رحلة في أحداث “رواية الزلزال-  رؤية نقدية– بقلم الباحث الاجتماعي : حسن خالد

[الجزء الثاني]

صدرت عن [منشورات لوتس للنشر الحر] في القاهرة لعام ٢٠٢٣ (رواية الزلزال) وهي مؤلفة من٢١٦ صفحة..
[للروائي الكُردي السوري: ريبر هبون] وهي من بواكير أعماله الروائية، وإن كانت له تجربة متعمقة في  المجال الشعري والنقدي والفكري.
حاول فيها تناول حدث آلمنا جميعا لاعتبارات إنسانية قبل الاعتبارات الأخرى..
وكما أسلفنا في الجزء السابق، في أن هذه الرواية تندرج ضمن [الرواية الواقعية] لأن الكثير من تفاصيلها وأحداثها تُشعرك يقيناً بأنك جزء منها، بأنك أحد شخوصها، وكأنك معنيٌ بجزئية منها، في لحظة ما، في مكانٍ ما.
ففي محطة (أنفاس تفترش الإعياء) تتشابك الأحداث، تتفاعل فيما بينها، يحاول الكاتب أن يطرح قضية اللجوء الكردي- السوري، وتبعاتها، من خلال مخاوف بيكه س/ اللاجئ وفوقها كردي سوري يعيش في تركيا التي انقلبت على اللاجئ، ومن مدينة محتلوها أتراك (سري كانيه) ص١١٦.
كما يحاول وضع القارئ في صورة مخاوف الانخراط في السياسة لدى الجيل الكردي القديم في شمال الوطن “باكور”.
يظهر ذلك في حوار الجدة مع زيلان ص١١٧ :

ومحاولة زيلان (إحدى بطلات الرواية) توضيح تفاصيل أحداث سور وحرب المدن والخنادق التي دارت بين(وحدات حماية المدنيين) والجيش التركي ص١١٨.
كما إن الحزب الحاكم يحاول دوماً في معاركه الدونكيشوتية، استثمار قضايا “المثلية” والعلمانية” في الحملة الانتخابية الرئاسية، ودغدغة مشاعر البسطاء مستغلاً قناعاته الدينية التراكمية تاريخياً، ولا ينبغي أن نتناسى بأن تركيا ابنة العثمانيين الشرعية، والذي شابها الكثير من التحريف ويفسر ذلك قول أحدهم في حوارات بين جموع من الناس مؤيدين وحياديين يتحكم الخوف بهم “سيأتي العلمانيون الكفرة، ويجردوا النساء من ثيابهن وليس فقط من حجابهن” ص١١٩.
وتطرح هنا قضايا الوجود المتمايز وصراع الهوية والإنتماء تقول احداهن لزيلان وهي من أصول كردية شاركت عائلتها في قمع انتفاضة ديرسم “كفي عن التحدث بلغة الإرهابيين” ص١٢٠
ويحاول الكاتب تسليط الضوء على قضية الفساد والمحسوبيات
“فهذه البلد لا تعترف بالكفاءات إنما بالعلاقات” ص١٢٣
وفي ارتياد أبطال الرواية للمكان والأوابد الأثرية، يتم “استذكار أمجاد الأيوبيين في التاريخ الإسلامي” ص١٢٤
واستذكار علاقة الكرد بالموسيقى والغناء ومكانتهما في حياة الكرد خاصة، من بين المجتمعات، ربما لأن الغناء والموسيقا والرقص هما قنوات نقل الرسائل القومية، وحفظ التراث الكردي من خلالهم “فالطنبور يغرس بألحانه حب الأرض والارتباط بها، أما البزق…”
ص١٢٥.
منذ قيامها تحارب [تركيا الدولة – النظام و وغالبية المجتمع] الثقافة والتراث الكرديين وتزج بحواملها في الأقبية والزنازين المظلمة لينهش الزمن من أعمارهم وحتى حياتهم!
يقول العم أوسمان آمدي:
“لأجل الأغاني التراثية قضيت أكثر من نصف عمري في السجون” ص١٢٦
كما أن تسليط الضوء على جزئية (منظمة الذئاب الرمادية العنصرية) [الطورانية] لم يفت الكاتب، فيقول على لسان أحد أعضاءها: “وتتطاول علينا في بيتنا أيها القذر” ص١٢٨.
ويقصدون ب [القذر] بيكه س الكردي السوري اللاجئ، والذي وقع ضحية بين يدهم فأوسعوه ضربا دون رحمة
جزئية “والكردي بطبيعة الحال يحلم أن يكون مواطن درجة ثانية في بلاد لا تقر إلا بوجود عرق واحد” ص١٣٢.
كحالة يأسٍ تغلغلت في نفوس الشخصية الكردية هناك، حيث أحدث “الزلزال النفسي” فعله وحقق هدفه إلى حدٍ بعيد!
في جزئية تحالف التجار مع السلطة، المال مع السياسة، وهي ديدن الفئتين في تحالفٍ خبيث وهو ظاهرٌ بين وخاصة في مناطق الكرد، حيث وجد الرأسمال الكردي ضالته في التحالف مع السلطة الحاكمة كمخرج للأزمة التي سيمر بها “وحاجة أرباب المال إليه كحاجتهم للدين” ص١٣٤
بداية قصة حب تنشأ بين ” زيلان الجامعية، وميران الطبيب” الذي عالج بيكه س، عندما وقع فريسة أنذال الذئاب الرمادية، فالحب لا يغيب ويفرض نفسه على الكردي، رغم الألم الذي يحيطه من كل حدبٍ وصوب
ص١٣٦
يطرح  ريبر هبون، قضية لم الشمل كطريق خلاصٍ من واقع لا ينتج إلا اليأس والاكتئاب من خلال مرافقة [بيكس ابنة اخته الجريحة – نتيجة الزلزال، للسفر إلى المانيا عن طريق مراجعة السفارة، بقصد التداوي والمعالجة من الجروح الخطيرة] ص١٣٨
ولايغيب عنه طرح مفهوم (الدولة الأمنية البوليسية) في تماهٍ والأسلوب الفكري- الفلسفي والاستنجاد بمفاهيم فكرية فيقول: “في المطار راحت أعين رجال الأمن تتسرب في مسام جسد الذين ينوون مغادرة البلاد لألمانيا” ص١٤٠
هو إجمالاً تبيان لصورة الحياة في شمال الوطن (كردستان) بتفاصيل دقيقة ومؤلمة تفسر جليا ً”الزلزال النفسي” على مقياس العنصرية وارتداداتها على حياة كردها هناك…
وفي محطة [آذار دامً] وحادثة آل بيشمرك في جنديرس ص ١٤٢ وما بعدها…
دقائق الحدث في جنديرس
نظرة شركاء الوطن للكرد، ومدى تقبلهم واحترامهم للعادات والثقافة والمناسبات المختلفة عن تلك التي لديهم، هناك أزمة في قبول الآخر المختلف والمتمايز، [ففي عصر ثورة الحرية والكرامة، لم يسلم أحدٌ من العبودية والإهانة] وخاصة في مناطق فصائل الجيش الحر أو النسخة المستحدثة من [داعش]، يقول حسن الضبع: “المجوس يريدون الاحتفال بنوروز مجدداً وقد اشتقت لإهراق دمهم القذر…” ص١٤٣
تقاسم المناطق في عموم عفرين وغيرها من المناطق الكردية بما فيها المدن والقرى بين الفصائل التي لا تختلف عن ممارسات [داعش] إلا بالتسمية فقط، “وكل فصيل يحاول التمايز عن الآخر بطريقة قمعه للشعب هناك” ص١٤٧.
وفي محطة “شبح الموت يطارده في البر والجو والبحر” ١٥٠
[سيرة روغيان] ورحلته نحو المجهول، وهو التصور الحقيقي لمأساة الشخصية الكردية التي تعيش (زلزالها النفسي) ومنذ أمدٍ بعيد، فلجوء الروائي إلى التحليلات النفسية في التعريف بشخوصه تُحسب له “سيغفلون فيهم الأنا الأعلى، مفسحين المجال للهو – بحسب فرويد – ليسرح ويمرح بهم على ضفاف عالم الجريمة الشرعية” ص١٥٢
ومرور بطل الرواية بتجربة الخطف منذ بداياته أثناء عودة الطلاب من حلب، ومشاهدتهم لحادثة [ذبح السجين الكردي] أمام الطلبة المخطوفين ص١٥٣
“يُمنع الحديث هنا بغير لغة القرآن و أهل الجنة، أفهمت!” ص١٥٥
حتى في هذه الجزئية يلتقي النظام ومعارضوه، بشقيه [الفصائل ومظلتهم السياسية من جهة،  وداعش من جهةٍ أخرى] في منع التحدث باللغة الكردية ولو بالقوة، الفارق هنا أن ممارسة القوة لدى داعش وأخواتها تعني “النحر”
ومحولات عدة للهرب دون جدوى “يفكر بالهروب، أين وكيف لا يدرِ” ص١٥٨
وتأتي قضية تسمية المدن الكردية بأسماء عربية [قضية التعريب] نقاط التقاء بين (النظام العنصري) و(المعارضة المتأسلمة، الأكثر عنصرية ورجعية وتطرفاً) من جهة عندما سمت كوباني الكردية (عين العرب) وبين داعش عندما أطلقت عليها تسمية (عين الإسلام) يقول أحدهم: “انتزاع عين الاسلام من الكفار أوشكت على الانتهاء” ص١٦١
وباتت قضية المفقودين والمغيبين قضية تؤرق أهاليهم، فلا يُعرف مصيرهم وتكاد الآمال تخبو يوماً بعد يوم.
ويحاول الروائي أن يطرح على الطاولة علاقة تركيا بالتنظيم الإرهابي والتسهيلات التي يقدمها له في العلن والخفاء، من خلال شاهد عيان [بطل روايته المخطوف] الذي رأى بأم عينه “جوازات سفر على طاولة مكتب أبو أنس مختومة بعلم الدولة التركية” تسهيلات وتعاون خفي ص١٦٤
تراجيديا عاشها بطل روايته، من خلال حديثه مع الذات إذ يقول: “الحياة ليست سهلة، وإن وراء رخاءها ودعتها قسوة و وحشية، صرخات تتعدى سرعة الصوت ” ص١٦٧
وكما يُقال الحرب خدعة، و داعش تجد أن [الحرب النفسية] تفتح الطريق لهم قبل وصولهم إلى المدن التي يرغبون في احتلالها، من خلال [زرع الموت ونشر الرعب وممارستهما على كل شيئ، لا يُستثنى الشجر والحجر والبشر] (أبو هاشم) ص١٦٩
ثم يتم الإفراج عن (روغيان) وعودته إلى عائلته اللاجئة إلى تركيا، ونجاته من الموت ثانية (السباحة في المياه)
كنا يتم طرح بعض جزئيات وتفاصيل الحياة التي تهم الناس، من خلال (أزمة شهادات التعليم لدى الإدارة الذاتية غير المعترفة بها) ص١٧٤.
والضغوطات التي مرّ بها أو مورست عليه من قبل المؤسسة التي كان يعمل فيها، مما أضطره ونتيجة لعدم اقتناعه بآلية إدارة الامور، اللجوء إلى السليمانية في جنوب كردستان والعودة لكوباني بعد شهر من اليأس والإحباط وخروجه تهريباً إلى لبنان، فمصر فليبيا بالطائرة وإلى اليونان عبر بحرٍ يزمجر في وجه السوريين، و لا يشبع من ابتلاع الحالمين بغدٍ أفضل،وللكرد حصة!
لأن البقاء في (الوطن) ورغم كل التحديات الداخلية، يعني أن يُترك مصيرك لحرب المسيرات، التي لا تُميز بين أهداف مدنية وعسكرية، وهي تستخدم أسلحتها الذكية بعقلِ غبيٍ حاقد [فالموت مشروع طالما أن الضحية كُردي] ص ١٧٤.
يتم التطرق إلى أزمة ايجاد فرصة عمل التي يمر بها إقليم كردستان العراق “حتى وظيفة غاسل الصحون لم يكن ليجدها بيسر” ص ١٧٤ – ١٧٥
كذلك يُفرد قضية المعبر الذي “بات وسيلة ضغط وابتزاز سياسي..” ص ١٧٦. بين الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي – الحزبي [كرديا]!
كما يحاول الروائي، وعلى لسان بطله أن يوضّح آلية العمل في مؤسسات الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا (Rojava) “فأنت مجبر على الخضوع لتدريبات مغلقة مكثفة..” ص ١٧٨
أما الظرف الذي جعل الروائي، وعلى لسان بطله ينطق عبارة عن [الفئة الأكثر قابلية للخضوع] “قدِمت من الأرياف سريعة الانقياد، عديمة الثقافة” ص١٧٩.
فهي برسم الكاتب لتوضيح حيثيات ما جعله يُنطق بطل روايته ليقول ذلك؟
ولا جديد في ممارسات المهربين مع عملاءهم، سوى أنها تجربة حية من شاهد عيان عاش تجربة الموت لحظة بلحظة، ونال نصيبه من العذاب! ص ١٨١
[يوميات روغيان و ريناس عبر الواتس آب] ص١٨١ وما بعد..
عن عنف المهربين وممارساتهم، التي لا تقل بشاعة عن ممارسات الفصائل وهم جزء من الأنظمة القمعية الدموية التي تحكمنا على الأرض في سوريا وغيرها وخاصة في المناطق التي يطلقون عليها [المُحرر]، حتى الاغتصاب عدا عن النهب والضرب، لا غضاضة فيه لدى المهربين، إن طُرق التهريب [برا أو جواً أو من خلال الإبحار إلى البر الأوروبي] محفوفة برائحة الموت، وطرق تعامل المهربين وتجار البشر مع عملائهم مثل:
“رجل ستيني مريض أراد أن يصحب أدويته معه فرفضوا ذلك” ص١٨٨
لحظة عودة الإنسان إلى طبيعته في التشبث بالحياة في اللحظة [الحيوانية – الغريزية]، وإحلال اليأس والإحباط مكان الأمل والأحلام، ليصل الإنسان إلى لحظة ينتظر فيه الموت مستسلماً لاحول له ولا قوة “كأن السماء تتساقط قيئاً بولا وخراء” أو يخرج منه الوحش الكامن في داخله منفلتاً من مربطه “وبات القبو عبارة عن مشرحة بشرية” ص١٩١
نتيجة التشابك بالأيدي والسكاكين بين مجموعات عرقية، في لحظة انهيار محدثة [زلزالا نفسياً] ناتجٌ عن ضغوطات ومخاطر تحوم حولهم.
حتى إن بطل الرواية [روغيان] الذي لم يعرف عنه التزامه بالدين يستنجد بالله [طبيعة بشرية] فيقول: “إلهي اخرجني، لن أموت اليوم، ما يزال لدي أهداف وآمال…”ص ١٩٤.
وفي [مناورات الموت والبحر] التي تبدأ بخبر غرق السفينة في ١٤ حزيران ٢٠٢٣ وعلى متنها (٧٥٠ راكب) ونجاة (١٠٤ راكب) فقط، كارثة بكل ما تعني الكلمة من معنى ص ١٩٧.
دخول شخصية رودر (شخص ثانوي في الرواية)
ورسالة الأمل من [روغيان] إلى أخيه رودر “رسالة واتس آب من رقم يوناني…” ص١٩٨
ثم وصول ريناس وشقيقته من ألمانيا للقاء شقيقهما “العائد من الموت” في مخيمات إحدى الجزر اليونانية، و وصف [ريناس] لتغطية الإعلامية لحادث غرق السفينة وأوضاع هيكلية المخيم وشكله الأقرب للمعتقل ص٢٠٠ وما بعد…
تأكيد “روغيان” وروايته لتفاصيل رحلة الموت العبثية أن خفر السواحل اليونانية هم من قاموا بإغراق السفينة
“فالذي قام بإغراق القارب هو الخفر اليوناني” ص٢٠٢
وهذا تأكيد بأن الحياة بتجاربها القاسية معلمٌ مُجدٍ ماهر، في زيادة فهمنا لها “نعم لقد ضحكنا في وقت كان البكاء فيه فريضة واجبة” ص ٢٠٦
حتى ان تراكم المواقف الحياتية تهبنا الحكمة أحياناً كقول [روغيان]:
“مرافقة الجبناء توقع المرء في المهالك، وتجعله أسير خوفٍ بات ينمو محل الشجاعة” ص٢٠٧
كذلك قوله”السعي وراء الحياة الأفضل في بلادنا لا يمر إلا بركوب المخاطر ورؤية الموت” ص٢٠٨.
لجوء ريناس واستنجاده بمنظمة حقوقية وبذرة الأمل للآخرين بأن الحياة تلفظ اليائسين البائسين وتحتضن المقبلين عليها. ص ٢١٠ وما بعد…
والتي ساعدت (روغيان) للوصول إلى بر الأمان (المانيا).
نافلة القول: رواية الزلزال يمكن أن نقسمها إلى تبعات الزلزال الطبيعي، و “زلزال الاحتلال” والزلزال الذي لا يفارقنا “الزلزال النفسي” ..
وكون الرواية من نوع الرواية الواقعية يمكنك أن تجد مكانا لك فيها وفي المكان الذي ترغب، في اختزالية للوجع الذي تتشاركه مع أبطال وشخوص (رواية الزلزال) ويمكن أن تكون وثيقة توثيقية، في الجانب الإنساني والاجتماعي وحتى القومي
تميزت بكثافة المعروض في الفكر الرئيسية
– تبعات احتلال عفرين وغيرها وكارثة الزلزال الطبيعي،
– الوضع الكردي في شمال الوطن
– رحلة العائد من الموت..
تميزت الرواية بحضور المكان الذي شارك البطولة مع أبطال الرواية،
وبلغة حاولت أن تكون سلسة، و أقرب إلى سياقات فكرية – فلسفية في الحوارات والتحليل والاستنتاجات…