ثالثاً:
2/2
لم نحصر هذه المادة في الإدارة الذاتية لأنها آفة مبتلية بها كلية حراكنا الكوردي والكوردستاني، مثلما كانت القضية الأولى من هذه السلسلة تخصنا جميعا.
في الفترة الأخيرة دخل طرف خارجي على خط الجدل والنقاش؛ حول بعض القضايا القومية التي نطرحها، كالتي أزعجت أطراف من الحراك الكوردي والكوردستاني، ودفعت بهم لتصعيد اللغة السوقية.
تبين لنا أن انتماءهم بعضهم، السياسي، هي المنهجية النورسية، وكأنهم الوجه الأخر للطرف العروبي الإسلامي السني، الذين نشروا قبل سنوات مفاهيم مشوهة عن الكورد في سوريا وتاريخنا، جندوا لها شريحة من الكتاب البعثيين، الذين وظفوا في (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-القطري) وعلى أثرها كتبنا العديد من المقالات النقدية، والدراسات، ومن بينها (مصداقية الباحث العربي) و (الأساليب الحديثة للمراكز الأمنية في محاربة الكرد) وغيرها. والأغرب، أن الطرف الحديث هذا؛ استخدموا لغة عصرية وجادلوا بعمق، ولم يتطرقوا إلى المنهجية العنصرية، ودون ابتذال أو الشخصنة، كما سقطت فيها شريحة من كتابنا ومثقفينا الكورد، رغم عداوتهم الظاهرة للقضية الكوردية، تحت منطق نقد أساليب الحركة الكوردية والكوردستانية، وما نقدمه من طروحات قومية ووطنية.
بعضهم طالبوا بالعودة إلى الحكم الإسلامي العثماني، أبرزهم كان تحت اسم (Azad Azda) ناقش بأسلوب عصري، رغم الغاية الخبيثة، الطعن في مدارك الحراك الكوردي، حتى عندما هاجم قبل أيام، وبكلام فيه انتقاص، قيادة الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في سوريا من على صفحتي، دون أن يبتذل، وانتقد أحد مقالات الكاتب عباس عباس المنشورة على صفحتي أيضا، ظل يحاور مع لغة التهجم أحيانا، كما في الحالتين الأخيرتين، لكنه لم يتطرق كالأخوة الكورد المثقفين، إلى الشخصنة، والطعن في ذاتنا.
حاورته مثلما حاورت وبشكل مختصر الأخرين من منهجيته، وقد شاركني بعض الأخوة من المثقفين الكورد في هذا وجادلوهم، حافظت على ردود بعض الإخوة، من على صفحتي باستثناء ما لحقت بكتاباتهم وكتابات المذكور أسمه، والتي تمسح عادة مع الأولى، وتم إلغائهم ومسح نقاشاتنا معهم، خاصة عندما تعرض الأخير إلى قيادة الاتحاد والكاتب عباس، بعكس سابقيه الذين حصروا نقدهم على منطق الدولة الإسلامية وأحدهم كان لا يتوانى عرض مثال حزب العدالة والتنمية والتي بينهم قرابة 50 نائبا كورديا مسلما، وأن حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي لا يعادي حقوق الشعوب الإسلامية ومن بينهم حق الشعب الكوردي.
فالمحاور آزاد أزدا، والذي شككت في كورديته، ونوهته إليها، رغم عمقه المعرفي بتاريخ والشخصيات والحراك الكوردي والكوردستاني. ففي حواره على البعد التاريخي، وبعدما لاحظ فشله، ألغى حوارنا ونقده، ولم يتطرق إليها ثانية، لكنه استمر في نقد حراكنا الثقافي، وللمصداقية كان أسلوبه منطقي بشكل عام، لكنه سخر تحليله لصالح البعد الإسلامي النورسي التركي، أي لحزب العدالة والتنمية دون ذكر الاسم، إلى درجة نقد فيها المدارس الصوفية الكوردية، ومن بينها النقشبندية والعلوية، رابطا إقليم كوردستان وثورة برزاني بالأولى وحزب العمال الكوردستاني بالثانية.
كما وتطرق إلى قادة الثورات الكوردية ذاكرا بالأسماء، الشيخ محمود الحفيد، والشيخ سعيد النورسي، والقاضي محمد، والخالد مصطفى برزاني، إلى أن وصل إلى الشهيد معشوق الخزنوي، على أنهم كانوا مشايخ تكيات، ويجب الاقتداء بهم لإقامة الدولة الإسلامية المشتركة، وعندما طلبت منه أن يسير على خطاهم من حيث منهجيتهم؛ حيث أن الإسلام لا يتعارض وحق الكورد في إقامة دولتهم القومية، عاد وبتحليلات معمقة حقا، لكنه في الاستنتاج توجه ثانية إلى حيث الهدف، هي الدولة الإسلامية على منهجية النورسي، وحينها طلبت منه أي تيار من النورسية، التركية أم الكوردية، تبين من خلال رده، دون ذكرها، أنها النورسية التركية، لأن النورسية أنشقت على ذاتها في التسعينات من القرن الماضي كما أظن، وهناك خلاف واسع بين تابعية من الكورد والترك، والأخير يمثلهم كولان والعدالة والتنمية دون ذكرها، فعلى سبيل المثال، كان عراب المدارس المنتشرة في ولاية تكساس تحت أسم (هرموني Harmony school-) حزب العدالة والتنمية تحت شخصية گولان، لكنها اليوم وبعد أن هاجمها أردوغان وبقسوة، أصبحت تتبع هيئة مستقلة في العلن، وتابعة للنورسية الگولانية في الحقيقة.
بعد فترة من المجاراة، مع بعض كتابنا الكورد ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، مع التهميش وعدم الرد، مثلما فعلتها مع البعض من الشريحة الخارجية، تحت منطق، جواب الأحمق السكوت، اضطررت إلى إلغاء صداقاتهم، وعرض ما ذكرته. أما الجماعة المحاورة بمنطق، وتحت غطاء النورسية، استمريت معهم طويلا، قاطعتهم بعد أن تغاضوا عن التالي: تعريف الذات، جغرافية، وبالأسماء الصحيحة، ومن ثم رأيهم في إقامة الفيدراليات الكوردستانية ضمن الدول المحتلة لكوردستان ومن ضمنها تركيا أو الدولة العثمانية المعنية، فعوضا عن الجواب، دخلوا في مسيرة الالتواء بعرض تحليلات فكرية وسياسية طويلة، جلها كانت تعكس خلفية معرفية واسعة، وهو ما دفعني إلى الدخول معهم في الأبحاث المذهبية، ومفاهيم المفكرين الإسلاميين أمثال الغزالي وأبن رشد، والسهروردي، وغيرهم، وغايتهم حسب الادعاء، على أن نورسيتهم تحيي القيم من المذاهب الإسلامية، التي تزيل الخلافات القومية، ودخلنا في نقاشات طوباوية لا معنى لها.
بغض النظر عما كانوا عليه، وما يبتغونه، تحت غطاء الإسلام النورسي، أي التركية الأردوغانية على الأغلب، لكنهم كانوا: يحاورون بعقلانية، وفكر متفتح إلى درجة توقعت أن تكون مؤسسة وليسوا أشخاص أو كتاب عاديين، لتمرير غاية خطيرة وخبيثة، بعكس الشريحة المبتلية بها مجتمعنا، وحيث آفة الكلمات البذيئة والتخوين، والتي عكست ضحالة الأفكار والمعلومات، والابتعاد عن الحوارات القيمة، واستخدام الأساليب الرخيصة، متناسين أنه مهما كانت الغايات متضاربة، والخلافات الداخلية مرعبة، فهي لن تكون مدمرة فيما لو ظلت محصورة ضمن مجال الحوارات الواعية وتبادل الآراء المختلفة، ومحاولات إقناع البعض، ولن تسقط، وتدنى الأهداف، فيما لو ابتعدنا عن التخوين والكلمات البذيئة، والاختطافات والاغتيالات كما تمت، عندما تمكنت بعض القوى الحزبية من الهيمنة على السلطة.
ففيما لو استمرينا بالرد على بعضنا بهذه الضحالة اللغوية، ودون توعية الشريحة الضائعة، والتي تملك القدرات، سننتهي كحركة وقضية إلى مصير كارثي.
منهجية تعميق الخلافات بين المجتمع الكوردي، والتي لمعظم أطراف الحراك الكوردي دور فيه، وفي مقدمتهم الإدارة الذاتية والطرف المعارض، إلى جانب بعض الجهات الكوردستانية، وبالأساليب التي تتم، حيث تزايد انتشار اللغة السوقية والمبتذلة، ليس فقط ستؤدي بهم إلى نهاية مأساوية، بل وستضع أمتنا أمام مصير مئة عام أخرى من الصراع مع أعداء يسبقوننا في كل شيء.
لا بد من إعادة النظر في مداركنا، وكيفية تسخير معارفنا، ومحاولة التحرر من الثقافة السوقية ولغة الشارع، والعمل على توعية الذات، وتنبيه الشريحة المعنية من المثقفين والكتاب، على أن منطق المعارضة الوطنية والسلطة الديمقراطية بالأساليب العصرية، يزيد الأمل في تكون الدولة الكوردية القادمة، دونها، وعلى ما هم عليه، عليهم وعلى القضية في هذه المرحلة، وليس على الأمة، السلام.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/9/2021م