قرأ لكم وليس انا هذه المرة بل الاستاذ ابراهيم محمود في كتابي ((أفكار واراء هادفة )) والذي صدرعام 2022م من مطبعة كازي / دهوك ، وهو يجول ويصول بين ثناياه في استطراد فكري معمق لرجل له من المؤلفات اكثر من 300كتاب وهو باحث ومفكر كوردي سوري يقيم في دهوك ويعمل باحثا في مركز بيشكجي في جامعة دهوك . وكتابي هذا شامل الثقافة من فصوله في – الدين – وسياسة – وقدسيات – واقتصاد – وفلسفة – وشنكاليات . اترك ماقاله كاتبنا في عرض كتابي ،وهو رأي يهمني كثيرا وتحت هذا العنوان لنبدأ بمقاله القيم :-
( مجتمع الكتّاب.. حول كِتَاب “أفكار وآراء هادفة” للباحث خالد علوكة)
إبراهيم محمودMay 15, 20230
من البداهة القول، أن لكل كتاب يتم وضعه أو تأليفه أو إعداده سياسة تعامل، وسياسة كتابة، حيث الأسلوب يحضر بكامل قوامه في جمله المختلفة، وكيفية التفاعل فيما بينها، والانتقال من نقطة إلى أخرى، وتلك المساحة التي يتخذها الكاتب لنفسه، تعبيراً عن أفكاره، أو رؤيته لموضوعه، سوى أن هذه البداهة، تحذّرنا من نقطة في غاية الأهمية والاعتبار، وهي أن ما يقرَأ ضمن كتاب، وما يتشكل كتاباً، وما يعرَف به واضعه من أسلوب في اختياره لجمله وأفكاره وسبل توخيّه للهدف الذي بنيَ عليه الكتاب، امتداد أثر، وعمقاً، ووضوح مقاصد كذلك، يكون مختلفاً.
وبعيداً عن الاسترسال في القول، فإن الكتاب حين يشكّل فاتح شهية قراءة، أو يقلّل منها، أو يصدم قارئه من الصفحة الأولى، وربما- أحياناً من العنوان عينه، أو يحيّر قارئه لأسباب شتى على تماس مباشر بالكتاب ككل، يكون له جانب تحفيز يتناسب وهذا المؤثر المعرفي.
وفي كتاب الباحث الكردي الإيزيدي خالد علوكة ( أفكار وآراء هادفة ) وهو صادر حديثاً نسبياً ( 2022 )، ومن منشورات ( كازي- دهوك ) ما يدعو معرفياً إلى القراءة المنتجة، لوجود منتج معرفي بحثي وثقافي، عبر مسار يمارس أكثر من تأثير، في واعية قارئه، جهة التنوع في مصادر كتابه هذا، وهو يقف عند كل منها على حدة، وكونها تشكّل كما أفصحتُ عن ذلك في تيمة العنوان نفسه ( مجتمع الكتاب )، وفي سعيه إلى بلورة فكرته الرئيسة والتي لأجلها كانت نشأة الكتاب بالذات، اعتماداً على عشرات الكتب ذات الشأن المعرفي الذي يتحرك في مساحة جغرافية- تاريخية ومعتقدية تخص الإيزيدية داخلاً وخارجاً، أي ممن ينتمون إلى الديانة الإيزيدية وهم يعبّرون عنها ديانةً أكثر من كونها ديانة، من خلال لائحة من الإحالات المرجعية: الاجتماعية، الثقافية، الطقوسية، السياسية، الأدبية، والفنية…إلخ، حيث إن الإيزيدية في عمرها التاريخي، وما يتعدّى نطاق التاريخ المكتوب شفاهة، تطرح نفسها، وفي وضعيتها كديانة وطريقة إقامة في الحياة ونظر فيها، وإلى ما وراء الوجود، أو الموت، وهي تعزّز موقعها القيمي، عبر رأسمال رمزي: في كل ما يمت إليها بصلة، يعرَف به الإيزيدي ديناً ودنياً وآخرة، أي بوصفها مجتمعاً قائماً بذاته، مهما كانت نسبة حضور الإيزيدية السكاني محدوداً، ناحية التأثير والتأثر، وكون الذين اهتموا بها، أو اتخذوها مادة خاماً لأعمال بحثية لهم، مع فارق التباين من بحث إلى آخر، أو من رؤية فكرية واعتبارية لما يتناولونه من موضوعات، وتلك المسافة التي يتركها كل منهم، لحظة الإقبال على الكتابة عنها، أو الحديث في جانب دون آخر منها، أو كمفهوم شمولي، تبعاً لطريقة التناول، وخاصية ” الإيمان ” المعرفي وحاجته إلى المزيد من التروي وإيفاء المكتوب حقه من البحث، أو الاعتبار طبعاً، وما يوسّع في حدود هذه العلاقة الواحدة أو أكثر، ويعمّق أصول البحث، أو يوتّر العلاقات القائمة بين مكونات الإيزيدية في رموزها الدينية ومراتبها، ومكونات العقائد أو الديانات الأخرى، وتداعيات كل علاقة، وأبعادها المعرفية، وتحديداً حديثاً، أي ونحن الآن في الثلث الأول من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين وبعد الغزو الداعشي الكارثي والهمجي لسكنى الإيزيدية في سنجار والجوار، وتهديدهم من النواحي المختلفة، في أوائل آب 2014، طي الفرمان المسجل باسمهم ” 74 ” والفظائع المرتكبة بحقهم، وانتشار صوَر الإيزيدي في جهات مختلفة من العالم، عبْر تردد أصوات الإيزيدية ، نزوحاتهم، أو هجراتهم الاضطرارية إلى أماكن شتى: أوربية خاصة.. كل ذلك يمنح الكتابة عنهم بُعداً معرفياً، وما يمازجه من مؤثّر نفسي آخر، فضولي، أو ذاتي، حيث الإيزيدية تطرح نفسها بقوة أكثر، ومن خلال خاصيتها الدينية، وموقعها بين مختلف الأديان في المنطقة وخارجها.
وأستطيع القول أن الذي انشغل به الباحث علوكة استند إلى هذه الشمالة ذات التنوع والاختلاف في تلك الكتابات/ القراءات، أو القراءات/ الكتابات التي اتخذت من الإيزيدية محورها الرئيس، ومن زوايا بحثية: تاريخية، أسطورية، اجتماعية، فنية، سياسية، معتقدية، اجتماعية، وشعائرية، وهو تنوع يمتد ضمن مساحة جغرافية تدخل المقارنات العقائدية في تكوينه، بمقدار، ما يبرز كل معتقد ضمن قائمة معلوماتية مختلفة، ومن وجهة نظر الباحث، وما لهذا الانشغال البحثي من تعزيز لمكانة الإيزيدية كموضوع لا ينفد في مكوناته، ومكاشفة للمركّب الذهني والنفسي للباحث نفسه: إيزيدياً كان ( وهو ما سنتوقف عنده لاحقاً)، أو
علوكة، في وصله بين كمّ كبير من الكتب نسبياً، أفصح عن جانب معرفي وذاتي بالمقابل، ومن موقعه كباحث، ومسئولية أخلاقية كذلك، إظهاراً لتلك الإرادة المعرفية لديه، من خلال هذا التنوع من القراءات وبأسمائها، وهو لا يحاور أي بحث، في ذاته، بمقدار ما ينير حقله البحثي باستدعاء عناوين مؤلفات أو مراجع ولأسماء لها وزنها المعرفي، تقديراً ضمنياً لحساسية الموضوع، وحاجته إلى المزيد من الدعم أو الإسناد ناحية المراجع، وفي الجانب الآخر: ناحية انتمائه، وهو يمثّل في الحالة هذه ذلك الكردي الإيزيدي الذي يعتبر القيام بمثل هذه المحاولة واجباً تاريخياً، وليكون في المحصّلة مرجعاً، وقد أثرى موضوعه بما يكسَبه الصفة المنتظرة: باحثاً فعليا.ً
وحين نشير إلى مثل هذه العلامة الاعتبارية، فانطلاقاً من كونه صاحب رصيد معرفي في هذا المضمار، فهو من مواليد ( 1959 ) ويعرَف بمجموعة من البحوث والدراسات المنشورة في مواقع ومجلات مختلفة، كما ورد عن ذلك على ظهر الكتاب الخارجي.
من العنوان إذا:-
لكل عنوان ذائقته في التسمية وتردداته الدلالية والجمالية، وما يمكن أن يخفيه معرفياً، بالنسبة للباحث وهو واضعه، ولماذا هو وليس سواه، وما إذا كان ينطوي على لبْس أو التباس ما، أو يتناسب مع محتوى الكتاب، وضمن أي صيغة . ولا بد أن العنوان ( أفكار وآراء هادفة )، قد أخذ موقعه النفسي والثقافي لدى كاتبه، وهو في ثلاث كلمات، كجملة اسمية، وتكون مفردة ” هادفة ” صفة للسابقتين: أفكار وآراء. في هاتين ينطرح سؤال عن جانب التمايز، ما يكون فكراً، وما يكون رأياً، وبينهما بون واسع. الفكر ينير، ويثير أسئلة، والرأي يشد إلى صاحبه، وما فيه من اعتقاد، خلاف الفكر أو المأخوذا به فكراً. رغم أن بينهما علاقة، جهة التعبير عن الموضوع: فكراً أو رأياً، وهما، كما يبدو ( يتنشطان ) معاً، جهة الجاري مناقشته أو نقده، ومن قبل الباحث نفسه، وتبقى مفردة ( هادفة ) معلَّقة، حيث إنها تفصح عن التسديد الفالح للمقروء أو الجاري النظر فيه، وثمة ظلال من الباحث ترسم حدوداً لشخصية الباحث، في ” الإصابة.
وربما كان في الإمكان تناول العنوان في إطار احتمالي، أي ما تأتي به العناوين الداخلية للكتاب ومتضمناتها المعرفية من إضاءات تحدد صفة العنوان، وجانب ” الاستهداف ” فيه.
لماذا هذا التوسيع لدائرة العلاقة القرائية مع الكتاب بدءاً من عنوانه؟
ذلك يتأتى من نوعية العناوين، والحراكي البحثي للكاتب، وهو يجمع بين ما هو تاريخي، فلسفي، أركيولوجي، اجتماعي، نفسي، معتقدي، علمي، وثقافي نقدي…إلخ، حيث إنه من الصعب تتبع ما هو مكتوب دون يقظة تسهم في الربط بين الأفكار الجزئية وكيفية صهرها في فكرة واحدة، بالنسبة للفصل أو مجموعة فصول الكتاب، ولوجود تلك الغزارة في التنقل والاستعانة بكل ما يمكن استثماره معرفياً تعزيزاً لفكرة البحث تحديداً.
ولا بد أن المرور بكل هذه العناوين الفرعية يصبح العنوان أكثر ترسيخاً بعائده البحثي.
وهذه الإشارة تفعّل أثرها بدءاً من المقدمة، والاستهلال بالتالي( بعد قراءة سنوات العمر وددتُ نقل ما قرأته وقد كتبت أكثر من 145 مقالاً متنوعاً في كل مجالات الحياة الفكرية والمعرفية والنقدية، وتلعب دوراً مهماً دور النشر النشر من الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية مثل موقع بحزاني نت والحوار المتمدن وصوت كوردستان وأنا حرة..إلخ .ص 13 )
ولعل النظر في مخطط الكتاب، جهة فصوله الستة، والتباين بين المساحة المخصصة لكل فصل وآخر، حيث الفصول ( 3-4-5) جاءت قصيرة مقارنة ببقية الفصول( الفصل السادس والأخير، يستغرق ” 118 ” صفحة)، ولعل هذه المساحة تسوَّغ نظراً للكم الوافر من العناوين ذات الصلة، والجمع بين مفهومين: العرض، ما يخص المحتوى، والنقد، ما يخص صفة الكتاب معرفيا
والبدء بالفصل الأول والمسمى بـ ” دين ومعتقدات ” يعزّز فاعلية العنوان لحظة التذكير بتلك الحمولة المعرفية والتاريخية والدلالية لكل من الدين والمعتقد، وصفة الوعي الحامل لهما.
وهي مساحة واسعة، تظهر مدى الجهد المطلوب بذله، لطرح الممكن النظر فيه والحوار باسمه أو حوله. وربما كان لصورة الغلاف دلالة معبّرة ومؤثّرة في محتوى الكتاب، بألوانها، حيث تبرز مكتبة دائرية وهي في علوها ودورانها الملحوظ، وفي الأسفل، ثمة الكرسي، وجهاز راديو، ما يفصح عن طبيعة الثقافة في مدى واسع كهذا، وفي تلوين المشاعر والأحاسيس وتحفيز أفكار ذات علاقة، وموقع الباحث في كل ذلك، بينما على الغلاف الخارجي ثمة صورة: لوحة فنية مكانية لافتة ومرئية بالكثير من علاماتها الجغرافية لمعالم دينية ضمناً، كما هو اللافت فيها، وجانب التفاعل بين الصورتين، لحظة القيام بقراءة عتباتية لهما، وموقعهما في أصل الكتاب.!
أي دين، أي معتقد؟
صفحات تتتالى، وأفكار تتزاحم، والدفع بالقارىء إلى أن يمر بها وهي في تنوعها. ثمة الدين المميّز لجماعة بشرية معينة، وثمة الاعتقاد ودرجة المعرفة بذلك الدين، والتفاعل معه، دون أي دين آخر، ولعل خطورة موقع الدين في تاريخه الطويل وتمازجه مع ما هو معتقدي، والرهانات الاجتماعية والسياسية بالمقابل، دفعت بالدين لأن يصبح أكثر من مفهوم مركَّب، أو حمّال أوجه.
ومن هذا المرتكز الدقيق واللافت كان تحرُّك الباحث، ويأتي تأكيده على حقيقة، كما هو فحوى كلامه بداية، إلى تساوي الأديان، وليس الخلاف فيما بينهما، عندما ندرك أن كل دين في نظر المنتمي به، ومن خاصية اعتقادية فاعلة، هو الدين الحق، وبالطريقة هذه تتساوى الأديان جميعاً.ثمة حكاية لذلك، وثمة تأكيد على ذلك ” من خلال مسرحية ناتان الحكيم ” للألماني ليسنج، وثمة مقولة للمحلل النفسي لفرويد حول هذه النقطة الساخنة دائماً ، وهي مهمة بالمتوخى منها واقعاً( كما هو معروف أن يختار شعب من الشعوب إلهاً جديداً، ولكن لم يحدث قط أن اختار إله من الآلهة شعباً جديداً. ص 17 )
يعني ذلك أن الحديث عن أي دين يكون من الذين يعتقدون ويؤمنون به، وهذا يشير إلى بشريَّته في الصميم، أي ليس من دين قائم، إلا بقوام معلوم: حسي، جغرافي، تاريخي، كما هو معلوم.
ومن ينظر في فحوى هذا القول، يلاحظ جانب الاهتمام بالدين ومأثرة الدين في انشغالاته، وفي تداعياته، وتلك السلوكيات التي تتلبسه، أو تدرجه في هذا الجانب الحياتي أو ذاك استجابة لأكثر من اعتبار حياتي، أو معتقدي موجه، وما للنفوس من من دوافع ومشاعر تسهم في كل ذلك.
إن النظر في الدين، حيث يُرى فيما هو أرضي، ويمد بالناظر، كما هو واقعه المركَّب، إلى ما وراء الحسي، يعاين فيه الكثير مما يتم تلقّيه وتبنيه وقد جرى توليفه تبعاً للمطلوب منه، ليكون لهذا الماورائي المودَع باسمه وداخله، ما يمضي بالناظر إلى ما هو مؤثر في نفسه في تعاليه.
والأهم من ذلك، وفي عالم اليوم خاصة، هو ما تعيشه البشرية من أدواء، وما لذلك من تأثير فاعل في إبراز أثر الدين في تلوين المشاعر والأحاسيس، وتلك النزاعات التي تظهِر دور الدين، وباسم الذين يسيّرونه هنا وهناك، في التحولات الاجتماعية وما يوترهم أو يطمئنهم، ولهذا يصح القول هذا وهو أن ( مشكلة الإنسان منذ الخلق يبحث عن الأبدي والخلود وعمل المستحيل لذلك، ولم يجدها وبرر وجودها بصناعة أو عمل ما، فكان الدين له معين ومنقذ ومن خلاله أراد الشعور بالخلود وجاء بـ فكرة الجنة ليطيل عمره وكون هذا الشعور بالخلود لا يوجد إلا عند الإنسان كما قال ( هيجل ). لأنه في الحقيقة الخلود كتب باسم الله وحده منذ الخليقة . ص 20)
ومن هذا الجانب، يكون للبحث في اسم الله، أو الإله أو رب الأرباب أو الله باختصار، وكل ما يتصل به من أسماء فاعلة، معيناً حيَّاً على قراءة المساحة الواسعة وكيفية التباري بين أهل الاختصاص أو الفضول المعرفي أو العمل البحثي وإمكان المتابعة تلك القيمة المعرفية.
وما توقفُ الباحث عند ” أسماء الله في الأديان ” إلا تعبيراً عما تقدم، وربما كانت ” أسماء خالق الكون في الأديان ” أكثر دقة، لأن اسم ” الله ” يذكّر في الحال بما هو إسلامي حصراً، كما لو أنه هو المرجع، حيث المعلوم أن لكل دين جماعته، ولغتها وإلهها بتهجئة معينة، ولأن الذي استهل الباحث به يذكّرنا بجدوى مثل هذه الملاحظة، حيث بحثه يتفعل تاريخياً وعلمياً كذلك
وما اعتماد الباحث على اسم الله بمفهومه الإسلامي، ربما، إلا لإبراز تاريخ يتقدمه سابقا.ً
ثمة ما ينبّه إلى نقطة مما أثيرَ حتى الآن بصدد الله كاسم وما كان عليه وضعه قبل ذلك في سياق تصور إيزيدي( والله الخالق هو المطلق وسرمدي لا اسم ولا وصف يحمله غير محدد بجهة وزمن كونه أزلي لا بداية له ولا نهاية ولا ينطبق عليه مفهوم الزمن لأنه خالقه..ص 25)
ليس في لغة علوكة ما يشي بما هو دعوي أو إعلامي، وإنما ما يوسّع حدود مفهوم الاسم بالذات، حيث إن اسم الله يحيل قارئه إلى ما قبله، جهة التنوع، وجهة التأكيد على أن البشرية جمعاء في اختلاف ألسنتها وشعوبها يكون لها ذلك الإله الجمعي، مع فارق معطى الاسم المعرفي تبعاً للغة، الثقافة، الدين، التجربة الحياتية، الموقع الجغرافي، البيئة الاجتماعية، والفن والأدب…إلخ
وليكون للأنبياء والأولياء خطوط اتصال مفتوحة، بصياغات شتى بين البشر وآلهتهم، أو ذلك الرب المطلق القوة وباسم معين، هنا وهناك، وبأساليب مختلفة، وما يعزّز هذه العلاقة مرجعياً وهو يذكّر بابن عربي في ” الفتوحات المكية “( نبوة ولاية ونبوة تشريع فالولي نبي ولكنه بلا شريعة ونبي الشريعة يتعلم من نبي الولاية….ص 27)
هذا التفصيل الموجز، يضيء ما تواضع عليه البشر، وسنَّوا عليه وباسمهم قوانينهم بمؤثّر ديني، وعلى أساس وضعي بالمقابل، ليمضي نحو المحور الأكثر فاعلية في النفوس: الخير والشر، وربما كان للمأثور الإيزيدي بصْمته في تحديد الموقع الأخلاقي لهما، عندما يعتبر الله الفاعل الأوحد في وجودنا، ويتلون الخير والشر، بتأثير أو بتقدير منه، فلا شيء يخرج عن سيطرته قولاً وفعلاً( طبعاً من التأديب اللفظي عدم تنسيب الشر إلى الله ولكنها الحقيقة لأنه سبحانه الوحيد رب الكون وهو على كل شيء قدير . ص 29 )
وما متابعة الباحث لما قيل في السياق هذا، بلسان مفكرين ومثففين، مثل: ابن رشد، مصطفى محمود، ديكارت، وابن الجوزي…إلخ، إلا إشهاراً لطبيعة مقول قوله، واعتماده على كم لافت من المرجعيات المختلفة المقاصد والتصورات الدينية مباشرة، وخارج ما هو ديني.
بالطريقة هذه يكون تنوير العلاقة بين ” القومية والدين ” حيث الشعب يعرَف بقومية معينة، ولغة ناطقين باسمها، وأبعاد هذه العلاقة ( وليس غريباُ نرى غياب القوميات الألمانية والتركية كذلك. كونها تحيزها نيل الاعتراف بكرامتها الإنسانية فقط دون حقوق القوميات..ص34)
تكون القومية علامة فارقة لشعب ما، والدين ليس كذلك، في وجهته، وفي هويته بالمقابل.
وفي الإيزيدية، يمكن النظر في مفهوم ” تناسخ الأرواح ” وما قيل ويقال في ذلك، انطلاقاً من خصوصية الديانة الإيزيدية واكتفائها بذاتها (والنصوص الدينية الإيزيدية تقول ( روحي رحماني نابت فاني ) أي الروح من عند الله لا تفنى وخالدة بالتناسخ والآخرة ..ص 40 )
ثمة امتلاء بالوجود في كل ما هو موجود، والدين يساعد في تكوين فكرة شاملة، عند تتبعها في مفهومها الواسع، ووفق تجارب حية تعيشها الشعوب، وحسب ظروفها وبيئاتها
والحديث عن خلق آدم وحواء، استمرار لمسيرة البحث عما هو ديني وما بين المرئي واللامرئي من علاقات مختلفة، وما في هذه العلاقات من تمرير مؤثرات نفسية ونفسية ، حيث الإشارات المرجعية كغيرها سابقاً، في غاية التنوع، ويكون للحديث عن ذلك إيزيدياً، تعبيراً عن الحق في التنوع، في المحصل( وفي قول إيزيدي باسم شيخ وناقوب موسى يذكر بأن باقي تراب آدم خلق منه شجرة التمر وعند كتاب الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري يذكر ما بقي من تراب آدم في المنخل صنع منه النخلة وأول من غرس النخلة هو أنوش ابن النبي شيت.ص 53 )
تلك هي نقطة ارتكاز مرجعية دينيةُ المقام، تعزيزاً لمفهوم الاختلاف وتأكيد التفاعل والتكامل بين مختلف الديانات والعقائد، والإثراء المعرفي بالمقابل
ومن ذلك ما يفصح عن المنشود جهة الدين المراد تفعيل أثره ( ونختم بأن دين الإنسان هو المحبة والعشق الإلهي..ص56 )
تلك عبارة تؤخَذ بها في كامل معانيها القيمية، وتشكل إرسالاً برقياً، إن جاز التعبير، إلى الذين يحتكرون معنى دون غيره، وما لذلك من عنصرية مفهوم وتصغير للآخرين إلى الآن.
ومن هذا الباب العريض، يكون لماء ” زم… زم ” رابطة حياتية، حيث الماء أصل الحياة، وما أكثر ما قيل في هذا المقام المائي: الزمزمزي كاعتراف بمحورية الماء، وللكورد ميسمهم المعتقدي والديني والثقافي ( ولكون اسم الزمزم موجود عند الشعوب الآرية فالشعب الكوردي جزء مهم من الشعوب الآرية وهذا الاسم قد لا يكون غريباً عن لالش، وكون اسم الزمزم ورد في قول إبراهيم الخليل من نصوصنا الدينية ( سبقة رقم- 36- كتاب صفحات من الأدب الديني الإيزيدي. ص 308 لـ د. خليل جندي..ص60)
ويلعب الزمان دوره في تلوين العلاقات بين الشعوب، وفي التاريخ، جهة العبادات كما في ” عيد بيلنده ( أو عيد الميلاد ) عند الإيزيدية.
لأننا نتحرك على الأرض، ويكون للشمس دورها الرئيس في حياتنا الكوكبية، كان للزمن تصريفه في نطاق هذا المؤثر الكوكبي – الشمسي ” النجمي ” وللإيزيدية ثقافتها الخاصة والتي تعبّر عن ذلك الاهتمام الكبير بما هو شمسي: نوراني، وما أقدم هذه الإشارة ( ” بيلنده ” في اللغة الكوردية تعني الارتفاع ولعله ارتفاع الشمس بعد حبسها في نهاية انخفاضها الشتوي الطويل وخروجها مرتفعة بيوم جديد في دورة سنوية جديدة[ وهو عيد ميلاد الشمس عند الإيزيدية ]. ص 65 )
وفي إثر هذه المعلومة النجمية، لا ينبغي التعامل مع مكانتها الثقافية دون النظر في خلفية المكانة هذه ، وهي في مأثورها التاريخي، الاجتماعي، الثقافي والاعتقادي في الوقت نفسه
ثمة معايشة لما هو مؤثر، وعلى مدار العام، والشعور بما هو كوني كذلك، كما الحال مع مفهوم ” عيد رأس السنة الإيزيدية: سه ري سال “، جهة الربط بفصل الربيع، وما يؤمل منه، وفي يوم مقرَّر ( يوافق سنوياً بعد 13 يوماً من أول أربعاء من شهر نيسان )، ثم ( … وأقل ما يطلبه الفرد الإيزيدي في هذا العيد والوطن مطلب العيش المقدس بأمان وسلام ومحبة وراضياً بقسمته في الحياة شاكراً فضل الله دائماً ..ص 68-69 )
هناك تفهُّم للحياة، واستعداد للحياة هذه، وهي في تحولاتها السنوية، ليكون للربيع شأنه الكبير ناحية الدلالة، وتذكر ما كان عليه الشتاء من عطاء: في المطر وسواه، لتكون الحياة محتسبة في ضوء ما هو متحول سنوياً، في الفصول الأربعة، والعيد ليس أكثر من تذكار لما كان، ودخول في منعطف اجتماعي، نفسي، وثقافي جديد، وما يترتب على ذلك من حراك نفسي وذهني عام .
وإزاء هذا الكم من المتغيرات والتي تشمل كل شيء على مدار الساعة، من الطبيعي، أن تأتي النصوص ذات الدمغة الدينية حافلة بما يُشعِر الإيزيدي بأهميته الشعائرية والجماعية والفردية في آن، وأن يكون التكامل بين روابط هذه النصوص في امتدادها القاعدي فاعلاً أيضاً، وفي صفة الباطنية التي تعرَف بها الإيزيدية ما يحيل القارىء إلى الخفي، وإلى بنية الإيزيدية عينها وهي تتحرك ضمن دائرة مغلقة بإحكام، إنما تستجيب لحاجات الفرد والجماعة في تراتبيتها، حيث التهديد بالخطر، يبقي الشفاهة معذورة ومبررة وقائمة على حراسة الذاكرة الجماعية( دون شك توجد للديانة الإيزيدية النصوص الدينية الكاملة تسمى بـ ( أقوال وبازوكات وقصائد وأبيات ) كانت محفوظة على الصدر أي شفاهية وباللغة الكوردية وبعضها بالعربي والفارسي وتخص أصول ممارسة حياتها اليومية في العبادة والطقوس والعادات وتعالج وتكافح في نصوصها هذه إدراك ورضى الإنسان في معرفة ربه وعبادته بتوحيده ، وليس فقط رضى الله عليه. ص 73)
وتأكيداً على خصوصية هذه الديانية كونياً واختلافها الكلي عما عداها، وإضاءة لما في الحياة من متغيرات وشرور وآلام، كان الموقف من مفهوم الشرور، واعتبار وجود مشخص للشر المطلق، حيث وجِد الشيطان، تقف الإيزيدية كديانة موقفها المغاير، والنظر في الشر من زاوية أخرى في حياة الإنسان، ولما ينبغي القيام به، حيث وجّه الشر إلى الخارج، وهو في الداخل، ويعني أن ( فعل الشر مشخصاً بإبليس في بقية الأديان طغى مبرراً على كل خطأ أو جريمة إنسانية وهذا ليس حقاً وكون الله نعبده لا يضع المعاصي أمام البشر وربما أن سلوك الإنسان خاضع لجينات تركيبه العضوي أسوة بسم العقرب والحية فمنه لا يمكن منع وقوع أمر لا إرادي.ص 78)
في مفهوم، يتقدم الإيزيدي بنظرة تكاملية تشمل كل ما هو مفكَّر فيه، ومتعامل به على الصعيد اليومي، وما ينبني في ظله من علاقات تبقي الفرد أكثر شعوراً بمسئوليته الأخلاقية، وحتى مخففاً العبء عما هو إلهي، بالطريقة التي يختارها في فهم الحياة والموت وما وراء الوجود.
إن الإرادة التي يختص بها الإيزيدي جرّاء الكوارث التي تعرض لها، ذات صلة بديانته ونوعية اعتقاده بها، تفسّر الكثير مما يمثّل عداء الآخرين له، ومن ذلك تعرضه للغزو الداعشي الإرهابي، وما في ذلك من تنامي حس الوجود، وصلابة الإرادة وإخلاصاً للديانة أيضاً( وكون الديانة الإيزيدية اُمتحنت وجُربت بأكثر من 73 فرماناً خرجت منه بخسائر كبيرة جداً وظلت تحافظ على وجودها لأن الدين لو دمر 100 فإنه لا ينتهي، لامتلاكه صبراً إيمانياً وروحياً من أصل الوجود الحتمي للشعوب . فالموجود من الوجود، والمعتدي والغرباء وإن مكثوا زماناً سوف يغادر مجبراً ومضطراً لأن القضاء والقدر ليسا بيده. ص 83)
لعل في ذلك جانباً معززاً من الصواب يشير إلى مدى مقاومة الإيزيدي، وثباته على ما يؤمن به، في مواجهة التحديات التي تهدده في ماله، وعرضه، ودمه بالمقابل
الفرمانات، بالطريقة هذه تسمّي في الإيزيدي ديانته، وتسعى إلى استئصالها من كليته النفسية والذهنية، وهو باد ٍ أكثر صلابة، وثمة الكثير مما يسمي هذه الفظائع التاريخية في حقه”ص85″.
ولعل في فكرة الروابط المختلفة التي تصل الإيزيدي بالكائنات والجمادات نابعة من هذه الديانة وتمثيل الإيزيدي لها في النسخ: انتقال الروح إلى كائن نظير لروح الشخص، والمسخ، انتقالها إلى ما هو حيواني، والفسخ إلى ما هو نباتي، والرسخ إلى ما هو جمادي ” صص 91-95″.
في التاريخ والسياسة:-
الإنسان في بنية تكوينه تاريخ وسياسة، أي سجل لحياته اليومية وعلاقاته المختلفة مع الآخرين، وأساليب في التعامل على الصعيد الاجتماعي، قونين وأعرافاً وتقاليد كذلك.
ولعل الذي تقدمنا به حتى الآن جهة مكاشفة موقع الإيزيدية كديانة واعتقاد كونياً، وعلى أرضية التاريخ والعلاقات الاجتماعية والسياسية، في سياقات مختلفة، يوضّح الإيزيدية كهوية إنسانية وقيمية كثيراً،وتلك الخريطة التي تتنوزع عليها رموز الثقافات البشرية محملة بدياناتها وطبيعتها.
وبالتالي، فإنه ليس من المستغرب بمكان حين نقرأ بلسان الباحث( لقد استمالت واستهجفت واستُغلت الأقليات القومية والدينية مراراً وتكراراً، بسبب طغيان وعنجهية الأكثر متباهية بقوتها وصوابها أمام الأصغر أو الأقل منها عدة وعدداً. ص 109)
الأمثلة كثيرة في التاريخ، والمهم في البحث، وبالنسبة لقارئه سردية الإيزيدية كتاريخ وموقع، وما شاهدته المنطقة من ويلات ونصيب الإيزيدي منها، تحيله إلى موقع الأكثر في التعرض للمظالم والفظائع والآلام أيضاً، تمثيلاً للقوة وتمثيلها على لأرض، والعراق مسرح حي لذلك، وللغزو الداعشي الفظيع علامة صارخة( ولقد أصابنا الجنون من تاريخ العراق مما يحدث من نزوح وذبح وسبي ، وخسائر مادية وروحية كبيرة ( وخاصة خطف مئات النساء كسبايا في سنجار وبيعهن في سوق الرق والجواري وأمام أنظار أغلب إخواننا في العالم العربي والإسلامي والمسيحي المحتل دون شعور وشجب بما يحدث كونه ظلم ومساس بشرف أخلاق الله، وشرف الإنسانية . ص 110)
ما يسرده الباحث من معلومات ومكاشفة البنية الأخلاقية فيها في المنطقة تاريخياً، وفي العراق كنموذج جغرافي- تاريخي وسياسي، يفصح عن ذلك الخلل الكبير في المستجدات، وذلك البون الشاسع بين المتردد هنا وهناك شعاراتياً، وما هو معمول به عملياً، في ضوء التغيرات النوعية والسلبية وتأثيرها السلبي على المكونات الاجتماعية، وعلى خلفية عقائدية، والإيزيدي شاهد بليغ على ذلك، وشهيد لما يؤمن به، ويعبّر عنه، ويتعرض له من سوء معاملة.
لا اعتبار للتعايش، وكل حديث عن التعددية أبعد ما يكون على الوهم والتضليل، وما يمكن ضبطه يأتي من خلال تنظيم العلاقات مؤسساتياً حيث ( الحياة السعيدة والصحيحة تبدأ في التربية والتعليم من خلال المدارس وخاصة المرحلة الإبتدائية التي تعتبر عموم المجتمع الفالح والطالح، ويكون ذلك باعتماد مناهج علمية وإنسانية سليمة..ص114)
نعم، العراق مسرح مفتوح لما هو إرهابي، ولذبح الأقليات وإبقاء الجميع تحت التهديد، جرّاء استغلال ما هو ديني، ومذهبي وطائفي. ليكون تاريخ العراق مكتوباً بالدم والنار، وبدماء أبنائه.
لكن ذلك يبقي الإيزيدية أصحاب السهم الأكبر في التعرض للمظالم والمجازر والخراب( ومهما حصل فإن من تضرر أكثر أسوة بجميع العراقيي هم إيزيدية أهل سنجار حيث لا يزال أكثر من 3000 مواطن إيزيدي من طفل وامرأة وشباب وشيوخ أسرى لدى داعش يفعلون بهم ما يشاؤون من ضرب وذبح ونكاح جماعي وبيع وشراء علني…ص118)
وليجد العراقي نفسه، جرّاء سوء الإدارة في مواجهة أسوأ الاحتمالات، وإلى الآن، حيث ( المدن العراقية المدمرة من وراء داعش تسمى بمدن المثلث السني والذي دخلها داعش بحجة اضطهاد أهلها وتخليصهم من الويلات وإذ به يمسح الأرض بهم( عذراً من الكلمة). ص 121)
وعلينا في ضوء هذا الانفجار المجتمعي أن نتوقع كل ما هو مخرب أكثر مع الزمن، وفي الوقت نفسه، وبالتوازي مع هذا الخراب، الدفع بتلك المؤثرات السلبية إلى اعتماد ذهنية يجري تفعيلها، ليس لمعالجة الخراب وإنما المضي قدماً في طريقه، وإفساد المزيد مما لم يفسد بعد أو تعميقه، حيث الذهنية الفاسدة لا تفسد إلا ما لم يفسد بعد، وتعتمد آليات تعامل مع الواقع تضيق الخناق على ما هو اجتماعي بأسس ما أبعدها عما هو سوي سياسة واقتصاداً ) إن مقدار وشراسة التلاعب بالوعي النفسي على المكون الإيزيدي للأسف لا تتوقف وسارية المفعول وقد يكون ناس من نفس المكون طرفاً فيها دون أن يدري وقد يختفي بداخلها وقد تأخذ العواطف والانتماءات دافع غير مأمون بذلك، وتمر بمراحل مرتبة لزرع اليأس والخوف من مستقبل العيش الآمن والعودة. ص 124 )
بالتأكيد، ففي سياق ما هو كارثي وانحداري قيمي، ماذا يتوقع المرء أكثر من هذا المعمول به التفافاً على القانون الموضوع، وتحويراً لحقيقته، لبثّ المزيد من الاضطراب في المجتمع.
وما يجري عالمياً على صعيد التوترات والحروب والصراعات الدينية والمذهبية وفي نطاقها، وإقليمياً ومحلياً، يبقي انفجار البارود على قدم وساق وتوقع المزيد من الخراب حقيقة واقعة، وما يخص التواجه بين الدين والعلم وجه من وجوه هذه الاحترابات ( والآن صراع العلم والأديان محتدم على قدم وساق بامتحان عالمي على الرغم من التوجهات العسكرية وكثرة أنواع الأسلحة المدمرة . ص 132)
الباحث يمارس مسحاً ميدانياً وثقافياً لما يجري على الأرض وفي ثنايا الكتابات، لما يجري مشرقاً ومغرباً، وكيف يشكل العراق ساحة رهيبة لمَا هو مميت، وما داعش إلا حصيلة ما هو مخطط له على أكثر من مستوى، كما هو المثار في ( من غرائب الحرب على داعش. ص 147)
ولأميركا الدور النموذجي في إدارة الأزمات وتفجيرها عالمياً، في تدخلاتها بطرق شتى” ص 154″. وما في ذلك من خواء مفهوم” النظام الأخلاقي العالمي” عندما يتم التذكير بمأساة الإيزيدية و( شرف نساء الإيزيدية المفقود بيد داعش..ص 162)
وماذا في شنكاليات؟
هوذا موضوع الفصل الثالث، والجلي في سخونته، وتبعاته الاجتماعية والسياسية الكارثية.
ولشنكال الاسم والمسمى ما يبقي ذاكرة الإيزيدي ملتهبة، ونازفة، لأن تاريخ شنكال هو سلسلة من المواجهات لمن أرادوا غزوه في بيئته وأهله والنيل منهم بطرق شتى. للإيزيدية كتاريخ شنكالي ما يشكل عصفاً مأساوياً عن تخمد ناره ، وانتقالاً من مأساة أو محنة إلى أخرى، وتحديداً إذا نُظر إلى شنكال من زوايا مختلفة، وكرمز إيزيدي في تنوع رموزه الدينية والدنيوية، كما لو أن امتلاك شنكال والتحكم فيه بمثابة امتلاك مصير الإيزيدية واللعب به.
وليس الجاري في مهب بدء آب 2014 إلا تذكيراً بهذه الحلقات المرعبة، وتأكيداً على أن حمّى الرغبة في امتلاك شنكال وكسر إرادة أهليه، لا تزال ساخنة جداً، وللإيزيدية تاريخهم المقروء والمشخص في الدفاع عن شنكالهم، وفي التأكيد له على أن هناك علاقة وجدانية وجودية توأمية بين الاثنين، ولا بد أن الأعداء على مر العصور مدركون لهذا التركيب التليد، ويتهيبون جانبه.
إن حديث الباحث عن بنية المسالمة في الإيزيدية يتأتى على خلفية من التصعيد الإرهابي لمن يريدون الإيزيدية حياة ومعنى ورمزاً، وليس من باب التعريف الجانبي بها( دون شك الديانة الإيزيدية ليس فيها عداء أو كراهية ضد أي دين بل كل نصوصنا تقر تعترف بكل الأديان وأنبيائها . ص167 )
هذا ليس اعترافاً لجهة محددة، وإنما لسان حال منجرح بالآخر الذي يرى في الإيزيدية عداوة متربصة به، وفي الوقت نفسه مسوغاً يحفّز فيه روح الكراهية وتعبئة نفسية لمن حوله، للتغطية على نواقصه أو سلبياته، وتحديد الخطر في الخارج، كما هو الموقف ان مفهوم الشر، بجعله تشخيصاً، وليس باعتباره متأتياً مما هو داخلي، في اجتماعيته وسياسته وعلى أرض الواقع
لا يعود شنكال مجرد اسم جغرافي، إنما الاسم المأهول بذاكرة جماعية لها علامتها الدينية، الاعتقادية، والاجتماعية التاريخية العريقة، ولما فيه من أمكنة عبادة وتجليات طبيعية تم رفعها إلى مستوى الرموز التي تشد النفوس إلى شنكال جبلاً أكثر كونه جبلاً ، ليكون في بنيته الذاكرة الطبيعية المنيعة والدالة على سمو الأثر، والاعتبار في أرشيف محرَّر باسمه بطوليا.ً
ولا يخفي الباحث دور أهل دهوك في التجاوب مع معاناة أخوتهم الإيزيدية على خلفية من الكارثة الشنكالية والتي سبّبها الغزو الداعشي المروع وأبعد من نطاق المحافظة، كما شهدتُ أنا بنفسي ذلك( ونرى هنا في محافظة دهوك الموقف الأصيل لهذا الشعب الدهوكي الطيب وحكومة إقليم كوردستان عموماً وأكثرهم من أخواننا المسلمين في مساعدتنا ودعم النازحين بكل الطرق والوسائل…إلخ. ص 168 )
ذلك ما يجمع بين القومي: الكردي والديني، ويرفع من شأن اللحمة المصيرية الواحدة كردياً. ليقول الباحث كيف أن سنجار كجغرافية قد انتصرت، عبر هذه الوحدة ( سنجار انتصرت بالعلم والتصدي القتالي- ونجحت في كسب ود وتعاطف الرأي العام العالمي- وصبرت على خيانة الجار وفقدان موضع لثقة والعهد- ورغم حسرة كسر الشرف يبقى الناموس دليل مقاومة الامم ومجدها. ص 174)
إنما إلى أي مدى كان لهذا الجرح الإيزيدي الشنكالي من دواء ناجع، ووضع حد لآلام أهليه؟ ذلك في حكم الغيب، كما يبدو، إذ ( للأسف الشديد تستمر المعاناة مع تعذب الحال القومي والشنكالي على ما هو عليه حتى يتهيأ عذر آخر يُخيب الأمل ويحبط الهمم .ص 178 )
ذلك مشدود إلى الفساد المستشري سياسياً في الجسد السياسي العراقي الرسمي، وتلك التسويفات القائمة على تقديم الحلول المنشودة والتي تزيد في تعميق المعاناة وسفور وجه السياسي الحكومي، ولامبالاته، لأنه، كما يظهر، غير مستعد لأي حل منشود، لأن تركيبه هو الذي يعلِم بما تقدم.
قدسيات ودلالاتها :-
في الفصل الرابع، يكون للقدسية مكانتها وكاريزميتها على أرضية الدين والعقيدة. حيث إن المقدس يضفي على اسمه طابعاً من الأبدية التي تتجدد، بمقدار ما تحافظ على زهوها وسحرها، ودون ذلك يستحيل فهم الدور المركزي للمقدس، حيث يكون له الزمان المفتوح، والذي ينتفي فيه مفهوم الماضي وفي إثره الحاضر والمستقبل، إنه الزمان الآخر الذي يعلَم باللاتناهي.
الإيزيدية كديانة حصيلة تاريخ تليد، يمتد بها آلاف السنين، وما هذه العراقة إلا الترجمان الحي أرضاً وسماء، إن جاز التعبير لوجود الذين تمثّلوا الديني، وجسَّدوا المعتقدي، وترجموا الإيماني إلى واقع ملموس أقوالاً وأفعالاً، وأن هذه المؤثرات ارتقت إلى مستوى فاعل في التاريخ بخاصيته القدسية، والتي تبقي الأنظار إلى نقطة يتمحور حولها وجود الإنسان، كما هو الكون، فالقدسي يفيض دائماً بما يبقيه جديداً ومحفّزاً على البقاء، والجدير بالحماية وتفعيل الأثر.
وهذه التراتبية في الرموز الممثلة للإيزيدية جهة الملائكة والذين يتصلون بهم أرضياً، ويبقونهم علامات روحية تتعدى نطاق المادي أو الحسي إلى المجرد الروحي، لها اعتبارها المحروس، كما هو مجتمع الإيزيدية، إذ بدون التراتبية هذه لا يمكن تفهم القدسية اسماً ومسمىً.
وحين يتحدث الباحث عن قدسية الملائكة بداية، فإنما للإفصاح عن مكانة الملائكة هؤلاء في النظام الديني الإيزيدي ودوره في تقويمة الذاكرة الجماعية الماورائية للإيزيدية، ولأن الإيزيدية تستمد مسوّغ وجودها كثيراً على هذا التأسيس التراتبي، ومن لحظة تسمية الملائكة بالملائكة، وانطلاقاً من أدوارهم( وسمّيت ملائكة لقوتها وقيل أصلها مالك- بتقديم الهمزة- من ألالوك، وفي اللغة بمعنى آلوكه حسب لسان العرب لابن منظور، واشتقاق الملائكة من ملك أي أل..ص180)
في ضوء هذه المقاربة اللغوية للاسم، تُرى هل من قرابة لغوية بين ” آلوكه ” ولقب الباحث نفسه ” علوكة “؟ تلك إشارة إلى المثار لغوياً، وما لذلك من تردد تاريخي للاسم في متحولاته، أو مجرد تصادف، وليس مجرد تأكيد، أو حصراً للمعنى الواحد دون سواه!
ولعل متابعة الباحث لسردية الديني ملائكياً وما دونها، تعبّر عن إرادة معرفة في إضاءة ما هو متوخى، استجابة لما هو مقرَّر دينياً، وتحديداً، لأن في مكاشفة السجل الملائكي ما يضع الناظر في مواجهة الحقيقة الملعوب بها هنا وهناك، فمن الملائكة حصل شرخ كبير، وفي التراتبية الملائكية جرى التمييز بين دين وآخر، من خلال مفهوم الشر، وأدواره.
إن التعرض لمفهوم الشر، وإبليس أو الشيطان، وما يقال في كل ذلك يفصح عن هاجس معرفي لدى الباحث، وسعيه إلى تسمية مختلف النقاط ذات التنوع، وليكون لمقام الشر الإيزيدي موقعاً، ذلك المفهوم المغاير لخلافه، ليقول تالياً، مثلاً ( ومهما كان أمر الملائكة وإن كان إبليس منهم أو من الجن فالشر موجود أسوة بالخير لأن مصدرهم الخالق، والشر له وظائف تركيب عضوي في البشر كما له سم الثعبان والعقرب في الحيوان…إلخ .ص 188 )
وللحديث عن قدسية الأرض مأثرتها، والباحث لم يدخر جهداً في تنوير هذا الجانب في متابعات تاريخية، أسطورية، دينية وفلسفية، وللإيزيدية مرجعيتها اللافتة في هذا الصدد( في الديانة الإيزيدية( خلق الكون من درة ومن ذات الله وفرقها مخفية في داخل كل كائن حي…)، وتالياً ليؤكد( إذن قدسية الأرض ملموسة دامت أكثر من قدسية وعبادة الشمس والقمر نظراً لتجلي الله فيها…ص196)، وهي القدسية التي تتعزز في ضوء المكانة التي تمثلها كونياً ولبني البشر.
هكذا الحال مع قدسية الشمس الأكثر شهرة وذيوع صيت وعلى أصعدة مختلفة في ديانات العالم القديم، والديانات المختلفة تالياً، وللإيزيدية بدورها مأثرتها الشمسية، إن جاز التعبير( وفي الإيزيدية تعتبر الشمس مقدسة لأنها نور السماوات والأرض وليست معبودة لوجود خالق عظيم لها هو المعبود…ص198 )
ويمكن المضي قُدماً في هذا المضمار إيزيدياً، لأن الشمس تذكر بسموّ موقعها، وكونها مرجعاً للنور، وما في هذا النور من اعتبار طهراني بالمقابل. وليكون تنوع الاعتقادات السامية اعترافاً بعظيم دور الشمس فيها، ومن ذلك أن ( بعض المعتقدات ومنها الإيزيدية تتخذ الشمس قبلة لها بسبب كون الجنة أو الفردوس جهة الشرق، وتيمنا بالجالس على يمين العرش وهو الله ونوره. ص 201)
ويأتي القمر من جهته فارضاً قدسيته لدوره الكوكبي في ترسيم ملامح حياتية أرضية أيضاً، ونظراً للتقابل بين كل من الشمس والقمر في عالمنا البشري، وفي الإيزيدية ثمة مكاشفة لهذا الترافق القدسي ( القمر والشمس خلقهم الله يوم الأربعاء ويوم القمر من أيام الأسبوع في اللغة الانكليزية هو يوم الاثنين. (mondey ) ويرمز له بالهلال-..ص202)
هكذا الحال مع طعام مقدس يسمى ” سمات/ سماط “، ونظراً لأهميته ( إنه طعام مقدس يتكون من مادة حبية الحنطة المدقوقة وقليلاً من اللحم والطغف أي لية الخروف ويقدم في أكثر المناسبات الدينية الإيزيدية كوجبة غذاء مقدسة تقدم للزوار وأهالي المنطقة من قبل مجيور المزار بعد أن يقوم بطبخه، ويقوم رجال الدين القوالون بدعاء مبارك على الزاد الموجود في جدور كبيرة قبل تقديمه وتوزيعه. ص 206)
ولا بد أن صلة هذا النوع من الطعام قوية بما هو أرضي، ونظراً لقيمته الغذائية، ليدقق فيه.
وفي الوقت نفسه، فإن في هذه الإحالات المعرفية ما يثير فضول أي باحث قارىء أو القارىء للنظر في تلك المؤثرات ذات العلاقة الإناسية ” الأنثروبولوجية، جهة هذا الاسم أو غيره، حال الطعام، وما فيه من مفتاح لعبور باب رمزي وأكثر، لتبين علاقات متباينة اجتماعياً، تقوم ومن ثم تتنشط بين أفراد مجتمعه، فلا يعود الطعام مجرد طعام” للهضم ” إنما لهضم فكري وثقافي، وبالتالي، تكون الإيزيدية كديانة قد ألقت بثقلها الديني أبعد مما هو ديني وهي محمَّلة بما هو اجتماعي، وما هو قيمي
وبصدد ” إيزيد – و- يزيد في التاريخ ” نجد أنفسنا في مواجهة مقام اسم كثر حوله النقاش في الديانة الإيزيدية، حيث نقرأ ( ورد هذا الاسم والكلمة في عدة مصادر تاريخية منها بصيغة اسم وفعل ومنها صفة…) ومن ذلك مثلاً : معنى إيزدا :-
( ومن الطبيعي أن يكون يزدا أو إيزيدا بمعنى الخالق أو عبدة الله وهنا( الاسم مادل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان ..ص209 )
وفي المسار الطويل الذي يحمل لائحة أسماء مقدسة، يمكن متابعة الجاري تعقّبه، وهي: برخك-هليل- تازة- سما..إلخ، لتكتمل دائرة القدسيات التي تتكامل فيما بينها قولاً وفعلاً.
وأحسب أن الذي قام به الباحث علوكة كان يفصح عما هو مراد طرحه خارجاً بصورته الأكثر وضوحاً وموقعه ضمن صنافة الأسماء المناظرة في الديانات والعقائد الأخرى، وليكون لهذا الإجراء جانب الواجب النفسي الذي يتمثل في مثل هذا الجهد المعرفي المبذول.
اقتصاد وحريات :-
للاقتصاد والحريات، موضوع الفصل الخامس، فعلهما الحياتي والاجتماعي وفي مجرى الدين والعقيدة، حيث إن الاقتصاد كما هو ملموس، والحرية، وهي قيمة، يتفاعلان في مسارات مختلفة.
ولكن الرابط بينهما لا يمضي بهما إلى نطاق المجتمع، وكيف يكون التأثير والتأثر بينهما، ومن ثم انعكاسهما على العلاقات الاجتماعية، بمقدار ما تكون هناك مكاشفة تاريخية، لوضعية كارثية تتجسد في الغزو الداعشي المدمر للمنطقة، وتجلي ذلك في نموذجين حيّين: بعشيقة وبحزاني.
لقد تعرضت المنطقة للخراب في هذا الغزو، وجرّاء ( فشل إدارة المدينة ” الموصل ” من قبل حكومة بغداد عسكرياً وأمنياً بسبب النفس المذهبي مما مهد الطريق للتنظيمات الإرهابية للتغلغل ودخول المدينة والتي كانت هذه المجاميع الإرهابية تعمل وموجودة بفعالية داخل المدينة، وبمعرفة الجميع دون أخذ الوضع بحدود الكارثة وسقوط المدينة..ص 229)
لقد تأثرت كل من بعشيقة وبحزانى بالغزو المدمر، وتغيرت ملامحهما لقربهما من الموصل ( وعودة للآثار ونظرة عميقة من الناحية الاقتصادية تعتبر بعشيقة وبحزاني من المدن العراقية والإيزيدية التجارية وذو مكانة اقتصادية عالية بل تعتبر أغنى ناحية في العراق من حيث المنتوج والعمل الاقتصادي بمواردها الزراعية والصناعية والتجارية وأيضاً من أكبرالمدن الإيزيدية الاقتصادية التي تعتمد على نفسها في انتاج وصنع المواد الغذائية الضرورية للحياة..ص231)
من الطبيعي في وضع كهذا، أن يكون التركيز عليهما قوياً، ليترافق الخراب والنهب الاقتصادي والاعتداء الجسدي أو العنف المتعدد الأشكال تعبيراً عن هذا الاجتياح الفظيع.
ومن ذلك ما يخص، مثلاً هدم المزارات ( وقد بلغ عدد ( المزارات ) التي هدمها داعش مع القاعات التي فيها وأيضاً قبور العامة والأولياء الصالحين في بعشيقة وبحزاني ( 25 ) مزار ونيشان وأكثرها تعود إلى عصور تاريخية وأثرية موغلى في الزمان. ص 233)
وبالترافق كان هناك نهب كل ما له صلة بالاقتصاد: الثروة الحيوانية والزراعية ” صص 239-240 “، حيث يأتي الباحث على ذكر الأرقام المعبّرة عن هذا النهب المنظّم. ليبرز مدى تأثر البنية التحتية للمنطقة، ولكل من بعشيقة وبحزاني للخراب، وكذلك الإرهاب الذي لوحق به الأهالي، وللإيزيدية نصيب مأساوي كبير من قتل وأسر وخطف وتعذيب، وانكاس ذلك على مشاعر الناس وتصوراتهم ( وقد تبدد تفكير أهل المنطقة بعدة اتجاهات وتوجهات وجعل الأمل يتلاشى بالعودة السريعة وبدا الأهالي بالهجرة إلى خارج العراق… ولكن ضغط الحال جعلهم يدفعون آلاف الدولارات لعصابات التهريب والاتجار بالبشر..ص 244 )
ذلك يظهر لنا بؤس الديمقراطية في المنطقة، وما لذلك من تسهيل الغزو الداعشي الإرهاربي، ومن ظهور فئات تلحق بداعش، وتمارس التخريب والقتل والنهب في ظله كذلك، وما للفساد من علاقة بما تقدم، وكيفية نهب الوطن بطرق مختلفة ” ص 246-247″ ، وهو ما يمنح اليأس والإحباط والشعور بالقهر والهدر حضوراً، ويزيد في أسهم المتلاعبين بمصائر الناس، ومن ذلك الدور البائس للبرلمان ومكانة الإيزيدية فيه، وهي تترجم دونية النظر إليهم ” ص 249 “.
ويمكن المضي على هذا المنوال، تأكيداً على أن الغزو الداعشي لا ينفصل عن ذلك الفساد المنظم برموزه المعروفة، وطرق ابتزاز الناس، سهولة عبور الحدود، وتمزيق شمل البلد.
وما أشير إليه، يمثل شهادة حية ومرعبة عما عرِف به العراق مجتمعاً وشعباً، وما تعرض له الإيزيدية من غزو طالهم في مالهم، وشرفهم، وكل ما يميّزهم، ليستعاد تاريخ سواد في ضوئه.
عرض ونقد كتب :-
في الفصل السادس، وهو الطويل وبالعنوان المفصح عنه، يظهر أن الباحث قد خصص مساحة أوسع من سواها بالنسبة للفصول السابقة، لعرض كتب قرأها واستوقفته، وهي بسويات بحثية أو كتابية مختلفة، أو كتب تناولها بالنقد، وهي تشمل جوانب تاريخية، ثقافية عامة، سياسية، دينية، فنية، أدبية آثارية، وفولكلورية للإيزيدية، ومدى تميز هذه الكتب في الحالتين بتلك القيمة العلمية، واعتمادها على ما هو تاريخي، وليس اصطناعه، ونسبة الإخلاص للحقيقة في كل ذلك.
ولعل النظر في العناوين الدالة على موضوعاتها، يجدها راهنة، وهي في اختلاف مقاصدها، أو في تنوع مواقعها الثقافية والمعتقدية كذلك. فثمة تناول لستة عشر كتاباً، ودخول في نقاش مع مقالتين، ومناقشة برنامج له بما هو ديني، وعنوان أخير يكاشف البنية الفكرية لعلماء الاجتماع والأقليات، والإيزيدية نموذجاً. أي ما مجموعه عشرون متابعة، وليكون للكتب الجاري النظر فيها الحضور الأكبر كما تقدَّم.
ولهذا التنوع والاختلاف وجاهته، ويشكل ذلك لصالح الباحث في ميزان التفاعل النقدي مع الآخرين ممن تناولوا الإيزيدية على أكثر من صعيد، لأن في هذا التناول تحضر شخصية الباحث هذه، كما تفصح عن مدى قدرتها في الإصغاء إلى الصوت المختلف، وتحرّي بنية المكتوب باسمه قديماً وحديثاً، وطريقة الدخول في الحوار أو النقد وانعكاسه على أصل الكتاب بالذات
من كتاب الليدي درور: طاووس ملك ” اليزيدية “، وموقع كل من بعشيقة وبحزاني فيه، إلى عبدالباري عطوان وكتابه: الدولة الإسلامية ” الجذور، التوحش، المستقبل “، إلى برنامج : حقائق الأديان ويقدمه الأخ محمد المصري ” إلى د. أحمد صبحي منصور، وكتاب: دين داعش الملعون، إلى شمدين باراني وكتاب: حكايات شمدين، إلى د. قيصر خلات يزدين وكتاب: الخصائص المعمارية لمعبد لالش وتحليل الزخارف الموجودة على جدرانها،إلى د. خالدة حاتم علون، وكتاب: أدب الأقليات العراقية، إلى كتاب البشمركة مسعود البارزاني: للتاريخ، فنادية مراد وكتابها: الفتاة الأخيرة..وتكون النهاية مع رؤى مختلفة لعلماء الاجتماع وتناولهما لمسألة الأقليات/ الإيزيدية نموذجاً، يمكن رؤية خاصية القراءة للباحث في كل كتاب، وتلك الصورة البانورامية المتشكلة جرّاء هذه القراءات وكيف تمت في الزمان والمكان.
وفي المقدور اعتبار هذا التنوع من العناوين شهادة حية على مرونة الباحث في تناول الكتب، على خلفية من الاختلاف المعرفي، وقابليته للدخول فيها بأساليب حوارية مختلفة، تجد مسوغاً لها من خلال قدرة الباحث على القراءة ومكاشفة نوعية القراءة هذه، وحضور العلمي فيها تحديدا.ً
مثلاً بالنسبة لتناولها لكتاب الليدي درور، يقول في نهاية مقاله عنها: ( وأراها منصفة بما رأت وكتبت ولم تتطرق لأمور لصقت بالإيزيدية بهتاناً أو تجاوزت إنسانيتها ..ص 282 )
وإزاء كتاب عطوان، نقرأ ما هو مختلف( في هذا الكتاب يبحث عطوان ويأمل في وطن ودولة خلافة إسلامية قادمة وقد يندب حظ بلاده بأنها سحقت وضاعت بيد جدولة إسرائيل..ص287،
ويثمن كتاب باراني: حكايات شمدين، نظراً لأن الكاتب بذل جهوداً مضنية ليبصر كتابه النور، ويرى أن قراءة الكتاب لا تتم بسهولة، انطلاقاً من طبيعة الحكايات( فعند الاطلاع عليها وقراءتها نحتاج إلى جهد ذهني وانتقال الأفكار لاستيعاب وقراءة المغزى من كتابتها. ص 303)
ولكتاب باراني : حبات ذهبية إيزيدية، قيمة تاريخية وأدبية مؤكدة من لدنه، لكنه لم يدع القراءة دون توجيه النقد: مثلاً : أغفال صاحب القول أو النص الديني الإيزيدي..” ص 334 “.
ويثمن كتاب البشمركة مسعود بارزاني” للتاريخ ” ويتعرض له بتوسع نسبياً، لأنه يخص رمزاً سياسياً كردياً ورجل دولة ومناضل سياسي كذلك ( الكتاب بشكل عام مهم لرجل يطرح بشفافية مآسي بلده وهو لا يزال في رأس الهرم وكونه صاحب تجربة …ص363 )
ولا يدع كتاب نادية مراد دون تعليق جلي يتركز على أهميته في محتواه النضالي ، لأن نادية تكون مجسدة هذه القدوة في المجابهة للأعداء ” داعش ومن معهم ” ومدى صمودها، ولا يخفي الكتاب نبرة الألم والصدمة جرّاء وقائعه المسرودة بلسانها ” ص 370 .
وفي المبحث الأخير بطابعه الاجتماعي، يستهدف ما هو علمي، ويزكي أي كتاب من هذا المنطلق، ويبتعد عما هو ذاتي، وليس لأنه إيزيدي وهو يتفاعل مع مؤلف إيزيدي حيث ( إن كتب وكتابات البعض الإيزيدي خطيرة على الإيزيدية أكثر من كتب أحمد تيمور والدملوجي وعبدالرزاق الحسيني..ص 376 )
طبعاً، ليس في الإمكان التوقف عند كل مثال، لأن المراد النظر فيه هو محاولة إظهار القاسم المشترك في أدائه المعرفي ومحتواه الثقافي، وما يشكله كل ذلك من شهادة بحثية لها وزنها التاريخي والثقافي بالنسبة للباحث لدى قارىء كتابه هذا.
لم ينته الكتاب:-
لا ينتهي الكتاب من لحظة قراءة الجملة الأخيرة فيه، إنما يتابع مساره المتشعب في الذاكرة والوجدان الفرديين، بمقدار ما يشد قارئه إليه تبعاً لثقافته وخاصيتها المعرفية.
وكتاب : أفكار وآراء هادفة، مستوفي شرط القراءة بأكثر من معنى، وهو مأهول بجملة من المؤثرات الاجتماعية النفسية تحت وطأة الغزو الداعشي التخريبي، ومحقق شرط النقد من هذا المنطلق، وبالتوازي مع فعل القراءة في اختلاف موضوعاتها، ليكون الكتاب كتاب فعل في رؤيته البحثية، وكتاب سلوك في انعكاسه على العلاقة مع الكتاب كمفهوم، وومؤلف كاسم يجري التعامل معه معرفياً، وليس على خلفية انتمائه إلى دين أو معتقد أو جرّاء حالة نفسية ما.
بالطريقة هذه، يكون للعنوان مسوّغه المبني على قاعدة معرفية متبصرة لموضوعها من ألفه إلى يائه، ومن يقرأ الكتاب في لائحة أسماء كتابه واختلاف مرجعياته، يزداد يقيناً بأمانته العلمية!
نعم، يقرأ أحدنا ما يرغب في قراءته، وليس ما يجب أن تمون عليه القراءة موضوعياً، وما في هذا القول من إضاءة للوازع النفسي والفكري لكل قارىء وحين يكون باحثاً، وفي كتاب علوكة، كان هناك فعل قراءة لم يتوقف عند حدود القراءة بالمعنى الضيق للاسم، بمقدار ما كان هناك من فعل قراءة تعدّى الرغبة ، إلى فعل المعرفة الذي يكسِب الباحث مكانة واعتباراً ، وبالتالي، فإن كتابه يغني مكتبة الإيزيدية، وأن من يقرأه سوف يتلمس هذه العلامة الفارقة!!.
الكاتب ابراهيم محمود / مايو / 2023م