواقع لم تكن بتلك القوة لإيصاله إلى ما هي عليه اليوم. فقد كان بإمكانه أن يواجهها كمعارضة وسلطة، مثلما واجهت الأحزاب الكوردية سابقا، المربعات الأمنية طوال أكثر من نصف قرن.

 فرغم بشاعة الظروف السياسية الماضية كانت الأحزاب الكوردية رغم انقساماتها، وضغوطات سلطة الوحدة والبعث والأسدين، وشح الإمكانيات المادية، وضعف الإعلام، وقلة المثقفين في الخدمة حينها، ظلت تتقدم مع الزمن، ولم تخسر جمهورها كما خسرته في السنوات الأخيرة. فنشاطاته التي لم ترقى إلى سوية السمعة، أفقدتها الكثير من مكانتها، وأخمدت مركزه على الساحة العامة، وأثرت بشكل سلبي على الحراك الحزبي، إلى أن أصبح وصف الفرد بالحزبي ناقصة سياسية، في فترة كان مدحا، وبعدما كان افتخار وطنيا، أصبح تهمة سلبية.

  فإلى اليوم ومع توفر الإمكانيات الخارجية كما يفهم من تصريحات البعض من مسؤوليه، لا يزال في تراجع، ومعه الأحزاب المعارضة لسلطة الإدارة الذاتية عن الساحة، وذلك يعود إلى عوامل عدة إلى جانب طغيان قوى الإدارة الذاتية، منها:

1-    تسليم زمام أمورها إلى مسؤولين في الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، وخاصة من قيادة الديمقراطي الكوردستاني الذين أوصلوه إلى ما هو عليه من الضعف، فقد استخدموه كأداة لمصالحهم وليست كقوة كوردستانية لها خصوصيتها.

2-     تبعيته الهشة، وليس وجوده كطرف محرك فعال، للائتلاف الذي انتقل من البعد الوطني كمعارضة سورية، إلى أداة يخدم مصالح تركيا والتيار الإسلامي السني الراديكالي.

3-     تفضيل بعض المسؤولين في قيادة المجلس مصالحهم الشخصية على الوطنية وعلى مصالح المجلس والأحزاب، فعلى سبيل المثال، الوجوه التي تم تعيينهم من قبل المجلس ضمن قيادة الائتلاف هم ذاتهم دون تغيير، رغم عقد عدة مؤتمرات، والتي تم فيها تغيير قيادة الائتلاف بعد كل مؤتمر، حتى ولو كانت شكلية، لكنها لم تطال شخصيات المجلس الوطني الكوردي، رغم أنهم لم يقدموا شيئا إيجابيا للقضية طوال وجودهم، وهو ما سهل من انتشار التهم في الشارع الكوردي، كما وهي واحدة من الإشكاليات التي سمحت لقوى الإدارة الذاتية بتنشيط تلك التهم، ومنها الفساد المالي، والتخوين بالتعامل مع الأعداء.

4-     الدور السلبي للإعلام في الجهتين، والذي أدى إلى توسيع الشرخ بين المجتمع، وبالتالي أضعاف الحراك الكوردي الحزبي بشكل عام، ودور المجلس بشكل خاص في البعد العملي.

 وكحسن نية، تصاعدت مطالب الشارع الكوردي ومن بينها بعض الأطراف المتماهية مع المجلس، باتخاذ مواقف حازمة في حواراتها مع المكون العربي ضمن منظمة الائتلاف السوري الوطني المعارض، وعدم التقاعس عن عرض القضية الكوردية تزامنا مع قضية إسقاط النظام، لتحافظ على مكانته كقوة معارضة وطنية، ونزيهة، تبين بها على أنه لن تتخلى عن مبادئ الثورة.

  المطلب الذي كان بالإمكان، لو تمسكت به، أن تبرز دوره ضمن الائتلاف أمام الجمهور السوري عامة، ولربما فرضت ذاته على المكون العربي الذي تنازل منظماته عن معظم مطالب الشعب المعارض في السنوات الأخيرة؛ مفضلا عليه المشاركة في السلطة، إن كانت تحت الإملاءات التركية أو على خلفية تسلط الشريحة الانتهازية، كما ودخلت في مسيرة كتابة الدستور بدل شعار إسقاط النظام.

 والبعض الأخر من الأطراف الكوردية، طالبوا المجلس بالاستقالة من التحالف المذكور، رافقتها انتقادات متنوعة:

1-    على أنه لم يحصل على مكانته ضمن الائتلاف بالشكل المطلوب، لا من حيث تمثيله للنسبة السكانية، ولا كقوة تمثل القومية الثانية في الوطن.

2-     كان عاجزا عن إقناع الطرف العربي ضمن الائتلاف عندما عارض منهجية النظام الفيدرالي، وعوضته بصيغة الدولة الإتحادية، وهو مصطلح فضفاض، يمكن التلاعب به (مثلما تلاعبت الأطراف العربية بقضية كركوك بعدما حصلت على القوة في السلطة) وحتى هذا المصطلح (الدولة الإتحادية) كان شكلي ولم يطرح في أي من المؤتمرات ولا على لجان المعارضة ضمن هيئات كتابة الدستور.

3-     تم تهميش ممثلي المجلس الوطني الكوردي، في معظم المؤتمرات. وخير مثال على ذلك، في الفترة التي تم فيها احتلال عفرين من قبل تركيا وأدواتها، لم يتمكن المجلس من تقديم خدمة مناسبة، للقضية الكوردية ولعفرين وغيرها من المناطق المحتلة، وفي كل الجلسات التي تمت في جنيف من أجل التوافق على البدء بكتابة الدستور، لم يتم حتى التلميح إلى القضية القومية الكوردية، واهمل بشكل تام المسودة التي قدمها ممثلهم هناك، وتم عزلها تحت منطق لم يحن الوقت لطرحها، أي عمليا المجلس ومنذ بداية الشراكة مع الائتلاف تابع بدون صوت.

لا شك كانت هناك شريحة، من ضمن الحراك الثقافي-السياسي، ذات رؤية أوسع، رأت أن وجدوه ضمن الائتلاف، حضور مباشر على الساحات الدولية، فهو يمثل المعارضة بدعم من بعض القوى الدولية الداعمة للمعارضة، وبالتالي إيجابيات التحالف أرجح من سلبياته.

 لكن الجدلية أصبحت تتراجع على خلفية تقلص مكانته، وبالتالي أصبح المجلس معرض لاتهامات أوسع، من الطرفين:

1-    الشارع العربي؛ لأنها ضمن الائتلاف المشكوك في نزاهته ودوره كمعارضة، والمتهم بالانتهازية والفساد المالي، والتراجع عن مطالب الشعب المعارض.

2-    ومن الشارع الكوردي، والذي أصبح يرجح تهمة مصالح الشخصيات المستفادة من أموال السياسة، ورضوخهم للإملاءات الخارجية، على التهم الأخرى.

ليس المجلس فقط يخسر ذاته والمجتمع الكوردي، بل الحراك بأجمعه ومن ضمنهم قوى الإدارة الذاتية التي خسرت عفرين وسري كانيه، ومخطط مد جغرافية الإدارة إلى البحر المتوسط، فلم تعرف كيف تستفيد من تحالف المجلس مع الائتلاف، فلو كانت ذات وعي سياسي، لدعمته ليمتلك قوة ضمن الائتلاف؛ لاستفادت منه وأفادت المنطقة الكوردية بشكل عام.

  على مسؤولي المجلس أن ينتبهوا، أن الائتلاف الوطني يحتضر، سيقايضه أردوغان عند أول مرحلة من مراحل التطبيع، فيما إذا سمحت له أمريكا بذلك، وقد أصبح شبه معدوم على الساحة الدولية، ومنبوذ من السورية المعارضة. لذلك ولإنقاذ المجلس، بشكل عملي، وليس أسم بلا فعل، عليهم أن يدرسوا عملية الانفصال عنه، أو القيام بتشكيل قوة معارضة سورية حتى ولو كان على الإعلام، ومعارضة التطبيع التركي مع النظام.

 ولا شك سيكلفهم الكثير، لأنه عليهم بالمقابل، تجديد المجلس بعد مؤتمر طبيعي، وليس كالذي تم مؤخراً، وتغيير القيادة، وفتح المجال للأطراف الأخرى من الحراك الاشتراك فيه بالشكل المطلوب، بها سيفرض المجلس ذاته على قوى التحالف وبالتالي على الإدارة الذاتية، دونها سيتراجع إلى أن يصبح في خبر كان، أسم على صفحة من صفحات تاريخ الحراك الكوردي، ولا شك خسارته خسارة للحراك بشكل عام، مثلما كان ضعفه ضعف للإدارة الذاتية أيضاً.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

7/1/2023م