إسرائيل تتآكل من الداخل – بقلم: الأسير وجدي عزمي جودة 

قد تبدو إسرائيل قوية من الخارج لامتلاكها القوة السياسية والاقتصادية والتقنية العسكرية، لكنها في ذات الوقت؛ تواجه أزمات داخلية تمس نسيجها الاجتماعي والسياسي، يُنذِر كل ذلك بخطر على استمرارها وبقائها، حيث توسًع الانقسام السياسي والاجتماعي- الأيديولوجي؛ بعد التعديلات القضائية التي طرحتها حكومة بنيامين نتنياهو مؤخرا، وزادت من حالة عدم الاستقرار السياسي، فأثارت هذه التعديلات الجدل بين فئات المجتمع، وبشكل خاص العلمانيين، حيث تزايدت مخاوفهم من تعزيز هذه الخطة للإكراه الديني، وقلقهم من تولي أتباع الحريدية السلطة في الدولة. حالة عدم الاستقرار السياسي تلك التي يشكل اليمين المتطرف جزءا منها، حيث دعم أنصاره خطة التعديلات القضائية مثل (إلغاء المعقولية، تشكيل وبنية المجلس القضائي، الحد من صلاحيات المستشارة القضائية للحكومة)، كجزء من واجبهم تجاه معسكر نتنياهو، مما أجج الخلافات في الشارع الإسرائيلي، وبدأت المواجهة عبر التظاهرات التي تحولت في جزء كبير منها إلى أعمال عنيفة قد تقود إلى حرب أهلية. 

استغلت الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة حالة التقلب السياسي في إسرائيل، وشكلت تحالف “الصهيونية الدينية”، والتي راهن عليها نتنياهو للوصول إلى سدة الحكم مرة أخرى، حيث اعتمد بشكل أساسي على دعم المستوطنين في الضفة والقدس، فكيف ساهمت سياسة التطرف في تقويض أساسيات دولة الاحتلال؟ 

إن تحالف “الصهيونية الدينية” والذي يمثل بفكره كافة الحركات الصهيونية داخل دولة الاحتلال، ساهم في عرقلة الاستقرار السياسي بعد توالي صعوده إلى سدة الحكم، وعرقلته تشكيل الحكومات بسبب الشروط التي كان يضعها، والمتعلقة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حيث يشكل بفكره نواة التحريض ضد الفلسطينيين، ويعتبر الداعم الأول للاستيطان دون قيد أو شرط، ومحرض أساسي على طرد الفلسطينيين من ما يسمى “أرض إسرائيل”، ورافض لأي تسوية سياسية أو سيادة للفلسطينيين على الأرض، حيث سعى دائما للسيطرة على القرار في الكنيست الإسرائيلي وذلك للحيلولة دون سماع صوت العرب، ولتمرير مخططاته الاستيطانية الاستعمارية وإجراءاته العنصرية ضد الفلسطينيين داخل أراضي 1948 و الضفة الغربية، فضلا عن تشديد الحصار على قطاع غزة. 

تهديد اليمين لمصالح إسرائيل 

اتبع زعيم حركة “القوة اليهودية” وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير طريقا مشوبا بالمخاطر من خلال سلسلة من القرارات والتصريحات المتهورة والمضرة بأمن واستقرار إسرائيل، كان آخرها تصريحاته بتقليص زيارة عائلات الأسرى إلى زيارة واحدة كل ستين يوما بدلا من ثلاثين، مما أشعل حالة من الغضب والتوتر داخل سجون الاحتلال.  

وبعدما أظهر حزماً كبيراً تحدى به رئيس الوزراء، يُجبِر نتنياهو بن غفير على تأجيل تنفيذ قراراته الأخيرة بحق الأسرى، إلى حين اجتماع المجلس السياسي والأمني المصغر (الكابينت)، والذي عقد يوم الثلاثاء الموافق 12 أيلول- سبتمبر\2023، والذي خرج بقرار تجميد تنفيذ إجراء تقليص زيارات عائلات الأسرى. 

يعتبر تجميد هذا القرار بالنسبة لبن غفير استسلاما وخضوعاً، وتراجعا في موقفه الأخير، لا سيما وسط القلق الشعبي من تجاوزاته وتصريحاته التي اعتبرتها الحكومة الإسرائيلية مثيرة للجدل وغير مسؤولة، بسبب التوتر الذي تحدثه تلك التصريحات بين الفينة والأخرى في أروقة الكابينت، والجدل الذي يثور حول صلاحيات نتنياهو، حيث يتفرد بن غفير بقراراته دون العودة إلى أحد، عدا عن ذلك يرزح اليمين المتطرف ووزراءه تحت عبء المقاطعة الأمريكية، تحديداً وزير الأمن القومي بن غفير، على خلفية تصريحاته حول حرية تنقل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية، ووزير المالية سموتريتش بسبب سياسته الاقتصادية تجاه السلطة الفلسطينية. 

ومن جهة أخرى، يواجه بن غفير غضب الأسرى داخل السجون، وتهديداتهم المستمرة باتخاذ خطوات تصعيدية لمواجهة الهجمة الشرسة التي يقودها ضدهم، حيث أعلنت اللجنة الوطنية العليا في سجون الاحتلال عن تنفيذ إضراب مفتوح عن الطعام، كان مزمعا الشروع فيه في منتصف شهر أيلول، رداً على إجراءات بن غفير الأخيرة، وقامت اللجنة بتجميد خطوة الإضراب عن الطعام مع الإبقاء على حالة الجهوزية والاستنفار في صفوف الأسرى، تحسبا لأية إجراءات تعسفية جديدة. 

ترى الحكومة الإسرائيلية أن بن غفير يضعهم في مواجهة غير ضرورية مع الأسرى والفلسطينيين ككل، ويزيد من فرصة اندلاع مواجهه شاملة غير مبررة، لا سيما بعد التفاوت في الأيديولوجيات الذي تعيشه الحكومة الإسرائيلية، فلم يعد بمقدورنا تصنيف الانتماءات إلى يمين أو يسار في الكنيست الحالي، فهناك اليمين الليبرالي واليمين المحافظ واليمين الديني المتطرف وعلى نمطه تتعدد المواقف تجاه بن غفير وتصرفاته. 

 

الضرر أكبر من المنفعة 

إن خطة التغييرات القضائية ومشروع قانون التجنيد، أثار حفيظة الجيش الإسرائيلي الذي يعد خط الدفاع الأول عن الدولة، جعل موجة الاحتجاجات تطال عناصر الخدمة الدائمة بعدما مست بشكل مباشر عناصر قوات الاحتياط الجوية والبحرية، مما عرَّض نتنياهو لانتقاد الليكود اللاذع بسبب فشل إدارته للأزمة وعدم جدوى التعديلات القضائية، ومطالبته بإلغائها. 

كما تحول الوضع إلى تصادمي بين الحكومة والجيش بعد الهجوم المنظم على رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي “هرتسي هيلفي”، لعدم كفاءته في السيطرة على جنوده الذين توسع تمردهم. 

وصول الأزمة إلى الجيش نذير شؤم على دولة الاحتلال، من شأنه تقويض ركيزة أساسية من ركائز الدولة يؤثر إضعافها على جهوزية الجيش وكفاءته، وبالتالي على نتيجة حسمه لمعاركه الخارجية، سواء مع المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة أو دول الجوار. 

الاحتجاجات متواصلة على الصعيد الشعبي والسياسي وفي الجيش، عدا عن تأليب الأجانب، لا سيما الأفارقة منهم على الحكومة يعد خطوة في المسار الصحيح، كما أن معدل الجريمة في المجتمعات العربية يزداد بشكل ملحوظ، حتى باتت هي الأخرى ترفع صوتها فوق القوانين الإسرائيلية العنصرية والتي تعرض حياة العربي في الداخل للقتل بأي لحظة، كما أن اليمين المتطرف يثير المشاكل باستمرار، مطالبا بإسرائيل دولة يهودية قومية بدون عرب، هذه المسائل وغيرها من التفاصيل تثير قلقا دائما يمنع الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، ويؤثر بشكل مباشر على مصلحة إسرائيل كدولة ذات سيادة كاملة -حسب روايتهم- واستمرار عدم الاستقرار هذا قد يقود إلى تهديد وجودها.