التحريض في الكتابة- كامل سلمان

الكتابة ليست مهنة ولكنها لها وقع وتأثير كتأثير أية مهنة إنسانية أخلاقية كالطب كالهندسة وغيرها على المجتمع يجب أن يكون الكاتب فيها نزيه عن التحريض والميل المفرط لأي جانب كان . الهدف من الكتابة إيصال الأفكار الصحيحة إلى القارىء وبناء الوعي لدى المجتمع ، القارىء المتلقي يريد أن يشعر بأنه فعلاً حصل على المعرفة والإدراك وتنوير الفكر من خلال قراءته للمقال أو النص أو الكتاب ، لا يريد أن يتحول إلى مهووس فكرياً يملئه الحقد ، وهذه مهمة تعبر عن شخصية الكاتب ورصانة أفكاره . ما نراه اليوم للأسف عند معظم الكتّاب وأصحاب المقالات هو تعبير عن عقد نفسية وهلوسة فكرية وفرصة للتحريض وتفريغ الأحقاد لخدمة هذا الجانب أو ذاك ، لذلك نلاحظ هذا الكم الهائل من المقالات والكتب والمنشورات لم تنتج مجتمعاً واعياً بل العكس نرى المجتمع يتراجع فكرياً حتى أن الكثير من القراء قد عزفوا عن القراءة والمتابعة ، مجرد أن يطّلع القارىء على عنوان المقال يقلب الصفحة ويشعر بالقرف من خلال العنوان قبل الولوج في محتوى المقال ، كثرة الكتابة ليست دليل الثقافة وليست دليل التفكير السليم .
مجتمع مثل مجتمعنا يعاني من تخلف فكري ثقافي بحاجة إلى كلمات توقظ مشاعره واحاسيسه الإيجابية لا السلبية ، بحاجة أن يعرف بأنه لابد أن يكون جزءاً من الحل لهذه المعاناة وأنه لابد أن يكون قنديلاً لمجتمعه من خلال ما يقرأ ويتعلم لا أن يكون أعمى مع العميان لكيلا تزداد تعثراته وهذه مهمة صعبة يتحمل مسؤوليتها الكاتب المبدع المخلص الوفي الواعي المثقف الذي يتحسس آلام مجتمعه كل ساعة . فلو قلنا أن قلة إنتشار الأوبئة والأمراض في المجتمع دليلاً على وجود ثقافة صحية وتنظيم طبي مهني في المجتمع وكذلك وعي وثقافة المجتمع دليل على وجود المثقفين الرائعين في ذلك المجتمع ، لا شيء يأتي من فراغ ، فكل شيء يأتي من خلال الجهد الصحيح العلمي ، لم تتطور المجتمعات الراقية إجتماعياً وثقافياً بفضل التكنولوجيا وإنما بفضل مثقفيها المبدعين الأوفياء لأوطانهم ، أما ثقافة التحريض والميل لصالح طرف ضد طرف هي سمة مجتمعنا وهذه واحدة من نتاجات الفكر العقيم الذي ينشر هنا وهناك ويبث إعلامياً وكتابياً على مدار الساعة ، إذاً احتماليات التطور والتغيير عندنا تقترب من الصفر بسبب انعدام الثقافة الحقيقية وانتشار ثقافة التحريض وخاصة التحريض على الكراهية . مازلنا جميعاً نتناقل ونستشهد في أحاديثنا بمجموعة كلمات ومقولات قالها بعض العظماء وذلك لشدة وقعها على نفوسنا وقوة تأثيرها هكذا هي الكتابة الراقية تنتقل إلى نفوس الناس بدون تكلفة ، وهؤلاء العظماء لم يأتوا بشيء من العالم الأخر ولا من عالم الخيال ولكنهم أختاروا كلماتهم بعناية وبصدق فأصابوا بالصميم عندما كتبوا وكانوا يشعرون بآلام الناس وحاجاتهم فبقت كلماتهم خالدة .
في الوقت الذي نشعر فيه بأننا عطاشا للتوعية والكلمة الهادفة التي تخرجنا من الظلمات إلى النور يخرج إلينا من يسبح بأمواج القطيع لتصبح له منشورات في كل مكان لتطرح أفكاراً تحريضية مريضة وتخلق حالة ضبابية تشويشية للمقالات الصادقة الشحيحة أصلاً ، والشيء الغريب حقاً غالبية هؤلاء القطيع ليسوا أدوات بيد غيرهم بل هم من إرتضى لنفسه أن يكون خادماً مطيعاً للشر والكراهية غير مستفيدين بالمرة من وجودهم ودفاعهم المستميت لأفكار القطيع ، طبقاً لمبدأ لأنني أكرهك سأفعل ما يؤذيك حتى وأن كان هذا الإيذاء يمتد تأثيره على الناس كافة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *