التنافس السياسي في صراع الكيانات  – حسام عبد الحسين

<وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ>
إن التنافس اما ان يكون شريفا وبريئا وجيدا، كما يحصل بين بعض الطلاب؛ حينما يتنافسون على المرتبة الأولى والثانية فهذا شيء جيد، او في الغالب يكون متصلا بانحطاط المدنية، ومتصلا بانحطاط الأخلاق؛ لأن التنافس في الغالب يتم بطرق غير مشروعة، كما نعرف مثلا في سياسات الطرد من الأسواق؛ عندما يأتي تاجر كبير فيخفض الأسعار إلى درجة أنه يخسر، لكي يطرد المنافسين من السوق وينفرد في السوق بعد ذلك؛ ليرفع الأسعار كما يشاء.
بكل تأكيد التنافس في المجال السياسي العراقي من نوع آخر، لأن السياسة في الأساس هي لا تقوم على النقاء، بمعنى ليست هناك سياسة ليس فيها تقية، وليست هناك سياسة ليست فيها مناورة، دائما السياسة فيها ظاهر وباطن وهذا له أسبابه طبعا، وليست هناك سياسة خالية من التلاعب السلطوي على حساب المواطن، فالتنافس في المجال السياسي العراقي يأخذ أحيانا شكل فضائحي، يعني ترتب المؤامرات والتهم والمقالب والأفخاخ، فالتنافس السياسي هنا يغلب عليه دائما السوء، لكن شر لابد منه؛ لأن الأحزاب السياسية تكيفت بهذا الوضع، وتفاعل الشارع معها بشكل ظاهر، هذا من جهة؛ ومن جهة اخرى: إذا منعنا التنافس في المجال السياسي فهذا يعني أننا سنصير إلى استبداد، وفي حال الاستبداد تكون النتائج والعواقب اخطر من نتائج التنافس السياسي.
والاخطر هو اصطفاف الكتل السياسية خلف المسميات الطائفية والقومية وترويج حق النصر على “داعش” لنفسها؛ لتحقيق هدفها وهذا يجعل من العملية السياسية تراوح مكانها، وإعادة الامور لنفس وضعها دون تغيير يذكر، وبالتالي ربما يقتصر التغيير على بعض الوجوه، فيما يبقى الاطار العام ذاته والعودة لتقاسم السلطة على اسس طائفية وقومية، لان بعض الكتل السياسية تنصاع للتبعية الخارجية لما تطلبه بعض الدول، وربما بشكل علني او سري، وهذا يسبب شرخا وطنيا؛ نتيجة لتفضيل مصلحة الخارج على الداخل، في حين تلك الدول تبحث عن مصالحها على حساب المواطن البسيط، بمساعدة وجود الضعف في تطبيق القانون او سريانه على بعض دون البعض الاخر، وهذا تغييب لمبدأ العدالة، فلو طبق القانون على الجميع بنفس المستوى ومحاسبة المفسدين من الاعلى الى الادنى لكان الوضع افضل بكثير.
ثمة حاجة مرتهنة إلى النخب الثقافية الحقيقية في تحمل المسؤولية الكبيرة، تجاه جعل المجتمع يسير في تيارات ثقافية وفكرية سياسية راشدة، تقوم على المنطق العقلي المقبول، كما ذكر المؤرخ الكبير “ارنولد توينبي” في كتابه المختصر في دراسة التاريخ حين أشار فيه: يبدأ انهيار الحضارة حين تعجز النخب. اي حين تفقد النخب إمكانية جذب الجماهير، حينئذ يصبح الناس تائهين لا يعرفون ماذا يصنعون، وعندما يسود التنازع لا يعتبر سببا وانما نتيجة.
يكمن الخلل الاهم هو الضعف في الوعي الشعبي؛ فبالرغم من تعدد الدورات الانتخابية ومرور المواطن وخوضه لتلك التجارب، إلا ان الوعي الانتخابي والسياسي بشكل عام لا يزال دون مستوى الطموح، وربما هناك تعمد من بعض المسؤولين ومحاولتهم التشويش وخلط الاوراق واللجوء للأساليب الملتوية لجذب الناخبين اليهم.
وعليه؛ يبقى الحل اولاً واخيراً بيد المواطن، فهو يمتلك زمام المبادرة في اعطاء امانة الصوت لمن يستحق، وبهذا يكون ضمانة له ولأجياله.