هل اقترب خریف ‌ الشاعر بدل رفو ؟ – حاتم خانی 

 

لا يخفى على احد ان العمر يسير بلا سكون ليلا ونهارا ولو تم اختراع ماكنة تعمل على فقدان العمر لزمنه لكانت الماكنة تعمل بدون توقف حتى وفاة الانسان . والشاعر بدل رفو فی قصیدته ( ملك الخریف …. وحیدا ) لا يخفي ان عمره مضى وهو يحمل عشقا في قلبه سلبته الحرب متعة الاستئناس به , فالحرب قائمة منذ ان فتحت عيناه على هذه الدنيا ولن تتوقف طالما بقي وطنه محتلا من قبل الدول الاخرى

يتدفق العمر مسافات..

بين العشق والحرب ،

لذا اضطر الى اللجوء الى الحرية المثلومة وهي تلك الحرية التي يستمتع بها الانسان في بلد آخر بعيد عن وطنه المسلوب , وهناك في ذلك البلد حيث امتهان مهنة الصمت والسكون والرضى بما يتحمله القلب من الاوجاع جراء هذا الصمت , فيستمر العمر بالجريان كرافد نهر صغير یتقلص رویدا رویدا وفی النهایه‌  لا يصب سوى في بحر مجهول لاتعرف له شطآن تتلاطم فيه امواجه ويسمع صراخ وعويل تلك الامواج وكأنها حديث خطبة من خطب السياسيين الجوفاء وهو يحاول بلغته التي يجيد عجنها ومزجها باستخدام اركان واسس الديانات البشرية لاسدال غشاوة من الامال الوهمية امام ما يتمناه الجمهور وما تشتهيه ارواحهم وما يتمنونه من رضا الخالق ورضا ذلك السياسي  حتى تصل بهم الحالة الى الهيجان فالبكاء وذرف الدموع من خوفهم من الاله ومن فرط اندماجهم مع تلك الخطب ذات الرداء الديني ,

بين وطنٍ مسلوب وحرية غربة ،

عقد قران بين الصمت ووجع القلب.

يتدفق العمر خوفاً من المجهول ..

من الصراخ والعويل ،

من منصةٍ ذهبية تحت اقدام سياسي كارتوني ،

يُبعثر جهلاً في لغة  نقاط  اشتهاءات الروح ..

لغةٌ تفرط في البكاء ..

وهنا يجب التوقف للمقارنة بين معطف اكاكا اكاكيفيتشي وهو بطل قصة ( المعطف ) للروائي الروسي نيقولاي غوغول , وبين ذلك الجمهور الذي يستمع الى خطب سياسيين امتهنوا الدين ايضا لاقناع الغوغاء كما كانت اجهزة صدام حسين تسميهم وهم الجهلاء من طبقات المجتمع الذين ينخدعون بسهولة عند استخدام الالفاظ الدينية .
أكاكي كان يعتبر معطفه اغلى ما يملك وعندما یتم سرقته منه يموت من حزنه على ذلك المعطف , والجمهور لا يملك سوى حياته يقدمها الى ذلك السياسي الممتهن للدين

 

تُبعثر الدمع ليبتلَّ معطف (غوغول) *،

لابد من الاشارة الى التناقض بين صمت الشعراء وسرقة ابداعاتهم من قبل اجهزة السلطة القمعية التي تزورهم ليلا لتقتادهم الى مدافنهم وبين قصائدهم التي تبتئس من صمتهم , فكيف تكون هناك قصائد مبتئسة والشاعر صامت اساسا اي لا يؤلف القصائد , فاما  ان القصائد مبتئسة او ان الشعراء صامتون فلن يكون هناك اكفان لابداعاتهم  , ومن الواضح ان صمت الشعراء هو الاصح لان الشاعر بدل رفو يصف نفسه بانه وصل الى خريف العمر وحيدا .

وتبتئس القصائد في ظل صمت الشعراء

تُزمجر الكلمات في بلاد تُخيط كفن الابداع والحقيقة ليلاً..

تصوب السهام  للقلوب بطمأنية الغدر ،

حينها  جلس الشاعر ملكاً

على عرش الخريف..وحيداً.. !!

***            ***

ويسترسل ملك الخريف في شعره الذي يناغي الحرية التي يتمتع بها في بلاد الغربة وحيث تتكسر تلك الغربة الى اشلاء , فهو متيم بشعره الذي تتقلده الانسانية جمعاء , وهو يشبه هذه الانسانية التي تتقلد اشعاره بتقبيل العاشق شفتا حبيبته بشراهة المشتاق , وكأنني اقرأ للمتنبي وهو يصدح لاعلاء نفسه ( انا الذي نظر الاعمى الى ادبي واسمعت كلماتي من به صمم ), وقصائده هذه  التي يقلد بها الانسانية نتاج فكره الوهاج الذي يتناقض مع ما يشير اليه الشاعر ( ملك الخرف وحيدا ) , فالفكر المتوهج لن يبقى متوهجا في خريف العمر . وافضل ما يصل اليه الشاعر هو ان يعود الى تأجيج عشقه ويتلذذ بنبيذ شفتا حبيبته لكي يقضي بها على غربته .

ملك الخريف وحيداً..

تسجد اشعارهُ على أرض الكبرياء..

تناغي شفاه الحرية ،

تغتسل من فضاءات العشق،

تكسر أشلاء الغربة .

أشعاره قلادةٌ .. تعتنقُ عنق الانسانية ..

محمومة بوهج الذاكرة ،

بشراهة القبلات لعاشقة

فاضت زوايا شفتاها بحكايات هوى مخنوق ،

وقتها يسكب الشاعر نبيذ الشعر خشوعاً على شفاهها..

ليؤجج نار الغربة عشقا وتيمناً!!

***       ***

وللتعويض عن الحزن وأسى الغربة  نسترسل الشعر وننثر فيه بعض العتاب على الوطن  , وان كان الحزن يفيض من هذا الوطن والذي اصبح مرتعا لبعضهم يلوكون حوله بعض الكلمات يقولون انها اشعار وما هي الا اضغاث احلام الغرض منها الارتزاق والكسب على ابواب الفقراء في حي بروشكي الشعبي في مدينة دهوك , في حين يبقى الحي نقطة انطلاق اصالة الحياة الكوردية وما فيها من اغنيات تعيد ذكريات الطفولة وتوقها الى الحرية , هذه الحرية التي طالما يتذكرها الفقراء الان بمرارة  , حيث لم يتم قطف ثمار تلك الحرية , بل تحولت الوان قوس قزح التي كان الاطفال يفرحون بها في تلك الازمان الى اللون الرمادي .

قصائدك أيها الشاعر ..

عتاباتُ وطنٍ يفيضُ بأسرار الحزن ،

وزيفُ شعراء يراقصون أساور الارتزاق في خانات  فجر بهيمنات نقطة البدء ،

والنقطة اغنية حزنٍ على عتبات ابواب (بروشكي)**كل ليلة

على مرأى ومسمع اغنية (لى لى كنى)

وان الاغنية.. انكسارات روحٍ وخبزُ صباح ..

رسوم طفولةٍ تطرقُ أبواب مدينةٍ

تلاحقها لعنات الحرية ،

مدينة ابوابها مكسورة وفيها الغدر يمارس الرأفة ..

دم الذاكرة يدوس اعصاب الفقراء

بأقدام حافيةٍ في زمن شاحب،

والفقراء ينتظرون مطر الله الوان فرح

قوس قزح.. !!

***     ***

اما ملك الخريف الذي ترك حيه الشعبي للبحث عن الوان قوس قزح والتي كانت تزين طفولة وطنه  , فقد اضطر سلوك الطرق الطويلة لعله يتمكن من تذكر تلك الاغاني التي كانت تغنى في الدبكات الكوردية وفي افراحها , الا ان سيره في تلك الطرقات وصوب المعابد والمزارات الدينية  لا تحمل له سوى خيالات عن حكاياة الزمن الجميل بما فيها من طفولة حزينة تتراءى له فيها ملامح امه .

ملك الخريف وحيداً

يمشي بعيداً..

باحثاً عن اغاني المنفى ..

عن حكايات الزمن الجميل

في الطرقات الطويلة،

احيانا.. يتحطم قاربُ ذكرياته ،

فتتوارى خيالاته..

 وتطفوا على سطح الماء احزانه،

يسافر صوب معابدٍ ومزارات الدنيا..

طفولةٌ حزينةٌ تسكنُ روحه ..

ومدينة تكتسي ملامح امه،

واذا بنعيق الغربان في بلاده الاولى

يبغي اغتيِال سماؤه وارثه الانساني

وقتها ..

غدت الغربة  والفصول مملكته

وغدا ..

ملك الخريف وحيداً.. !!

ولكن نعيق الغربان , وشعراء الارتزاق لا يتركون له حتى ذكرياته فيسعون لبعثرة تلك الذكريات وتحطيمها وكسرها الى اشلاء تنبئه اما النعيق معنا واغتيال ما تحمله من الارث الانساني والتخلي عن السماء الزرقاء او البقاء في الغربة واحتساب الفصول الاربعة كل يوم حتى تتساقط كل اوراق الخريف , ليبقى الخريف في النهاية …………………..بلا ملك .

 

حاتم خانی
دهوك 4 / 2 / 2024