حوار مع الملازم سلام العبلي حول الأنصار والانفال- صباح كنجي

 

أسئلة عن الأنفال

الملازم سلام العبلي.. من الضباط الشباب.. الذين تواجدوا في مواقع عديدة للأنصار.. وعمل في عدة مجالات.. بين المقرات في مناطق سوران وبهدينان.. والمفارز المتجولة.. وشارك في عدة فعاليات عسكرية.. وكانت له رؤية وتقديرات عسكرية متميزة.. انعكست على مواقفه وتحليلاته.. وفي مرحلة الانفال وما قبلها.. كان منسباً لقيادة الفوج الثالث في كلي هسبه ـ جبل متين..

ونبه الى مخاطر توقف الحرب.. واحتمال اجتياح الجيش العراقي لكردستان.. وشهد تفاصيل الأحداث.. سندعه في هذا الحوار ان يلخص لنا رؤياه بالشكل الذي يرتئيها.. من خلال الأسئلة التي اعددناها.. وافردنا لها ما له علاقة بجرائم الانفال وملابسات فقدان الكثير من العوائل.. في أجواء الحصار.. الذي فرضه الجيش على الأنصار وعوائلهم.. وشمل المواطنين والمتواجدين في القرى والارياف..

1ـ نرجو ان تعطينا فكرة عن حياتك كمدخل لهذا الحوار؟

2ـ متى التحقت بالأنصار وفي أي المجالات عملت؟

3ـ كيف تقيم تجربة الكفاح المسلح في كردستان؟ أبرز معالمها.. نقاط ضعفها.. السؤال هنا يشمل حركة الأنصار الشيوعين والأحزاب الكردية التي تبنت مشروع الثورة الكردية المسلحة؟

 4ـ كيف كان ينظر للحرب العراقية ـ الإيرانية؟ خاصة صفحاتها المؤثرة على الأوضاع في كردستان؟ 5ـ مع اقتراب اعلان توقف الحرب العراقية ـ الإيرانية كيف كانت الأوضاع والاستعدادات العسكرية للأنصار.

وهل جرى اتخاذ إجراءات احترازية معينة لمواجهة الموقف المتأزم.. هل لك ان تفصل لنا ما التمسته في حينها بحكم موقعك وقربك من التشكيلة القيادية للأنصار.

 6ـ ماذا حدث مع توقف الحرب. ولحظة ورود المعلومات عن توجه الجيش والقطعات العسكرية وتشكيلات الجحوش الى كردستان؟

هل كانت لديكم معلومات عن مراحل التهجير والتخريب التي حدثت في كركوك ومناطق السليمانية من أذار 1988 وما تلاها لغاية تأزم الموقف في بهدينان مع اعلان توقف الحرب؟

 7ـ كيف واجه الأنصار الشيوعيون الموقف؟ هل كان هناك تنسيق بين قيادة القاطع خلف العمادية والفوج الأول في مراني ـ جبل كاره والثالث في كلي هسبه ـ جبل متين وبقية المفارز الجوالة ابتداء من سهل نينوى حتى زاخو؟

 8ـ هل جرى التنسيق مع بقية فصائل البيشمركة؟

وهل كانت هناك هيئة اركان فاعلة تقود حركة الأنصار في تلك اللحظات العصيبة؟

ماهي قصة الغاء وحل تشكيلات الأنصار ودمجها بالتنظيمات المحلية؟

ما هي ملابسات تطبيق هذا القرار وانعكاساته على الأوضاع في حينها، وما سببه من خسائر فادحة للعوائل والانصار في الفوج الأول مراني..

حدثنا عن مقترحك وحديثك مع المسؤولين بخصوص احتمال تطويق مجموعة الفوج الاول مراني وضرورة سحب الأنصار والعوائل الى مناطق الفوج الثالث والحدود التركية.. متى كان ذلك؟ وحبذا لو تذكرت التاريخ وثبت الزمن خاصة فيما يتعلق بإرسال البرقيات وما يتعلق بسحب العوائل الى المناطق الأمنة

 9ـ ما هو تقييك للخسائر الكبيرة التي حدثت؟ وهل قرارات التسليم للسلطة كانت سليمة؟

كيف اتخذت ومن اتخذها؟

هل فعلا كانت هناك هيئة قيادية تعمل بشكل طبيعي في تلك الأوضاع.. ام كانت الأوامر والقرارات مرهونة بيد من اختير ليصبح المسؤول الأول في حينها.. ولم يبرر هذه الثقة بحكم فقدانه للمؤهلات العسكرية.. وفشله في إدارة المهمة الموكلة اليه؟

 10ـ كيف تقييم نهاية حركة الأنصار والبيشمركة؟ وماهي معلوماتك عن تلقف الجماهير السريع لفكرة التوجه نحو الحدود التركية والإيرانية بعد إذاعة البي بي سي لخبر استعداد تركيا لتقبل الفارين اليها من بطش الجيش والقوات المسلحة العراقية المهاجمة للقرى والمدن في بهدينان؟

 11ـ هل شاركت في اجتماع التقييم اللاحق لهذه الاحداث المأساوية الذي عقد في القامشلي. ما مصير هذا التقييم؟ كيف تعاملت قيادة الحزب مع التقييم؟ ولماذا جرى استبداله واخفائه من قبل المسؤول الأول؟

12ـ سنترك لك حرية إضافة اية معلومة ورواية المزيد من تفاصيل الحدث وما جرى في الأنفال. كيف تحركت المجاميع؟ والى اين توجهت؟ وما حل بالأنصار والبيشمركة والمواطنين.. وان كانت ثمة حالات تستدعي التوثيق عشت تفاصيلها او اطلعت عليها..

  ـــــــــــــــــــ

صباح كنجي 21/2/2023

 

 

  

 

1ـ أنا من عائلة بغدادية قارعت الانظمة الاستبدادية.. وقدمت الكثير من التضحيات من اجل الشعب انهيت الدراسة الاعدادية في العراق.. والدراسة الجامعية في موسكو.. باختصاص هندسة الميكانيك سنة1981 ثم التحقت بالكلية العسكرية في جمهورية اليمن الديمقراطية وتخرجت برتبة ملازم دروع.. وتوجهت الى كردستان للمشاركة في حركة الانصار.

2ـ التحقت بحركة الانصار للحزب الشيوعي العراقي اواخر شهر ابريل ـ نيسان عام ١٩٨٣ وشاركت في الكثير من المهام في حركة الانصار وكذلك المعارك.. بدءً من التقدم والهجوم التركي على المقرات في بهدينان مايو..١٩٨٣ والى بشتاشان الثانية.. ايلول 1983 مع السرية الثانية بقيادة الرفيق توفيق الختاري.. والشهيد ابو رؤوف..

ثم نسبت معاون امر السرية الثالثة التابعة للفوج الثالث قاطع بهدينان.. ثم امراً للسرية الاولى في الفوج نفسه.. ومن ثم المسؤول العسكري للفوج الثالث.. شاركت بالطبع أيضا في الاعمال العسكرية لهذه الوحدات تنفيذاً وتخطيطاً..

3ـ ليس من السهل ان يقوم نصير بمفرده بتقييم حركة الانصار لسعتها وتعقيدات العمل فيها.. لكن سوف احاول وعلى شكل نقاط مختصرة..

(1)ـ في التكوين الاول نحن لم نكن مستعدون لا مادياً ولا معنوياً وانما الحركة بدأت بتجمع بعض من الرفاق من اهل منطقة كردستان والموصل هرباً من الحملة التي قامت بها السلطة ضد الشيوعين.. ولمْ يكن الحزب قد رفع شعار الكفاح المسلح في حينها.

(2)ـ اعتقد ان قيادة الحزب وجدت في هذه الفكرة ملاذ للرفاق المتواجدين في الخارج.. وللتخلص من   الضغط الكبير الذي شكلته تلك المجاميع الكبيرة.. على قيادة الحزب.. وهذا ادى الى ارسال الرفاق الى كردستان دون التميز والتدقيق في الصلاحية القتالية للرفاق (العمر.. المرض.. التدريب.. الخ) بالإضافة الى ذلك عدم اعتماد رغبة الرفيق نفسه..

(3)ـ عند رفع شعار الكفاح المسلح واسقاط النظام.. لم تجري اية دراسة جدية لمتطلبات تحقيق ذلك..

قمنا نحن طلبة الكلية العسكرية.. الدورة الاولى والثانية.. في اليمن بدراسة موسعة وجدية لتجارب حركات الكفاح المسلح في العالم.. واستخلاص الكثير من التكتيكات والمتطلبات والدروس.. من تلك التجارب.. وكانت دراسة يمكن الاعتماد عليها في توفير كثير من المستلزمات لحركتنا.. وكذلك كان يمكن تعميمها على وحداتنا للاستفادة والاغناء.. لكن للأسف لم يأخذ بها.. ولم أجد لها اثراً في كردستان..

(4)ـ انطلاق حركة الانصار في كردستان حيث كانت تتواجد احزاب كردية تحمل السلاح وتقوم بأعمال عسكرية ضد قوات النظام مما ترك اثار كبيرة على عمل وشكل وتكتيك حركة الأنصار..

 

 

 

 ـ ساعدنا بشكل كبير للبدء وكان دعماً معنوياً اولاً كوننا لسنا وحدنا..

ـ ساعدنا في تقبل الشعب الكردي لوجود قوات الأنصار..

ـ قمنا بأعمال وعمليات مشتركة كثيرة وكبيرة..

ـ ولكن كانت له اثار سلبية ايضا على حركة الأنصار.. وذلك لان الاحزاب الكردية كانت تمارس نشاطها في منطقتها الطبيعة ولديها تجارب تاريخية في العمل هذا بالإضافة الى اهدافها القومية الواضحة التي تجسد طموحات الشعب الكردي..

اما نحن فكانت اهدافنا ابعد وتشمل عموم العراق.. لكن القرب من هذه الاحزاب والتحالف معهم ضمن جبهات متعددة اطر عملنا في حدود اهدافهم وعملهم.. وقمنا بنسخ اساليبهم وممارساتهم تقريباً في كل شيء (اقصد هنا في مجال العمل العسكري)..

وحتى مقراتنا كانت مجاورة لمقراتهم.. وهذا ما ادى الى الابتعاد عن الهدف الاستراتيجي المعلن (اسقاط النظام).. كما زججنا في مشاكلهم.. وحتى في الاقتتال فيما بينهم.. ودفعنا ثمناً غالياً وكبيراً في ذلك..

(5)ـ اختيار الرفاق للعمل في حركة الانصار لم يكن دقيقاً.. مما أثقل الحركة بكثير من الرفاق المسنين والمرضى.. وعدم الراغبين في المشاركة من غير المقتنعين بالعمل العسكري والكفاح المسلح.. مما شكل عبئاً كبيراً على الحركة..  التي من المفروض ان تكون خفيفة وسريعة الحركة.

(6) ـ اقامة مقرات للعيش والسكن.. وليس معسكرات للتدريب والراحة والإدارة.. وجرى اثقال هذه المقرات لاحقا بالعوائل كما هو الحال في مقرات (قاطع بهدينان)..

(7) ـ اغلبية الانصار الذين زج بهم في العمل العسكري.. لم ينالوا التدريب العسكري.. الذي يؤهلهم للعمل وبسبب ذلك قدمنا شهداء كثر.. واني على قناعة ان ٨٠٪ من الاصابات سببها عدم التدريب على فنون القتال..

(8) ـ عملنا مع الاحزاب الحليفة.. جعلنا نتبع نفس اساليبهم في العمل.. مثلا صد التقدمات التي كانت تقوم بها قوات النظام.. وهذا مخالف تماماً لتكتيك حرب العصابات.. وأدى الى خسارة كثير من الشهداء.. كذلك بعض التصرفات العشائرية التي لم يكن لها ضرورة..

(9)ـ الاختيار غير السليم لبعض مواقع المقرات (بشتاشان مثلا.. وللأسف كان أكبر المقرات واكثرها تركيزاً للرفاق والكوادر وكأنه كان دولة مصغرة)..

(10) ـ اغراق العمل العسكري بالعمل الحزبي وترتيباته.. مما أدى الى تحديد حرية عمل الوحدات العسكرية.. وفي بعض الاحيان ادى الى كوارث.. كما حصل في الانفال.. وبشكل خاص ما حصل في مقر الفوج الأول.. في وادي مراني..

(11) ـ عدم تشكيل جهاز استخبارات عسكرية يجمع المعلومات ويحللها ويضع خريطة لتحركات السلطة ومكائدها.. اوقعنا في كثير من التخبط.. وعدم وضوح الصورة لتحركات العدو.. وأنا شخصياً قدمت مقترحاً مكتوباً بتفاصيل كثيرة حول هذا الموضوع المهم..

4 ـ الحرب العراقية الايرانية التي امتدت لثمانية سنوات.. كان لها تأثير كبير على وضع الحركة وتطورها.. حيث قامت قوات النظام بالانسحاب من مناطق كبيرة.. اعتبرتها غير مؤثرة على الوضع الأمني اثناء الحرب.. وتركتها بعد ان استبدلت بقطعات من تشكيلات الجحوش.. لحماية الطرق والمدن والقصبات، وهذا اعطى كثير من حرية الحركة لنا.. وقد سميت بالأراضي المحررة تفاخراً.. كذلك اصبحت ملجأ الى الكثير من العوائل الهاربة من استبداد السلطة وكذلك للهاربين من الجنود والعسكريين في الجيش والقوات المسلحة الرافضين للحرب.. ولكن هذا الوضع ادى الى الخدر وانشغالنا بشكل كبير بمشاكل المنطقة والاهالي، كما انشأت مقرات كبيرة وقرى وكأن الحال سيدوم.. اما من الناحية السياسية فكان الكثير يعول على سقوط النظام في بغداد على الحرب.. وكان تأثيرها كبير على المزاج العام للأنصار وحتى القادة الحزبين..

5ـ لم تكن هناك اي توقعات بان الحرب ستتوقف بشكل مفاجئ كما حصل، لذلك لم تكن اية استعدادات لمثل هكذا وضع محتمل.. ولم يكن خيار سوى الانسحاب والخروج من كردستان بهذا العدد الهائل..

 كانت تردنا معلومات كثيرة عن تحركات السلطة عن طريق الأهالي.. وبشكل خاص عبر السواق.. لكن هذه المعلومات كانت شحيحة بشكل خاص عند بداية تحرك القطعات، وكل المؤشرات تشير الى ان وجهتها كانت محددة لاستعادة السيطرة على كامل مناطق كردستان والقضاء على الحركة المسلحة بشكل نهائي.. وهذا كان جلياً وواضحاً على الاقل بالنسبة لي..

وحينها سألني مسؤول حزبي كان مهتماً بتطورات الأوضاع والحرب عن رأي وتوقعاتي.. اوضحت له: انّ الجيش العراقي سوف يتوجه الى كردستان بأقرب وقت.. وعند اكماله الاستعداد يستطيع احتلال المنطقة خلال يومين.. لوفرة الطرق السالكة التي توصله الى ابعد نقطة في كردستان بسهولة.. بالإضافة الامكانيات العسكرية الهائلة للنظام الدكتاتوري مقارنة بإمكانياتنا المحدودة والقاصرة في مواجهته..

وكان المقترح الوحيد الذي قدمته.. يجب تخفيف المقرات أولا.. ثم العمل على ارسال العوائل الى مناطق أكثر اماناً باتجاه الحدود التركية.. هذه الخطوة الأولى.. ثم تشكيل مفارز صغيرة خفيفة الحركة تكون قادرة على الانتقال والمناورة والاختباء..

 واجه الانصار الموقف للأسف من دون خطة واضحة.. وأستطيع القول والتأكيد بعشوائية. أما ما يخص التنسيق بين القاطع والفوجين.. الأول ـ مراني.. والثالث ـ كلي هسبة.. في تلك الاثناء لم تكن تلك التشكيلات موجودة.. وانما حلت محلها بسبب قرار الدمج.. محليتي نينوى ودهوك.. ومقرهما كلي مراني لمحلية نينوى.. وكلي هسبة لمحلية دهوك.. اما مقر القاطع في زيوه.. فلم يبقى فيه سوى مجموعة صغيرة من الرفاق.. وجرى قصفه بالكيماوي للمرة الثانية.. واستشهد اربعة رفاق.. أما المفارز فقامت بالانسحاب والتوجه نحو الحدود التركية..

8ـ كان التنسيق مع بقية فصائل البيشمركة ضعيف ومحدود واتذكر ارسلت مفرزة من مقرنا الى مقر لجنة العمادية لحدك فوجدوه فارغاً.. حيث كان البيشمركة قد انسحبوا قبلنا.. ويبدو لي لديهم تجارب سابقة في هذا المجال، لذلك تصرفوا بسرعة واتخذوا قرار الانسحاب ولم ينتظروا احداً.

ـ اما قصة الغاء تشكيلات الانصار فهو قرار كان قد اخذ منذ زمن.. حيث جرى اخراج قادة القواطع عام 1987 ومن ضمنهم القائد الانصاري ابو جميل (توما توماس).. واعتقد هذه الفكرة تبلورت لدى قيادة الحزب بعد معارك بشتاشان والمؤتمر الرابع للحزب.. لكنها بقيت طي الكتمان.. وجرى تنفيذها بعد قصف مقر قاطع بهدينان بالسلاح الكيماوي.. القرار كان يمكن ان يحدث ضجة كبيرة داخل حركة الانصار لكن توقف الحرب العراقية الايرانية جعل الانصار يفكرون بمصيرهم داخل كردستان..

القرار تم بتنحية كل القادة العسكريين المجربين.. وتجريدهم من الصلاحيات.. وتم تعيين وتنسيب قادة حزبين يفتقدون للخبرة في العمل العسكري بدلاً منهم.. 

ـ بتاريخ 8/8/1988 بعد اعلان بيان ايقاف الحرب.. جرى لقاء مع الرفيق مسؤول محلية دهوك.. لتدارس الوضع وما ستؤول اليه الأوضاع، وبينت لهم بان وضعنا في الفوج الثالث ليس صعباً وامامنا شارع واحد (زاخوـ كاني ماسي) يمكن عبوره والوصول الى المناطق الاكثر امناً، لكن رفاقنا في الفوج الاول كلي مراني.. مطوقين من كل الجوانب.. حيث الطرق سالكة لتحرك وانتشار الجيش حولهم ويمكن تطويقهم.. لذلك طلبت من المسؤول ارسال برقية فورية إليهم ليقوموا بإرسال عوائل رفاقنا التي كانت تسكن في المقر الى كلي هسبه.. لكي يتسنى لنا مساعدتهم وارسالهم الى الاماكن الامنة على الحدود التركية..

في اليوم التالي سألت عن البرقية.. قيل لي انها أرسلت.. ولو جرى التحرك بسرعة لكانوا قد استطاعوا العبور.. لان قوات الجيش لم تكن قد وصلت لتلك المنطقة. ولم تكن الطرق مقطوعة بعد..

 الحديث عن هذا الموضوع مؤلم لان كل المآسي التي حصلت.. كان المفروض ان لا تحصل.. لو هناك قيادة مجربة تفهم بالخطط العسكرية.. واعتقد لو لم تحل تنظيمات الانصار لما جرى كل ما جرى.. واعتقد جازماً لو بقي ابو جميل على رأس قيادة القاطع.. لتجاوزنا الكثير من الخسائر..

الخسائر الكبيرة لا يمكن تبريرها.. وبشكل خاص خسائرنا في العوائل حيث سلموا الى الموت.. بقرار غير سليم ابداً.. وبدون شعور بالمسؤولية.

القرار اتخذته القيادة الحزبية الجديدة.. وكان المفروض ان يتخذ من قبل الرفاق العسكريين ذوي الخبرة والمعرفة في منطقة العمليات.. كيف لهيئة ان تعمل بشكل منسجم وطبيعي.. وقد شكلت قبل ايام من ايقاف الحرب.. شئنا ام ابينا القرار يتحمله المسؤول الأول.. الذي لم يكن يملك اية خبرة عسكرية.. وهو عين بالأساس لقيادة عمل حزبي..

لذلك كان الاجدر الاستماع للرفاق العسكريين ذوي الخبرة.. الفشل في قيادة الازمة توضحه خسائرنا 196 شهيد وشهيدة سلموا الى حتفهم والقيادة خرجت ناجية..

10ـ الجماهير.. بشكل خاص ابناء المنطقة.. لديهم خبرة بالفطرة.. والشعب الكردي عاش هذه المحنة سابقاً.. ويعرف النظام على حقيقته.. وللأسف هذه النظرة وهذه الرؤية افتقدتها قيادتنا..

ـ امّا الدور الذي لعبه الاعلام الغربي.. بشكل خاص اذاعة الـBBC  فكانت الناس تبحث عن امل فيها وكان الاهالي والكثير من البيشمركة والانصار قد تجمعوا في وادي يفصله عن الاراضي التركية نهر صغير.. وقام بعض الاهالي باستطلاع للجانب التركي.. ووجدوا هناك رجال الحدود والجندرمة.. الذي منعوهم من الدخول.. كان هذا نهاراً.

بعد الغروب قمت بجولة على العوائل التي اعرفها وجلست ضيفاً عند عائلة مختار أحد القرى المعروفين، تناولنا الشاي والحديث عما حلّ بنا.. دقت الساعة معلنة عن نشرة الاخبار.. في نهاية النشرة جاء الخبر التالي:

أعلنت الحكومة التركية عدم وجود حشود مواطنين اكراد على الحدود.. وان وجدوا فالحكومة التركية لا تمانع من دخولهم الاراضي التركية..

نظر لي المختار مستغرباً وقال:

ـ في الصباح منعونا..

قلت له:

ـ مختار هذه سياسة.. والخبر يعني.. انهم سوف يسمحون لنا بالدخول الى الأراضي التركية.. وفي الحال وقف المختار مخاطباً الجموع..

ـ الـ  BBCتقول: اعبروا.. انهضوا لنعبر. وبالفعل خلال ساعة لم يبقى في الوادي الا نحن مجموعة الأنصار..

كان الخبر الامل الذي ينتظره الجميع.. حيث كانت قوات الجيش والجحوش قد اقتربت جداً من الحدود لتقوم بتطويق المنطقة.. وهذا الخبر السريع.. وجه الآلاف من ناس الى منفذ الخلاص في الوقت المناسب.

11 ـ بعد العبور الى سوريا.. عقد اجتماع للتقييم في مدينة القامشلي.. حضره عدد من قيادة الحزب بضمنهم المسؤول الأول.. كذلك كل الكوادر الحزبية والعسكرية التي كانت متواجدة هناك وانا منهم.. نوقشت في الاجتماع عدة مواضيع..

اولها مجريات انسحاب الأنصار.. إثر عملية الانفال وكانت أكثر الآراء تؤكد على عشوائية الانسحاب وعدم تنظيمه.. وكذلك الاخطاء الجسيمة التي ارتكبتها القيادات.. ونوقش ايضا قرار ترحيل تشكيلات الانصار الى تنظيم اقليم كردستان.. وكان رأي بان الترحيل هو عملية حل قوات الانصار والتخلص منها واذكر كان هذا رأي الأكثرية..

12ـ كما دار النقاش عن حركة الانصار بشكل عام.. وجرى تشخيص كل نقاط الضعف والاخطاء التي ارتكبت وبالتأكيد.. كان المدان الاول قيادة الحزب.. وكانت اجواء الاجتماع متوترة جداً.. وبرأيّ لم تستطع القيادة الاجابة على الاسئلة المطروحة..

وخرج الاجتماع بمحضر واستنتاجات لم ترى النور.. وغيب التقرير الخارج عن الاجتماع.. وبعد حين نشر مقال في رسالة العراق.. ومن ثم أصبح المقال الافتتاحي لطريق الشعب.. المقال كان باسم الرفيق ابو داود حميد البياتي في حينها..

 ملخص المقال..

نحن خسرنا معركة ولم نخسر حرب.. وفيه الكثير من التبريرات.. وبهذا وئد ما خرج به اجتماع القامشلي..

13ـ عملية الانفال من العمليات العسكرية الكبيرة جدا ويمكن مقارنتها بعمليات الحرب العالمية الثانية الضخمة. حيث حشد النظام لهذه العملية ١٧ فرقة عسكرية بكامل تشكيلاتها من مدفعية ودروع بالإضافة الى كل الافواج الخفيفة (الجحوش) والتي كان عددها مقارب لعدد قوات الجيش. وشكلت هذه القوة الكبيرة ٧٥ رتلاً عسكرياً وتحركت بـ ٩٥ اتجاه..

واثناء بدء التحرك.. وقبل وصول القوات الى المنطقة.. جرى التمهيد بالقصف المدفعي المكثف والطيران وقد استعمل السلاح الكيماوي.. وفي بعض المناطق كان القصف عشوائياً لإرعاب المواطنين ودفعهم للاستسلام او الهروب..

كما لعبت الاشاعات التي بثتها اجهزه الامن دوراً كبيراً في ذلك.. كان النظام على يقين من ضعف المقاومة وانعدامها.. ومع ذلك قام بهذه الاعمال المرعبة للمواطنين..

في الحقيقة هذا العملية لم تكن تحتاج الى هذه القوة الكبيرة.. لكنها جاءت لإشغال الجيش بها وهو قد خرج للتو من حرب مدمرة دامت ٨ سنوات ولا يعرف هل خسر ام كسب الحرب ولا الغرض منها! وباقتراب تلك القطعات من كردستان.. الذي رافقه القصف كما اوضحنا.. بدأ المواطنون بالتوجه نحو الحدود التركية عسى ان ينالوا الخلاص..

بدأت القوات المتجحفلة بالتقدم على الشوارع الرئيسية باتجاه كافة المدن والقصبات.. وكان يتقدمها جموع من الافواج الخفيفة (الجحوش) تحسباً للاشتباك.. لأنهم من ابناء المنطقة.. ويعرفون مسالكها جيدا.. كانت القطعات تتحرك بشكل متوازي وبطيء نوعاً ما، اما المناطق الوعرة فكان الجحوش يتكفلون بها وقد قاموا باحتلال الخط الحدودي مع تركيا وبذلك احكموا الطوق على كافة المناطق حتى الشريط الحدودي.

استطاع القسم الاكبر من المواطنين النفاذ الى الاراضي التركية.. وعددهم تجاوز الآلاف.. لكن ليس في كل المناطق.. مثلا في منطقة جبل گاره.. حوصر كثير من المواطنين.. الذين سلموا الى الجيش بعد اعلان العفو الكاذب عنهم في 9 أيلول 1988.. وتبين ان هذا العفو في التطبيق كان للعموم.. ولم يشمل عوائل الشيوعين.. كما جرى لعوائل رفاقنا في گلي مراني..

حيث غيب 196 امرأة وطفل من مختلف الاعمار.. ليس لشيء سوى انهم كانوا شيوعيون

اما المواطنين الذين دخلوا تركيا فقد آوتهم تركيا وجمعتهم لتسكنهم في مخيمات لجوء.. في مدن ماردين وديار بكر.. وبقوا هناك حتى عام ١٩٩١ عندما حددت خطوط العرض التي منعت السلطة العراقية اجتيازها.

اما نحن الانصار وبعد عدة أشهر قضيناها في مخيمات اللجوء.. استطعنا التسلل الى سوريا..

كلمة اخيرة كان الاتراك رغم اضطهادهم للأكراد.. أكثر “رحمه” من سلطة البعث على المواطنين الكرد.

ــــــــــــــــــــ 

صباح كنجي

ـ فصل من كتاب تحت الطبع بعنوان (العراق.. صفحة من جرائم الأنفال)