من وراء الحدود ( 2)- بقلم : عصمت شاهين دوسكي

 

 

في يوم الخميس المصادف 5 / 6 / 2014 ذهبت صباحا إلى مقر الجمعية الاستهلاكية التي أعمل فيها وكان الروتين القاتل طاغيا عليها بسبب الحالة المادية وعدم الاستقرار الاجتماعي للمواطن الموصلي الذي ابتلي وبمعاناة كبيرة اكتوى ورضا بالواقع إن كان يهوى أو لا يهوى ، الروتين اليومي الذي يلازمنا لحين انتهاء الدوام الساعة الرابعة عصرا وهو حال البطالة المقنعة في أغلب الدوائر الرسمية وغير الرسمية ، الهدوء مخيم على مدينة الموصل وكأنها ترتقب شيئا ما ، الناس مغلوبون على أمرهم قانعون بقدرهم كونهم يحبون السلام والعيش في أمان وأحلام ، رغم القيود المختلفة من الأسوار المحاطة بين الطرقات واحتراق الأعماق بالآهات وبين الفوضى وارتفاع وتيرة رهبة الجماعات التي ترتقي في دقة تنفيذ الاغتيالات والتفجيرات وموت ضحايا من الناس الأبرياء لا حول ولا قوة لهم من الجوع والحاجة إلى الارتواء ، بث الرعب والاضطراب والخلل المقصود الذي يرمي إلى قلب الهيئة الإدارية والاجتماعية والفكرية والأصعب النفسية رأسا على عقب لجهل وتكوين هذه الحالات غير المستقرة لصالح الجماعات ، كان الصمت والهدوء الحذر في الجمعية وعيون الموظفين والموظفات تتساءل دون أن تتحرك الشفاه وكان الإحساس بشيء ما قد تحرك ، وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا سمعنا بضجة في الجمعية وبحركة غير طبيعية خرجنا من غرفنا وتساءلنا في ما بيننا ما لأمر ؟ وإذا بموظف خرج من غرفة المدير يعلن إغلاق الجمعية فقد صدر أمر  إخلاء الجمعية  وكافة الدوائر الرسمية ، ليعود كل موظف إلى بيته فقد حانت ساعة منع التجوال وبسرعة أغلقنا ألأبواب وكل منا لزم طريق بيته وفي الطريق أنا وصديقي الشاب ” بلال  ” قبل أن نفترق قال لي :

أستاذ حكمت ، ربما يوم ويومين ويرفع الحذر ونعود للجمعية .

قلت له : ربما ، لا ندري ما يخفي لنا القدر .

قال وبألم : متى يتغير وضعنا ونعيش بسلام كباقي دول العالم .

قلت له : المهم ، حافظ على عائلتك ولا تخرج من البيت .

وفي ساحة النبي يونس افترقنا بلال ذهب بسيارة أجرة إلى بيته في شقق الخضراء ، وأنا ركبت سيارة أجرة مشتركة إلى البيت وفي الطريق رأيت مثل كل مرة الناس يشترون ويخزنون مواد غذائية للطوارئ فلا أحد يدري كيف سيكون المصير وما يخفي لنا القدير ، يا ترى ماذا سيفعل الفقير ؟ قوت يومه سينقطع وعمله بسبب منع التجوال بانتظار تغير الحال من حال إلى حال حيث الطبقات الرفيعة الغنية ستعيش في كل الأحوال والطبقات الاجتماعية البسيطة والفقيرة تحتار في التدبير خاصة في يوم عسير فإذا الجالس بقربي وهو رجل كبير السن متعبا يسألني :

ما اسمك ..؟!

تعجبت من سؤاله خاصة في هذه الظروف المضطربة ولكن جمعت قواي الفكرية والنفسية وكلي ثقة قلت له :

أسمي حكمت ، خير عمي ؟

سأل وهو يهز رأسه

أنت كوردي ؟

نعم من دهوك لكن منذ الصغر أعيش في الموصل

قال وكأنه يتذكر أحداث قديمة عفا عنها الزمن :

انتم الكورد عرفتم اللعبة ولعبتم صح وبأسلوب يفيد كردستان والمواطن الكردي ، أما نحن العرب سياستنا بعد سقوط العراق واحتلال أميركا وتعاقب السلطات التابعة لهذا وذاك إلى حد الآن عصرنا هذا فوضى وقتل وتدمير وتبعية وعبثية في التصرف الإداري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ..

ولكي أقطع هذا الحديث الذي يحزن حتى الكافر والذي لا طائل منه قلت له قاطعا حديثه بهدوء :

من أين أنت عمي ؟

قال : من منطقة  ” دوميز ” أولادي الأربعة هاجروا للخارج واحد دكتور والثاني أستاذ جامعي والثالث مهندس والرابع مفكر وأديب وبقيت أنا المتقاعد العسكري وزوجي هنا .

وتداركت الكلام متسائلا :

وأنت لما بقيت فالكثير هاجروا بسبب الوضع إلى دول أوربية واحتضنتهم الدول بل مدت لهم يد المساعدة ووفرت لهم العيش الكريم والأمان والسلام .بل أكثر من هذا أبدعوا في مجال عملهم .

قال وهو يلتفت لمناظر الموصل من خلال نافذة السيارة :

لأني مثل السمكة عندما تخرج من الماء تموت وأنا إن اخرج من الموصل أمت . وهناك الكثير مثلي .

رأيت عينيه دامعتين لفراق أولاده وأحفاده وعيشه في وحدة مغتربة الروح والإحساس للحالة التي وصلت إليها أم الربيعين الموصل ولا اخفي عليكم أنا أيضا عيناي دمعتا ، ولكي أهدئ الأمر قليلا قلت له :

الله كريم عمي إن شاء الله تتحسن الأمور ويرجعون أولادك وأحفادك .

ورد مسرعا :

كيف تتحسن والفوضى في كل مكان لا نظام ، لا قانون ، لا عدل ، لا تعليم سليم ، لا اقتصاد ، لا زراعة ، كل شيء نستورده من الخارج حتى الماء ، ابتلينا بالنفط الذي تتكالب عليه الدول ولم نستفد منه نحن أهله بأي شيء بل أصبح نقمة علينا ، نحن أرض السواد من شدة وكثرة اللون الأخضر من الأراضي الزراعية نحن أرض الرافدين خيراته لا تنضب نعيش بهذا الحال الفقر والجوع والظمأ والتوسل والحرمان القوي يأكل الضعيف كأننا وحوش غابة وليس بشر ، هذا حال الموصل من أسوا إلى أسوأ ، كل أسبوع منع التجوال ، ماذا لو طال المنع إلى إشعار آخر ؟ كيف سنعيش لو خلصت المواد الغذائية من البيت ؟ الذي يعيش لقوت يومه ماذا يعمل ماذا يقدم لأطفاله وزوجته وهو عاطل عن العمل بسبب منع التجوال ؟.

ولكي أهدئ من وتيرة حديثه وانفعاله الصادق بكل كلمة قالها بعفوية كأنه يعبر عن حال الكثيرين ، قلت له :

صدقت عمي نحن مواطنون من عامة الناس يدمرنا التفكير والإحساس ليس بيدينا سلطة للتغيير ولا مجال للتعبير ، لا شك كما قلت أنت عمي الضحية الأولى والأخيرة نحن البسطاء والفقراء.

كل منا وصل إلى بيته ومرت الأيام ولم يفتح منع التجوال وكما توقع الرجل المنع إلى إشعار آخر يومين وثلاث وأربع والأخبار تتسارع في دخول الجماعات التي كانت تدعى الإسلامية من منافذ مختلفة من الموصل حيث لا حدود ولا سدود ولا أبواب محكمة بل متروكة ، وصولهم إلى منطقة  ” مشيرفة ، وحي 17 تموز ” زاد من خطر الوضع المأساوي والأخبار من خلال القنوات العربية والعالمية تظهر وصولهم إلى ” مستشفى العام ، وفندق بغداد ” الدولي والقتال مستمر بين الجيش المهزوم عسكريا لأن أساسه الفكري والإداري والقتالي لم يكن سليما فقط مظاهر عسكرية دون الإيمان بمسك الأرض وحماية الإنسان وفي يوم 10 / 6 / 2014 استسلم الجيش تاركا معداته وسياراته العسكرية بل ترسانته العسكرية الضخمة التي تتكون من ” ثلاث فرق عسكرية ” وبدأ الجميع يهرب من جميع المنافذ ، فقد أتاهم أمر الانسحاب من السلطات المسؤولة العليا ، وبعض أفراد الجيش نزع منهم ملابسه العسكرية وارتدى ملابس مدنية متجها خارج الموصل ودخلت الجماعات من وراء الحدود بشكل مدروس وسهل وبسطت سيطرتها على الموصل ثاني اكبر مدن العراق بين ليلة وضحاها أدمعت عيون أهلها والهم أبكاها وكأن المدينة كلها تبكي من جراحاتها وغربتها ووحدتها وظلم راعيها الذي بالأنانية والفساد أدماها ، وسمعنا صوت من الجوامع يردد :

الله اكبر ، الله أكبر ، الله أكبر

استولى الهلع والرعب والخوف والقلق على قلوب البشر ومنذ صباح ذلك اليوم المؤلم وكباقي الناس شغلت سيارتي نوع أوبل موديل 1991م بلونها النيلي الذي أحبه وبشكل سريع حضرت زوجتي وابنتي ” سيرين  ” حقائبهم وتركنا البيت بما فيه مصابين بالارتباك وعيوننا تتساءل إلى أين ؟ إلى المجهول الذي ينتظرنا ، كل واحد منا ينظر إلى الآخر كأننا نبحث عن شيء ما حتى أنا لا أعرفه ، كل ما حولنا أصبح ضبابيا ، انطلقنا بالسيارة وفي الطريق رأينا مناظر مرعبة ناس رجال ، نساء ، أطفال ، شباب حتى الرضيع على صدر أمه  يمشون على الأرصفة وفي يديهم حقائبهم ومتاعهم ومنهم كبار  السن هدهم الزمن وتعب الدنيا جالسون في عربات يدوية خشبية وعصرية ويدفعهم واحد من العائلة ، قتلى في الشوارع واحتراق سيارات عسكرية تابعة للجيش والشرطة والأمن وما زالت تحترق ولهيبها يصعد للسماء كأنها تستغيث وتتوسل الخلاص والنقاط العسكرية والسيطرات خالية محترقة ودخانها الأسود يترك أثره من شدة النيران والناس حيارى سكارى وما هم بسكارى مسرعة وأخرى تبحث عن طريق للخروج ورجال الجيش والشرطة والأمن يفرون متوجهين إلى طريق ” كركوك ، واربيل ” وعلى مد البصر كل شيء يحترق العمارات الأبنية الدوائر المدنية كأنك تشاهد فلما عن الحرب العالمية الأولى أو الثانية لكنها الآن على أرض ” الموصل أم الربيعين ” وطول الطريق أم سيرين وسيرين حتى أنا دموعنا تنهمر بصمت تحترق على خدودنا لرؤية هذا الحال الذي يبكي الحجر والشجر وليس البشر فقط ، هذا الحال الذي لا يتصوره أي أديب ولا يتخيله أي رسام ولا يأتي ببال أي مفكر ولا يخطط له أي منتج أفلام حربية ، هذه المدينة ” نينوى الحضارات الراقية  ” بتاريخها العميق وحضارتها العلمية والأدبية والاجتماعية والإنسانية تمر بهذا الحال ، آه يا موصل كم ظلم رأيت وعشت  على مدى تاريخ السلاطين والأمراء والجلادين والفاسدين ، رأيت أمواج نهر دجلة هي الأخرى غاضبة وسيلها العرم يسري سريعا وضفافه متروكة مهملة حزينة لما آلت إليه ، وطول الطريق نرى أشخاصا ولأول مرة بزي أفغاني أسود كثيفي اللحية وشعرهم طويل ويحملون في أيديهم أسلحة متطورة حديثة يوجهون الناس للخروج من المدينة وكأن غايتهم إخلاء المدينة ، وجوههم ملامحهم لا توحي بالأمان والرحمة والسلام ، رأينا العجب منهم من يسرق السيارات والمحلات وسيارات متروكة قسم منها محترق يجزؤون السيارة قطعا ويأخذون الوقود أمام أعينهم هؤلاء الذين أتوا من وراء الحدود ، وصلنا إلى سيطرة الموصل بشق الأنفس فوضى عارمة من السيارات والبشر كأنه يوم الحشر وبقرب السيطرة أفراد يحملون أثاث السيطرة من تلفزيون وثلاجة ومواد أخرى كانت خاصة بالسيطرة والذين يلبسون ملابس سود أفغان أو جنسيات أخرى يضحكون لا مبالين ، وسمعت رجلا يقول لصديقه ربما من أقربائه :

اصبر ماذا سيحل بنا ، لا تفرح .

فيرد عليه بسرعة :

هؤلاء مسلمون جاؤوا لينقذونا من بطش وقيود الجيش

هز رأسه وقال له :

اصبر ، اصبر وسنرى

بعد جهد كبير عبرنا السيطرة سلكنا كباقي الناس إلى طريق دهوك ولم نفكر إلا بالخلاص من وضع ينمو ويعظم بلا مقاومة بل  هروب جماعي كان مدينة موصل وحش كاسر ، شيطان مارد ، يخشون عاقبة هذا الأمر المضطرب الجديد الذي حل بمدينة أم الربيعين فولوا وجوههم خارج المدينة مستصرخين بالمصير المجهول ربما بعد أن بالغوا في احتقار الجيش لعسكرته المدينة وغالوا في إهمال جوانبها ونادوا بالإفلاس التعبوي المقاوم لمن أتى من وراء الحدود فمن حقائق هذه الهزيمة الجماعية العسكرية ، ثلاث فرق عسكرية كانت مسؤوليتها حماية الموصل وأهل الموصل ، عسكرة المدينة بشكل فوضوي ترى الحدود مفتوحة ، خاصة الموصل تطل حدودها مع تركيا وسوريا التي كانت ملتهبة بالحروب وابسط مثال من كان بيته بلا أسوار يسمح لدخول ضعيفي النفوس واللصوص وتجار الحروب والطامعين والفاسدين ، خاصة لم يكن هناك تواصل فكري وتنظيمي بين إدارة المدينة للمحافظة وبين الجيش حيث كل واحد في واد ، المهم المنصب وتطبيق المبدأ الذي يقول ” أنا والطوفان بعدي ..” الفساد عندما ينتشر بأساليبه داخل المؤسسات العسكرية والمدنية يكون سرطانا يدمر جسد المجتمع وأي كيان كان في أي مكان وزمان ، في فرنسا يمنعون السيارات العسكرية والمظاهر العسكرية داخل المدن خوفا على إحساس ومشاعر الإنسان المدني لأن الإنسان عندهم أولا وبعدها تأتي باقي الأمور الإدارية ، لماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين ؟ لماذا الأنانية وحب السلطة والرغبات والشهوات مزروع في عقول بعض المسؤولين الذين همهم الأول والأخير ” أنا ” لماذا الضمائر تكون ميتة ، مخدرة ؟ لماذا لا يكون هناك تواصل أخلاقي بين العسكر والمواطن أساسه الحب والحرية والأمان والسلام ؟ هذه الأسئلة كانت كالمطر في ذهني تتلاطم وأنا واقف أمام  ” سيطرة بدرية ” التابعة لمحافظة دهوك حيث منعوا الناس من العبور ، سيارات بالعشرات والقلوب الهاربة بالآلاف قرب سواتر البيشمركة وهم القوات القتالية الخاصة لحماية كردستان تعد كلمة البيشمركة من الكلمات والمصطلحات المهمة والمقدسة عند الشعب الكردي ، إن هذه التسمية  تعني مضحيا بحياته ، نكران الذات ، تطلق على إنسان مضح بحياته من أجل حرية وحقوق شعبه العادلة فكان لسماع هذه الكلمة الوقع الصعب والمخيف لأي نظام دكتاتوري من أجهزة الأمن والاستخبارات والخونة ، من الناحية اللغوية تتكون التسمية من كلمتين بيش يعني أمام ومرك تعني الموت ” أمام الموت ” وهو تحدي الموت ، أما كيف تم اختيار هذه التسمية  ومتى فإن التاريخ يحدثنا إنه في إحدى أيام جمهورية مهاباد اجتمعت القيادة السياسية والعسكرية للجمهورية بقيادة الشهيد القاضي محمد لإيجاد تسمية تطلق على الرجال المقاتلين  فكثرت التسميات والمقترحات من جانب المشاركين منهم اقترح كلمة مقاتل أو فدائي وغيرها ، في تلك الأثناء دخل القاعة أحد رجال الخدمة حاملا مجموعة من أقداح الشاي للمشاركين واسمه ” احمد دسمال ” عند سماعه بموضوع المناقشة طلب من القاضي محمد أن يشارك في اختيار التسمية فاختار كلمة ” بيشمركة ” فوافق الحضور على هذه التسمية واتخذت من ذلك التاريخ رمزا للمناضلين الكورد ومورد حب وتقدير للشعب الكردي واحترامه ، هم ينتظرون الأوامر العليا لهؤلاء الناس الهاربة من جحيم الموصل التي هب من وراء الحدود وعندما طال الانتظار اجتمعنا   أنا وأولاد أختي الأربعة ناقشنا عدم تحمل النساء والأطفال حر الصيف قررنا العودة إلى منطقة ” تل كيف ” واخترنا بيت عديل بن أختي حسين نقيب بيشمركة يدعى ” فارس ” استقبلنا بحرارة عالية وابتسامة على وجهه بيت ذو طابقين وكان عددهم ثلاثة هو وزوجته وابنته ذات عمر ثلاث سنوات لكن تخيل اثنا عشر عائلة اجتمعت في بيته من أقاربه وأقارب زوجته إضافة إلى إلينا ، تحمل النقيب بيشمركة فارس بابتسامة لا تفارق وجهه ويردد دوما لكي يخفف وطئ الأزمة علينا :

أزمة ستمر إن شاء الله ..

كرمه ومعاملته ووده لا مثيل له يميل إلى أواصر الجماعة وتماسكهم وتراحمهم الذي يجسد الإيمان الكبير بالحياة والحب والتغيير ، الأزمات تجمع الناس على الرحمة والتعاطف والإنسانية وإن اختلفت الاتجاهات  والأفكار والأديان يدعون للتفاؤل والتمسك بحقائق الوجود ، فإن الفيض الإلهي ينزل في أرواحهم وقلوبهم ونفوسهم رغم الجدال الضمني حيث قال احدهم عند الجلوس معا :

هؤلاء الجماعات ربما يبقون شهر ويخرجون

الآخر رد عليه قائلا :

لا اعتقد ، إنها أزمة  محلية بل دولية قد تأخذ زمنا أطول ..

وقال آخر : تركنا بيوتنا وأموالنا ومحلاتنا لا بد أن نعود إليها .

وقلت في نفسي ، من سيحدد مصير هؤلاء الغرباء الذين أتوا غازين من وراء الحدود ؟ من يقف وراءهم ؟ من يمدهم بالسلاح والأموال ؟ وهل متفقون مع حكومة العراق ؟ من يدير ويخطط ويدبر هذه المأساة الإنسانية ؟ فلا يمكن هزيمة ثلاث فرق عسكرية بترسانتها العسكرية الحديثة بهذه السهولة مقابل عدد من الجماعات القليلة ، وإذا بصوت يصل أذني يقول :

أبو سيلين ما رأيك ..؟

قلت : هذه الجماعات لها مخطط عالمي بتوجيه بعض الدول الكبرى القريبة والبعيدة وبعض العرب والله اعلم .

وقال آخر : أضف إليهم إسرائيل المدللة

وبعد صمت قصير قلت لهم :

نسيتم نحن أيضا السبب ، سياسة الدولة وسوء إدارتها وتبعيتها لهذه الجهة وتلك وعدم الاستقلالية في اتخاذ القرار بل الركض وراء إرضاء هذا الطرف الدولي  أو ذاك ، وهذه مصيبة أعظم أتت بهذا الحال وخلق هذه الأزمة الإنسانية .

لم يكن الحوار سوى حالة من التنفس الفكري بين الحين والآخر ، لم ترغب هذه النفوس المجتمعة سوى العودة إلى ديارها وأعمالها ومر أسبوع ولم يتغير الحال فقررت بعض الأسر الذهاب إلى دهوك عن طريق الشيخان وفي الصباح حضرنا حقائبنا خمس سيارات متجهين إلى ” دهوك ” وعبرنا سهول ووديان إلى أن وصلنا سيطرة شيخان عبرنا ثلاث سيارات وأنا ضمنهم كون أنا وأختي وابن أختي نتحدث اللغة الكردية  ، ولادتنا دهوك أما السيارتان الباقيتان  فقد أوقفوهما لأنهما من أهل الموصل ونزلت من السيارة وحدثتهم لكن لم يقبلوا للضرورة الأمنية  ثم اتصلنا بنقيب بيشمركة فارس أسبوعا كاملا في بيته تحدث مع أفراد السيطرة ولم نسمع حديثهم ربما قال لهم هؤلاء الناس على ضمانتي أو شيئا من هذا القبيل ، وافقوا وعبرنا السيطرة جميعا إلى طريق  قرية ” بعذري – باعذري ” وبين الوديان والجبال الشاهقة بطريق يعلو شيئا فشيئا ، يشبه جسد التواء وانحناء الثعبان وعلى القمة العالية رأينا أضواء دهوك من بعيد وصلنا سيطرة دهوك وبعد أن تأكدوا من هوياتنا وبضمانة أخي أبو نبيل وأولاد أخي بالنسبة للذين يسكنون الموصل ضمنهم أخي الذي يسكن مدينة دهوك منذ عام 2004م  بعد ترك بيته في الموصل منطقة رأس الجادة بسبب الدخول الأمريكي والوضع غير المستقر في مكان عمله خاصة وخوفا على عائلته وأولاده  انتقل إلى دهوك ، ذهبنا إلى بيته في منطقة ” شندوخا ” على رابية عالية وجدنا خمس أسر من الأقرباء والأصدقاء في بيته ذي الطابقين بسبب أوضاع الموصل وغزوها من قبل داعش وجاءت تسمية داعش من الحروف الأولى ” دولة الإسلامية في العراق والشام ” ونحن سبع أسر ، أصبح عددها اثني عشرة عائلة واستقبلنا بروح إنسانية راقية .

 

 

*********************

انتظروا الفصل الثالث – دهوك المنطقة الآمنة

من رواية الإرهاب ودمار الحدباء