منْ يسبق الآخر الوعي ام اللغة ؟ – د . ادم عربي

المثاليون يجيبون على هذا السؤال جواباً قاطعاً مانعاً أنَّ الوعي هو من يسبق اللغة ، وأنَّ الوعي حاكماً عاماً للكون ، وأنَّ الوعي هو مخترع اللغة ، وأنَّ لا لغة دون وعي ، وأنَّ وعي الانسان هو كل شيئ في هذا العالم ، لكن! ،  لنسأل أنفسنا ، هل كان هناك وعي قبل اختراع اللغة ؟ .
الإنسانُ منذ وجوده على هذه الارض تميَّز عن باقي الحيوان بالعمل ، فمنذ أنْ امتدت يداة على ما توفر في الطبيعة من أدوات حجرية بدأ العمل وتصنيع أدوات العمل حسب الحاجة ، فمن الفأس الحجرية والسكين الحجري ثم القوس للصيد للبقاء على قيد الحياة البدائية كمرحلة من وجودة ، ثم تطورت أدوات العمل لديه ليتغلب على البيئة الطبيعية وخلق لنفسه بيئة جديدة تُوفِّر له حياة أسهل ، فتفرع العمل وأصبحت له حاجة بالتواصل فيما بين أفراد المجموعة ، سواء كانت حاجة نفسية أو مادية ، فتفاعل المجموعة مع بعضها بما فرضته ظروف المجتمع الجديد ، أوجبتْ إيجاد أسلوب للتواصل بين المجموعات البشرية ، ولم تخرج في بدايها عن تقليد الحيوانات بالصوت كلغة بدائية أوجدت أسلوب من التواصل بين أفراد المجموعة ، ومع تطور أدوات العمل أكثر ، اشتدت الحاجة أكثر لتطوير اللغة لتصبح في النهاية لغة منطوقة تعبر عما هو تواصل إجتماعي وعاطفي ونفسي لأفراد المجموعات البشرية ، إذن العمل هو من فرض اللغة ولم تأت اللغة من الحيوان البدائي الإنسان ، إلَّا بعدما مارس العمل واشتدت الحاجة له للتواصل والتفاهم .
العمل وبصفة كونه ليس فردي بلْ جمعي أو إجتماعي يتتطلب إختراع اللغة ، فالوعي الذي إخترع اللغة لا وجود له دون عمل ، فالعمل أوجد الوعي الذي بدورة أوجد اللغة ، لنصل أنَّ العمل هو أساس اللغة والوعي ، وتطورت اللغة معتمدة على المنطق والتجريد الفكري الذي يتميز به الإنسان دون غيرة من الحيوانات ، فتسمية الأشياء كالقمح مثلاً والخبز والتفاح ورجل وامرأة ما هي إلَّا دلالة على خاصية التجريد الذهني التي ميزتْ الإنسان على غيرة من الحيوانات ، وأعتقد أنَّ التجارب على الحيوانات التي تشيه الإنسان كالقرد ، أظهرتْ أنَّ هذه الحيوانات تفتقد للتجريد ، ففي تجربة لقرد دُرِّب أنْ يدخلَ برميل ماء ليسبح ومن ثم إعطائه موزة مكافآة له ، وُجد أنَّه بعد وضعه قرب بركة ماء لم يعرف ماذا يفعل ، دلالة على أنَّه لم يميز بين ماء البرميل وماء البركة ، بلْ لم يعرف خصائص الماء هي وحدها .
العمل بصيغته الإجتماعية هو خالق اللغة ، فلا وعي دون لغة ، لنصل لنتيجة أسبقية اللغة على الوعي في مسيرة أنْسَنَة الإنسان ، لكن ! ، مع هذا سيسئلني أحدهم ، ويقول ما دام العمل أوجد اللغة ومن ثم الوعي ، لماذا لا يكون العمل هو من أوجد الوعي ومن ثم الوعي أوجد اللغة ، لأصل إلى نتيجة ، كلا ليس هكذا يكون الاستنتاج ، فالعمل الاجتماعي توجب إختراع اللغة ، ومن اللغة تَفَتَقَ الوعي ، ومع تَطَوُر اللغة تَطَوَر الوعي ، أو ما تطوير اللغة إلَّا تَطَوُر للوعي .