حتى لا تواجه سوريا مصيراً يشبه العراق – سمير عادل

لإفشال مساعي القوى الإقليمية والدولية واستباق محاولاتها الاستثمار في مستنقع الانقسامات الطائفية والقومية والدينية، يجب علينا التحرك دون تردد، نحو تجفيف هذا المستنقع عبر إعلان مبدأ المساواة الكاملة، بلا أي تمييز أو تحفظ، بين جميع فئات المجتمع السوري، وتشكيل حكومة غير قومية وغير دينية.

الاستهلاك الإعلامي المكثف لمفاهيم مثل “حقوق الأقليات” و ”المكونات”، سواء من قبل هيئة تحرير الشام التي تسيطر على دمشق، أو من منافسيها مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو الجماعات الدرزية في السويداء، أو البيان الأخير للطائفة العلوية أو الجماعات المدعومة تركيًا، وحتى من المسؤولين الغربيين، يخفي وراءه أهدافاً سياسية تخدم أجندات معينة.

كي نوضح اكثر، إنَّ كل العناوين والمقولات التي يسوقونها لنا مثل التشاركية والفيدرالية القومية أو الطائفية التي يسمونها باللامركزية أو سوريا موحدة بهوية قومية كما كانت في العهد السابق، تختبئ وراءها أو خلفها أجندات قومية وطائفية، لتشريع عمليات النهب والسرقة لثروات جماهير سوريا باسم حقوق الأقليات والمكونات، مثلما عشنا تجربتها وما زلنا نعيشها في العراق، وجميع تلك الأطراف تسعى دون كلل وعبر تلك المقولات الخادعة الحفاظ على مستنقع الانقسامات الطائفية والقومية المصطنعة.

ما الذي يمتلكه علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، من موقعه ويراهن عليه لإشعال حرب أهلية في سوريا، سوى الغوص في المستنقع الطائفي، وما الذي يعتمد عليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وإعلانه بأنه سيدفن الأكراد مع أسلحتهم إذا لم يخضعوا لميليشياته ومرتزقته المأجورين، غير إذكاء المستنقع القومي. ومن جهة أخرى، ما هي الذرائع التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية لبناء قاعدة جديدة في كوباني (عين العرب) شمال سوريا، سوى الاستثمار في وجود داعش، وما هي دوافع إسرائيل للتوسع العسكري في سوريا بحجة توجيه ضربات استباقية للإرهاب، سواء ضد الجماعات الإسلامية أو غيرها، بينما تسعى لدعم وتعميق الصراع القومي والطائفي في سوريا.

في النهاية، يبدو أن الهدف المشترك هو محاولة تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية وقومية وعرقية، بما يخدم حماية أمن ومصالح الأطراف المتصارعة.

 الحجيج إلى دمشق من قبل المسؤولين في حكومات العالم يسير على قدم وساق، وجميعهم يستخدمون المقولات المذكورة آنفًا، ولكن الحقيقة التي لا يريدون الإفصاح عنها هي أنهم يتنافسون في مهرجان الماراثون السياسي الذي أُطلقت صافرة انطلاقة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، لاحتلال موطئ قدم في معادلة سياسية لم تتضح معالمها بعد. كل واحد من تلك الحكومات تحاول أن تلعب دورها في الصراع الجيوسياسي او إعادة الاعمار ومن بعدها الحصول على فرص الاستثمار كي تكون جزءً منها عندما تتشكل. ولم تتحمل وزيرة الخارجية الألمانية أكثر بكتمان السر، عندما قالت من دمشق وفي لقائها مع أبو محمد الجولاني سابقا واحمد الشرع حاليا رئيس الإدارة السياسية: يجب مغادرة القواعد الروسية من سوريا.

إن الغرب الرسمي بحكوماته ومؤسساته السياسية والمخابراتية لم ولن يدعم أية حكومة علمانية، غير قومية وغير دينية في سوريا. ففرنسا التي تزور وزير خارجيتها دمشق، وأول تصريح لها هو طرد النفوذ الروسي من سوريا، هي من شرعت الدستور الطائفي في لبنان. والولايات المتحدة الأمريكية هي من أسست مجلس الحكم الطائفي القومي في العراق بعد غزوه واحتلاله وأرست اكبر نظام طائفي- قومي فاسد في المنطقة، وتركيا هي من دعمت الإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا والجماعات الإرهابية التي ولدت منها ولعبت دورا محوريا في إشاعة الفوضى وقامت بدعم العصابات الإسلامية من كل حدب وصوب وبأموال قطرية لإعادة إنتاج السلطنة العثمانية برداء حزب العدالة والتنمية وبسلطان جديد اسمه رجب طيب أردوغان، وهي من وضعت دباباتها في خدمة الإخوان المسلمين الجدد (هيئة تحرير الشام) ببدلات وربطات عنق تركية ويعتليها الجولاني وقادة القاعدة السابقون ورفاق الجولاني من البانيا والأردن ومصر وطاجكستان والايغور وتركيا الذين شكلوا وزارة الدفاع لتشق الطريق إلى دمشق دون اعتراض من أحد.

الجولاني أو احمد الشرع، وخلال مقابلته مع قناة (العربية)، قال إنه شكل حكومة واحدة من لون واحد، لأن المحاصصة تدمر المرحلة الانتقالية حسب مزاعمه. والسؤال البديهي: لماذا يكون بديل حكومة ذات لون واحد هو حكومة محاصصة؟ لماذا لم يتم تشكيل حكومة غير قومية وغير دينية وتعلن بمساواة البشر في سوريا حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين واتفاقية سيداو الذي هو حلم وأمنيات وهدف جميع الأقسام الاجتماعية في سوريا. ولكن يلاحظ أنَّ الجولاني يحاول تضليل العالم حول مفاهيم ومقولات لتبرير تثبيت سلطته وتشكيل حكومته التي تفاخر بنواتها في محافظة إدلب، وهي حكومة إسلامية وقمعية واستبدادية. وما زال “أحد عشر سجنًا” تابعًا لهيئة تحرير الشام يقبع فيها معارضون، ولم يُطلق سراحهم إلى الآن. وهناك تعمية إعلامية متعمدة من قبل جميع المشاركين في الماراثون السياسي كي لا تفوح رائحة تزكم أنوف الذين يحبون الغرق في أوهامهم بشكل ممنهج ومخطط ومدروس، ولا يعكر صفو مسامعهم من الأقوال التي ينثرها الجولاني في الإعلام. إن كل هذا اللف والدوران، سواء من قبله أو من قبل داعميه الدوليين والإقليميين، أو من يحج إليه، هو محاولة للتملص من الاعتراف بعدم نيتهم دفن المستنقع الذي غرقت فيه سوريا إلى الآن، وسبقها العراق.

أي بعيارة أخرى نقول، أن الإيديولوجيا لا تقف حاجزًا أمام الجولاني في الإعلان عن تشكيل حكومة غير قومية وغير دينية، والإقرار بلائحة المساواة المطلقة بين الرجال والنساء والقوميات والطوائف وجميع أقسام المجتمع السوري، كي ينهي حالة القلق والشك والخوف من المستقبل في صفوف الشعب السوري. إن السبب الحقيقي الذي يقف وراء تشكيل حكومته من لون واحد، أو بأصح العبارة نقل حكومة إدلب إلى دمشق، هو أنه لا يريد تقاسم السلطة بل الانفراد بها، وهو نفس الشيء الذي ينطبق على (قسد) التي تطالب بالفيدرالية وحقوق الأكراد، والحالة نفسها تنطبق على الجماعات التي تُسمى بالجيش الوطني المدعومة من تركيا، وكذلك من يتحدثون باسم الطائفة الفلانية أو الأقلية. الكل من هذه الأطراف ليس من صالحها لائحة المساواة وهوية علمانية للدولة، لأنَّها تخسر في المحصلة الأخيرة من امتيازاتها ونفوذها.

وكل ما يقال عن تنظيم الحوار الوطني والمؤتمر الوطني وما ينسج من خيال حوله بانه سفينة النجاة او اكسير الحياة للشعب السوري، ليس إلا محاولة لكسب الوقت من قبل الجولاني، وهدفه التضليل السياسي ما لم يكن أساسه الإعلان الصريح والواضح بلائحة المساواة والمواطنة وفصل الدين عن الدولة والتعليم. عندئذٍ، وفقط عندئذٍ، بالإمكان تفويت الفرصة على أمثال الخامنئي ومحسن رضائي عضو مجلس تشخيص النظام وعباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني، عندما يهددون جميعهم بإشعال نيران الفوضى في سوريا اذا لم تحصل ايران على موطئ قدم في المعادلة السياسية الجديدة في سوريا

إنَّ الطريق إلى عدم انزلاق سوريا إلى أتون حرب أهلية، أو في أفضل الأحوال إلى دوامة الفوضى، وغلق جميع الأبواب أمام القوى الإقليمية والدولية وقطع يدها بالتدخل في تقرير مصير جماهير سوريا، هو أن تكون سوريا دولة علمانية غير قومية وغير دينية، وتُعرف البشر فيها على أساس المواطنة.

هل هناك أيٌّ من المتصارعين المحليين على الجغرافيا السورية، من الشرع مرورًا بقادة فصائل السويداء ودرعا وصولًا إلى قسد، يمتلك برنامجًا إنسانيًا حقيقيًا؟ عندها يمكن نسمي شخص ما بمانديلا سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *