في بداية هذا القسم أرى بانه يتوجب علينا التذكير بأكثر العناوين ولأهم المراحل المؤثرة وكانت وكانت أيضا حاسمة في مجريات القضايا التي مرت بها السلطنة العثمانية ، وسأتجاوز هنا الثورات المحلية على الرغم من أهميتها ، وإن كنا قد استعرضناها سابقا في ملف ( ومن جديد : المظلومية الكردية ) , ومع هذا وبعجالة سريعة – أرى ضرورة التذكير – بمعركتي مرج دابق 1516 و جالديران عام 1517 واللتين تتماسان تحديدا مع التقسيم الفعلي لكردستان ، هذه من جهة ، كما والعديد من الثورات والإنتفاضات الكردية في القسمين المحتلتين كانتا وأعني بهما الدولة الفارسية والعثمانية ، والتي أيضا استعرضناها بعجالة ، وهنا سيكون المحور الأهم الذي – إرتأيت التركيز عليها هو : مرحلة مابعد قدوم جيش محمد علي والي مصر إلى المنطقة التي اصطلح بتسميته بلاد الشام ومن ثم سيطرته على ما يعرف بفلسطين ولبنان والأردن الحالية وصولا إلى دمشق لتتوقف هناك ، مع التذكير بوجود قوات ( سنسميها بالكردية ) بقيادة إبراهيم باشا المللي ، كانت قد توجهت ايضا ووصلت الى العمق السوري ، ذلك الأمر الذي أرعب الدول الأوروبية ، وجاء التدخل لمنع تقدمها شمالا ومن ثم التفاوض وإيجاد صيغة ارضت بعضا من طموحات محمد علي باشا ، وهناك نقطة أخرى مهمة يتوجب الوقوف عندها في هذا الجانب ، فقد برزت هناك أمر هام وجاد ، وقفت عندها الدول الأوروبية باهتمام وتمثل في ( بروز تخوف أوروبي حقيقي من إمكانية إعلان روسيا القيصرية الحرب على الدولة العثمانية وتدميرها على غرار ما قام به نابليون حينها ) . والوثائق التاريخية ومن مصادرها تؤكد على امور حيوية كثيرة ، هذه الوثائق وبنتائجها ، وجهت الدول الأوروبية وجعلتها لتقف عندها وتركز عليها وبالتالي تتابعها بشدة ، وكانت هناك دائما ردات فعل وتخوف كبيرين من سياسات العثمانيين البنيوية في عدم تجاوزها البتة ، وظلت جامدة وتمثلت بشكل كبير بأمور ارتبطت وورثت من جيل إلى آخر وذلك عن أصولهم وما اشتهروا بها : ( فهم عصب نهب وخراب ، وثراؤهم ناشيء من استيلائهم على ثروات الغير ، وعلى العبيد الذين يخدمون في القوات العثمانية ويرتقون في المناصب ) . ومع بدايات القرن العشرين ، ومعها ازدياد التوترات وبروز قوى عالمية جديدة ومعها اتساع حزم الصراعات ، طفت تلك الامور الى العلن ، وخاصة في بريطانية ففي ( .. وقت سابق من عام 1914 كان سير مايك سايكس عضو مجلس العموم البريطاني من حزب المحافظين قد حذر المجلس ” …. صح …أن إختفاء الإمبراطورية العثمانية هو الخطوة الأولى حتما نحو اختفاء امبراطوريتنا ) * ولهذا كان شعور غالبية المتنفذين البريطانيين ورأيهم يتركز في ( ان المحافظة على وحدة أراضي الإمبراطورية العثمانية امر يهم بريطانية وأوروبا ، ولكن الحكومة البريطانية سارت في اقل من مائة يوم في خط معاكس تماما لسياسة عمرها اكثر من 100 عام وأخذت تسعى لتدمير الإمبراطورية .. )1 ، وقد اعتبر البريطانيون حينها ذلك الأمر على أن قرار العثمانيين بالإنخراط في الحرب عدت الخطوة الأولى ( على طريق إعادة تشكيل الشرق الأوسط الحديث ) 2 . وهذا الامر أعاد إلى الأذهان ذاتها الفرضية المتعلقة بتلك البقعة والتي اتخذها الأوروبيون على مدى قرون ( … أن مصير الشرق الأوسط بعد انتهاء الإمبراطورية العثمانية ستقرره دولة او أكثر من عدة دول أوروبية ، وبناءا عليه فقد كان جل ما رإه البريطانيون في عام 1914 وبوضوح تام هو أن دخول العثمانيين الحرب يمثل الخطوة الأولى على طريق إعادة تشكيل … الشرق الاوسط الحديث ) 3 ، وبناءا على ذلك ، يمكننا التأكيد بأنه وحتى فترة قريبة من هذا التاريخ على أن علاقة البريطانيين مع الشريف حسين لم تكن قد ارتقت وإن بداية التواصل معه كانت في خاصية أخرى عنت فقط في زاوية حض الشريف حسين بالإمتناع عن إمداد الجيش العثماني بالجمال والمؤن والأرزاق و .. دامت لاحقا كغطاء لاستمرارية التواصل ، هذا التواصل الذي كان يتم عبر المعتمد البريطاني والمهاجرين العرب في القاهرة ، أما أولئك العرب المنفيين من الإمبراطورية العثمانية ، فقد تابعوا البحث الذي ظل مستمرا منذ عقود ، وبشكل خاص حول موضوع من هي الشعوب الناطقة بالعربية في الإمبراطورية العثمانية ، أو ممن تتكون وتشمل ؟ . وكذلك مسألة الهوية الوطنية هذه والتي كانت مدار أحاديث ونقاشات تجري في مقاهي دمشق وبيروت ، وكذلك في أوساط الطلبة في باريس ، هذه الأمور أدت ومنذ بداية القرن ال 19 لتأسيس أندية مختلفة التوجه وتعددت مجالاتها من أدبية إلى جمعيات سرية متنوعة ضمن نطاق الإمبراطورية ، وقد دأب العرب المنفيون في القاهرة وكمنهج في الرد على سياسات حكومة حزب تركيا الفتاة ، والتي مارست سطوتها وهيمنتها على اغلبية سكان الإمبراطورية ، وبالأرقام فقد طالب المنفيون العرب بأن يكون لنسبة 60% من غير الترك دورا أكبر في إدارة الدولة ونسبة أعلى في المناصب الحكومية ، وكذلك نسبة مئوية توازي ما حصل عليه الناطقون بالتركية 4 . وفي الجانب السياسي : فقد وصفوا بالإنفصاليين ، بالرغم ( من أنهم لم يطالبوا بالإستقلال ، بل طالبوا بقدر أكبر وأوسع ضمن إطار الفدرالية .. وبالمشاركة في الحكم المحلي مع تاكيدهم ان يكون الحكم تركيا لدرجة كبيرة كونهم مسلمون أيضا … وفقط فئة قليلة من الأشخاص كانوا منافحين نشيطين عن القومية العربية باعتبارهم أعضاء ومن النشطاء في جمعيات انفصالية قومية عربية .. ) 5 . وكخطوة أولية من الجانب البريطاني أرسل السير كتشنر برقية من وزارة المالية في لندن إلى مقر المعتمد البريطاني في القاهرة ليرسل جوابا إلى الأمير عبدالله بن الشريف حسين بأنه إذا ( .. ساعدت الأمة العربية إنكلترا في هذه الحرب التي فرضتها عليها تركيا ، ستسعى إنكلترا لعدم حدوث تدخل داخل شبه الجزيرة العربية ، وستقدم للعرب كل مساعدة ضد العدوان الخارجي والقصد – كان واضحا – بأن العرب كان معنيا بهم من هم في شبه الجزيرة .. ) وبعبارة اخرى إذا ما حرر زعماء شبه الجزيرة العربية منطقتهم من السلطان العثماني واعلنوا استقلالهم فستساعدهم بريطانية على حماية انفسهم ضد اي غزو من الخارج *6 . وما لبث كيتشنر ومع الأيام أن كشف عن مخططه الشامل للشرق الأوسط في زمن ما بعد الحرب ، والذي قضى بأن تسيطر بريطانية انطلاقا من جزيرة قبرص التي كانت قد ضمتها كنقطة على طريق برية إلى الهند وذلك لدواعي حمايتها من المساعي الفرنسية او الروسية لقطع هذا الطريق ، وبموجب خطة وزير الحرب كان على بريطانية ان تستولي على إسكندرون مقابل قبرص ، ومن ثم بناء خط حديدي يمتد إلى ولايات بلاد الرافدين – كردستان – والعراق ) .. ، وكان هناك اعتقاد عام .. أن ولايات بلاد الرافدين تحتوي على احتياطي كبير من النفط ، وقد اعتبر تشرشل والأميرالية هذا الإحتياطي إضافة إلى مشاريع زراعية مروية وذلك بالإستفادة من مياه نهري دجلة والفرات .. وإضافة إلى تلك المشاريع فقد أعد سير آرثر هيزل من وزارة شؤون الهند مذكرة مماثلة مع اختلاف هام : فقد حث على دمج ولايات بلاد الرافدين – كردستان – في إمبراطورية الهند … وبموجب خطته كان سيعهد بإدارة المنطقة إلى حكومة الهند والولاية عليها لوزارة شؤون الهند … الامر الذي اوضح بوجود قوتين متنافستين في لندن * 7 . ولم تلبث أن ظهرت مؤشرات دلت على انه كان هناك عمل دؤوب توضح في تاريخ 26 – 8 – 1915’وبان من خلال رسالة وجهت من حاكم السودان العام إلى حاكم الهند العام جاء فيه حرفيا ( .. أرى انه ليس بالأمر المستحيل أن يقوم في وقت ما من المستقبل إتحاد فيدرالي لدول عربية شبه مستقلة بتوجيه وتأييد أوروبيين ، وتكون مدينة بالولاء الروحي لرأس عربي ، وتتطلع إلى بريطانية على أنها ولية أمرها وحامينها … ) *8 – يتبع
….
هوامش :
* من كتاب ( سلام ما بعده سلام .. ولادة الشرق الأوسط 1914′- 1922 تأليف دافيد فرومكين ترجمة أسعد كامل إلياس إصدار مؤسسة الريس للكتب والنشر
1 – ذات المصدر السابق صفحة 83
2 – ذات المصدر وصفحة 84
3 – المصدر ذاته ص 84
4 – المصدر ذاته ص 113 و 114
5 – المصدر ذاته ص 115
6 – الصفحة 115 من ذات المصدر
7 – المصدر ذاته ص 155
8 – من كتاب ( في المتاهة العربية .. الإنكليزية ص 43 ،، كدوري )