تغيرت موازين القوى والمعايير بشكل استراتيجي على أيران, بعد خسارة سورية ولبنان , بالهزيمة الشنعاء , التي كسرت ظهر البعير , وأيران خسرت نفوذها كلياً في هاتين الدولتين , وانهزمت اذرعها وذيولها كالفئران المذعورة , خوفاً من الابادة والموت , ليس ان ايران تكبدت خسارة حولي 30 مليار دولار كدين رسمي على النظام الساقط بشار الأسد , بل النظام الجديد في سورية يطالب ايران بتعويض بعشرات المليارات الدولارية , لان ايران سببت بشكل فعلي واساسي , في دمار وخراب المدن السورية , وكذلك فقدت ايران المئات العقارات والشركات التي كانت تمول الاقتصاد بشكل الحيوي , حيث كانت تحصل سنوياً على المليارات الدولارية لتصب في الشريان الاقتصاد الايراني , وزاد الامر فداحة حتى التمثيل والعلاقات الدبلوماسية متوقفة تماماً , وكذلك الحال بالنسبة الى لبنان وحزب الله , حيث سقطت وتهاوت دويلة حزب الله العميقة , التي شيدت بالمال الإيراني , وكان حزب الله اللبناني يتحكم بكل صغيرة وكبيرة في الشأن اللبناني , كان سلاح حزب الله يمثل السيف المرعب المتسلط على الطوائف اللبنانية الاخرى , لقد خرجت ايران بخفي حنين من سورية ولبنان , ولم يبقٍ لها , سوى الوصاية والنفوذ على العراق بواسطة الحشد الشعبي , الذي يطلق عليه في إيران : حشدنا الشعبي والرئة التي يتنفس منها نظام ولاية الفقيه , الذي يتحكم بمصير ومستقبل العراق , ولا يمكن إلى اي قرار سياسي وقانوني ان يمر دون توقيع المرشد الإيراني عليه بالرفض أو القبول , لذلك يرفض بشكل قاطع فكرة حل الحشد الشعبي حتى سماعها , لان الحشد الشعبي يمثل بوابة إيران الرئيسية , واذا خسر الحشد الشعبي , يعني خسارة الوصاية والنفوذ الايراني في العراق , يعني ذلك بكل بساطة سقوط وتهالك نظام ولاية الفقية , امام التحديات الخطيرة التي تجري في المنطقة ضده , وهذا يضعه امام عواصف كثيرة , من شأنها ان تفجر المد الشعبي الوسع داخل ايران ضد حكم الملالي , ويمكن احترق ورقته كلياً , لذا فأن الدرس السوري واللبناني , يحاول النظام الايراني , ان يتجنبه في العراق حتى بتشديد القبضة الحديدة والارهاب والقتل , لكل منْ ينتقد الدور الايراني المتنفذ في العراق , ومجي ترامب على رئاسة امريكا , يمثل البعبع المخيف والمرعب , الذي يقلق نظام ولاية الفقيه يومياً , ويدركون خطورته على الشأن الداخلي وعلى الاقتصاد الايراني بالذات , الذي يعتمد على سلة العنب العراقية , ويدرك ترامب ذلك , ويسعى الى سد هذا المنفذ الاقتصادي , ويحرم ايران من سلة العنب العراقية , التي تعطيه اكسير الحياة الى الاقتصاد ايران المتهالك , وبدأت الاجراءات الفعلية تصب في هذا الاتجاه , بدأت بالتوقف على الاستثناءات بشراء الغاز الايراني لتشغيل الطاقة الكهربائية , بمنع شراء الغاز الايراني الذي يكلف العراق سنوياً 6 مليار دولار يضعها في جيب ايران , بالرغم ان العراق يملك الغاز الذي يشغل المولدات الطاقة الكهربائية , ولكن القرار الايراني بمنع استخدام الغاز العراقي المتوفر , والمسألة الاخطر , ايقاف بيع النفط الايراني بحجة انه نفط عراقي في الاسواق العالمية , واذا لم يمتثل العراق الى هذا الاجراء سيطلب ترامب من منظمة الاوبك خفض حصة العراق النفطية , التي تبلغ حاياً حوالي 3,5 مليون برميل يومياً , ونعرف ان ترامب هدد بلدان المنتجة للنفط ( الاوبك ) بخفض الاسعار , وإلا اغرق الاسواق العالمية بالنفط الامريكي , مع العلم ان الموازنة السنوية العراقية حددت سعر النفط بحوالي 73 دولار للبرميل الواحد, وندرك عمق الازمة اذا كان سعر النفط عالمياً اقل من هذا السعر المحدد . ان ايران تدرك تماماً حجم الاخطار الهائلة عليها , لذلك تتفادى هذا المأزق الكبير مع امريكا , وتسعى جاهدة بطلب المفاوضات المباشرة مع أمريكا بشأن المفاعل النووية الايرانية , كما صرح به رئيس جمهورية إيران , وانه يتطلع الى حل اشكالات المفاعل النووية ان تكون سلمية بدون انتاج السلاح النووي , لكن ترامب قالها صراحة , اما الامتثال الكامل الى الشروط الامريكية للحل , واما ان يوعز الى اسرائيل بضرب المفاعل النووية , لأن انتاج السلاح النووي الايراني خط احمر الى امريكا وإسرائيل , وخاصة ان ايران لا تملك المضادات الجوية حالياً , بعدما ضربت اسرائيل في هجومها الاخير اربع قواعد للصواريخ س س 300 الروسية , يعني الاجواء الايرانية سهلة جداً الى ضرب المفاعل النووية , وخاصة بعد تزويد اسرائيل مؤخراً بصواريخ زنتها كل واحد منها طنين , باستطاعتها اختراق الجبال الى مسافة 80 متر تحت الارض , لذلك غيرت ايران سياستها في المنطقة من العداء وتصدير الثورة الى المنطقة , الى الحمل الوديع المسالم الذي يود السلام والعلاقات ذات الاحترام المتبادل , الذي يحترم جيرانه في المنطقة والعيش بسلام دائم , وبدأ نظام ولاية الفقيه يتملق الى النظام السعودي ( العدو الاساسي ) يدعوه اخذ زمام المبادرة , ان يساهم في دور الوسيط بين إيران وأمريكا , مثلما يساهم بدور الوسيط واحتضان مؤتمر السلام في السعودية , بين روسيا وامريكا , في عقد مؤتمر السلام في السعودية يجمع بوتين وترامب في مسالة انهاء الحرب الاوكرانية الروسية . كل المؤشرات تؤكد بأن ايران تتشبث في دورها في العراق بكل السبل والامكانيات حتى الرمق الاخير , لأن خسارة العراق يعني تهالك نظام ولاية الفقيه , يعني خسارة الرئة العراقية . يعني الموت اختناقاً .