وجدان شتيوي: أحلامنا كيف السّبيل إلى وصالها؟

 

من منّا لم يملك أحلامًا أو أمنياتٍ في مقتبل عمره؟

 منّا من نمت أحلامُه معَه واعتنى بها فحقَّقها، ومنّا من بقيت أحلامه وأمنياته طريحة اليأسِ، رهينة الكسلِ، حبيسة الخوف.

في كلِّ يوم قد نصادف عثرةً، أو نتعرَّضُ لخيبةِ أملٍ أو صدمة، لكنّ الحياة تحتاج للقوّة والتريّث والحكمة. نحتاج أحيانًا للتجاهل والتَّخطّي، لسياسة الحذف السَّريع، حذف كل المواقف والذّكريات السّيئة، والأشخاص السّلبيين الذين يمتصون طاقاتنا الإيجابيّة، تماما كما نحرص على تنظيف ذاكرة هواتفنا المحمولة باستمرار، وحذف الصّور والملفات غير الضروريّة لسلامة أجهزتنا والحفاظ على فعاليَّتها، فالاحتفاظ بما لا يلزم في عقولِنا وحشوها بالأفكار السّلبيّة والذّكرياتِ المقيتة سيحجبُ عنّا آفاقاً تأخذ بيد أحلامنا، وترسم لها خارطةَ الطريقِ وتوصلها لبرِّ الأمان.

فكم مرة كنّا بأوجِ طاقتنا وحماسنا واندفاعنا، فاصطدمنا بصخرةٍ بشريّة اندفعت نحونا بقوة أكبر من عزيمتنا؛ لتطفئَ نور الشّغفِ الذي لمع في عيوننا، وتشبع نارَ أنانيّتها وفشلها ونقصها خلالنا؛ لأنّ الإنسان الفاشل اليائس المُحبَط غالبا ما يودّ نقل عدوى يأسه وفشله لمحيطه بأكمله، تماما كمن أُصيب بمرض الإيدز عافاكم الله عن طريق نقل دمٍ ملوّث فسخط على مجتمعه، ولكن الإنسانَ في أحيانٍ كثيرة يحيا كالميت لكونه بلا هدف أو حلم منشود أو أمل منتَظَر، فمن ماتت أحلامه ودفنت تحت أنقاض السّنين، أو قُيِّدت وأُسرت في عالم المجهول، وحتى إشعار خفيّ أو حتى اللّانهاية وعاث بها العابثون.. إنسان كهذا سيرى أجزاءه تموت واحدا تلو الآخر.

 

كثيرون من يعلِّقون عجزهم على الظّروف والواقع، لكن في الحقيقة لو نظرنا على مدى التّاريخ لقصص النّجاح، وكثير من أشهرِ الشّخصيّات التي ذاع صيتها، ولمع نجمها في فضاء العطاء الفسيح، لوجدناهم خرجوا من رحم المعاناة، وعقل كدَّ وقلبٍ تحلّى بالصَّبر والجلَد. وقائمة الأمثلة عليهم تطول.. فهذا الاديبُ الرّاحل طه حسين الذي نشأ في أسرةٍ فقيرة لم يمنعه فقد بصره كليّا قبل أن يتم الرّابعة من عمره من حفظ القرآن الكريم في مدةٍ قصيرة، والتعلّم في الأزهر وفي الجامعة المصرية وفي فرنسا والحصول على درجة الدكتوراة منهما، كما ألَّفَ ما يزيد على خمسين كتابا في القصّة والأدب والتّاريخ وفلسفة التّربية، وتُرجمَت الكثيرُ من مؤلفاته إلى اللّغات الأجنبية حتى استحقَّ أن يلَّقبَ بعميد الأدب العربي.

ورائدُ علم التَّنميةِ البشريّةِ على مستوى العالم “إبراهيم الفقي” الذي غيَّر في حياة الكثير من الشباب، ودرَّبَ آلاف الأشخاص في محاضراته حول العالم باللغة الإنجليزيّة والفرنسيّة والعربيّة، وله العديد من الكتب والمؤلّفات والشّرائط السمعيّة والبرامج التلفزيونيّة، إلّا أن كلّ هذا النّجاح وراءه إصرار ومثابرة عظيمة، حيث أنّه عندما سافر إلى كندا مع زوجته كان لا يمتلك شيئا، وعمل في أقلِّ الوظائف بالنسبة لإمكانيّاته وطموحه كغسل الأطباق والحراسة الليليّة، وتدرَّج في الوظائف حتى أصبح من كبار مديري الفنادق في كن، ثم خبيرا وعَلما في التّنمية البشريّة.

وقصّة نجاح الفيزيائيّ الأمريكيّ الرّاحل مؤخّرا ستيفن هوكينج واحدة من أبرز قصص نجاح العظماء التي ذُكرت في التاريخ، وذلك لأنّنا نتحدّث ببساطة عن شخص يُصنّف ضمن أفضل عشرة فيزيائيين في العالم ومع ذلك كان من ذوي الاحتياجات الخاصّة، ويُعاني من مرض نادرٍ يُدعى العصب الحركيّ، وعليه فإنّه لن يكون قادرا على العيش أكثر من عامين وفقا لكلام الأطبّاء، لكنّه لم يحدث أبدا، إذ استطاع ستيفن الصّمود حتى سنّ الثّانية والسّبعين، وخلال هذه الفترة حقَّقَ الكثيرَ من الإنجازات في مجال الفيزياء وأصبح أحد أشهر الذين مرّوا بها، بل إنه قد رُشِّح لجائزةِ نوبل أكثر من مرة، والحقيقة أن قصَّةَ ستيفن لا تقول إلا شيئا واحدا واضحا وضوح الشمس، وهو أنّه لا شيء يقدر على ثني الإنسان عن تحقيق أي شيء يريده، حتى لو كان الإعاقة.

وقصّة نجاح أوبرا وينفري المذيعة الأشهر في العالم تعتبر خير نموذج لقصص نجاح المشاهير، حيث بدأت أوبرا في عائلة فقيرة جدا، وتقدّمت لاختبار الإذاعة في واحدة من القنوات التلفزيونيّة، وتمّ رفضها والتَّحقير من موهبتها، وقال القيِّمون على البرامج أنَّها ليست وجها جميلا مناسبا للظهور على الشاشات، فلم تيأس وينفري، ولم تستسلم لوضعها بل حاربت من أجل إثبات موهبتها، وصعدت السّلم بخطواتٍ بطيئة في البداية إلى أن صارت المذيعة الأولى، وواحدة من أغنياء العالم، وتُعدّ أولّ مليونيرة لها بشرة سمراء على مستوى العالم كله؛ لتصبح بذلك أوبرا وينفري واحدة من أشهر قصص نجاح المشاهير.

فالظّروف لم تكن يوما عائقا لأحد ولن تكون، ولكنّ فهمنا لأنفسنا وإمكانيّاتنا هو أول خطوة على سلَّمِ النّجاح، ولا ننسى الإصرار وجهاد النّفس التي جُبلت على حبّ الرّاحة والبحث عن السَّهل. إذا أردتَ أن تكونَ ناجحا فحتما ستكون، لكن عليك أوّلا زرع هذه الفكرة في قلبك وخلايا عقلك. قل كل يوم لنفسك “أنا أقدر، أنا قويّ، أنا أستطيع”. اكتب هذه العبارات على ورقة وضعها نصب عينيك؛ لتتخزّن بعقلك الباطن فتتحقّق حتمًا مع إيمانك بها.

فلا تنسَ أن تخطِّط جيّدا لحلمك، وتضع الخطط البديلة إن لم تفلح الأولى، واعلم أن السّقوط أول مراحل الصعود، فلا يسقط إلا من يرتفع، ولا يتعثَّر إلا من يستمر في المسير. تعلّم كل يوم شيئا جديدا، وطوّر ذاتك ومواهبك، وغذِّ عقلك بما يتعطَّشُ له بالقراءة، وابتعد عن كل المحبطين باعثي الطاقة السلبية، وتقرّب من الله لتقترب الدنيا بأكملها منك.

 تذكَّر أن كلَّ إنسان يعاني هموما وتعترضه عقبات، لكن الحكمةَ تقتضي ألّا تركِّز عليها، وأن تجعل تركيزك على الإيجابيّات حولك؛ لتبلغ عناق حلمك، فعقل الإنسان يجذبُ أفكارَه التي يركِّزُ عليها، ويحوِّلها إلى واقع. وإن أصاب سعيَكَ خدرٌ أو حلَّ بشغفكَ بحلمكَ انطفاء.. اشحن نفسك بالطّاقة من جديد… استمدها من إسعاد طفلٍ، أو رسم بسمةٍ على وجه مهموم، أو إعطاء محروم، أو سجدةٍ ودعوةٍ للحيِّ القيّوم…. ثمَّ انطلق من جديد واصعد درجةً أخرى في سلّم النجاح؛ لتصل عنان حلمكَ، وتَتلألأَ في سمائه كالنّجوم.

25/3/2024