لا يمر يوم الا و نقرأ مقال أو بحث أو دراسة عن حدث تأريخي او معركة تأريخية أو واقعة تأريخية جرت أحداثها قبل مئات السنين ، ابطالها رموز لجهة معينة ، فقد أمتلئت مكتباتنا وصحفنا ومواقعنا بهذه البحوث ، وبالمقابل البحوث العلمية عندنا تقترب من الصفر ، يجلس الباحث التأريخي ليستنبط بعض العبر والدروس والدراسات والابحاث عن ذلك الحدث التأريخي ( العظيم ) ويعطي تحليلات خارقة للزمان وفوق الخيال ويعطي لشخوص ذلك الحدث صفات ملائكية وكأن التأريخ كله توقف عند ذلك الحدث ، ولولاه لما كان لنا وجود ، حتى صارت عندنا عدد الابحاث والدراسات تقدر بعشرات الالاف حول ذلك الحدث .. الملفت في الامر تجد في اسفل البحث او المقال اسم الكاتب وعنوانه الوظيفي ( باحث اعلامي او باحث ستراتيجي ) وطبعاً لا ننسى حرف (د ) الذي يضعه قبل اسمه للدلالة على علميته ومكانته لأن عنوان دكتور في مجتمعاتنا تعزز من قوة المقال حتى وأن كان المقال تافهاً . هذا الشيء أحببت أن أقارنه مع حدث عصري قريب وقع في الحرب العالمية الثانية عندما قامت القوة الجوية الامريكية بضرب مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين بالقنابل النووية ، بعد الضربة مباشرة استسلمت اليابان وبنفس الوقت سمحت اليابان منذ ذلك اليوم ولحد يومنا هذا لعشرات الالاف من الباحثين العلميين في مختلف الاختصاصات العلمية والتقنية والإنسانية والطبية والزراعية ومن جميع أنحاء العالم ( طبعاً العالم المتقدم علمياً ) لتقديم دراساتهم وابحاثهم حول الضربة النووية ومخلفات وتأثيرات القنبلة النووية والاشعاع النووي على الإنسان والحيوان والنبات والارض والسماء والمياه ، حتى قيل أن عدد البحوث لحد الآن قد تجاوزت أعدادها المائتي الف بحث وقسم منها على شكل أطروحات لنيل الشهادات العليا ، وقد علق أحد علماء الفيزياء النووية بقوله ( بقدر ما سببت ضربة هيروشيما وناكازاكي من ألم وكارثة إنسانية ، لكن بفضل هذه الضربة تقدم العلم أكثر من مائة سنة للأمام ) بفضل ضربة المدينتين اليابانيتين أصبحت معظم انواع الامراض السرطانية تحت السيطرة وعلاجها متيسر نتيجة البحوث المستمرة عن نتائج التأثيرات الاشعاعية على الإنسان والكائنات الاخرى التي سببتها ضربتي هيروشيما وناكازاكي ، بفضل تلك الضربة تقدم علم النفس عشرات السنين الى الأمام ، كل العلوم قفزت قفزات كبيرة الى الأمام بفضل الدراسات والابحاث التي خلفتها تلك الضربة النووية ، بمعنى أن دراسة الحدث والبحث فيه إذا كان مقروناً بطفرة علمية تخدم الإنسانية فهذا محل أفتخار لجميع الأجيال ، أما أنت أيها الباحث البطل الذي تتحدث وتقدم أبحاث ودراسات عن حادثة اجتماعية تقليدية في العرف القبلي العربي ، لا تمتلك عن تلك الحادثة التأريخية من معلومات سوى أربعة كلمات نقلها فلان عن فلان عن أبيه عن عمه عن جيرانه وتريد أن تقنعني وتقنع التأريخ الإنساني بأنك باحث ستجعل الحياة بأبحاثك وردية ، تأتيني ببحث ودراسة ليس فيها غير تفريغ لشحنات الحقد والكراهية ، ثم تريد بعد ذلك أن تجعل مجتمعنا بمصاف المجتمعات التي لها أبحاث ودراسات ، ماذا عساي أن أقول سوى الحسرات على هذه العقول التي دمرت نفسها ودمرت من حولها . أرحموا أنفسكم وأرحموا مجتمعاتكم ، فقد صارت عوراتنا تسلية للشعوب .
أن حادثة غرق سفينة تايتانك ، أو سقوط طائرة مدنية ، أو كارثة طبيعية ، قديماً وحديثاً طالما أثارها باقية تخرج ألينا عقول بابحاث ودراسات غير منقطعة لمعرفة العوامل التي ادت لتلك الاحداث وظروف وقوعها كي لا تتكرر ثانية ويتم تطوير السبل لتجنب حصول الكوارث وكلما تطورت التكنلوجيا عادوا لدراسة وبحث تلك الحوادث التي مازالت أثارها باقية ، وهكذا هي دراسات الاوبئة والحروب وغيرها ، ليس الغرض من الابحاث عند هؤلاء العلماء أثبات القوة او أثبات علو القدم او أثبات صواب المعتقد ، بل الهدف تطوير الإنسان وتطوير مقومات بناء الإنسان وتوفير الحصانة له ضد تكرار الخطأ ، يعني بشكل مختصر كل بحث او دراسة تضيف فائدة ملموسة وتدفع عجلة الحياة للأمام نستطيع تسميتها دراسة او بحث ، لكن قل لي بربك ما هي الفائدة الملموسة من ابحاثكم حول ذلك الحدث التأريخي الذي تعيدون صياغته باستمرار وتضيفون له صبغات عاطفية ؟ فهل تظنون أن خداع النفس وخداع الناس هو مكسب ؟
دعونا نعيش ونعمل بشكل صحيح ، بشكل نجعل أجيالنا تنظر بعين التفاؤل للمستقبل ، عندما نكتب بحث او دراسة نريد منها ان تتلاقفها العقول لما فيها من خير ومن تحفيز للطاقات الكامنة بحيث تكون لذة للعقل وعطاء للمجتمع ، لكنني أظن ان حاجتكم للحياء أصبحت لها ضرورة قصوى وأهمية جدية أكثر من أن تخوضوا في ابحاثكم الميتة ! فكفى تلاعباً بعقول الناس وكفى مهازلا .
كم كنت اتمنى هكذا مواضيع يدرس كتربيه اجتماعيه في كل المراحل لمدارس الاقليم من أجل الحصول على شباب واعي ومسلح بالفكر الصالح وبالثقافه العاليه . وهنا نتساءل ايه تربيه وطنيه واجتماعيه تتصدر للتعليم من وزارتنا المؤقره للتربيه،،،،،وبلا شك هو الافتخار بالماضي المؤلم من ((مكه الى الرقه))) ….دمتم
السيد خدر
نشكر حضورك الطيب ، ورأيك السديد ، تحياتي