الكورد ما بين الثقة والاستراتيجية – د. محمود عباس

 

ثق بنفسك، فنحن اليوم قوة لا يمكن تجاوزها، ليس فقط في سوريا، بل في الشرق الأوسط بأسره. ولهذا السبب نجد أن التركيز الإعلامي علينا يتزايد، سواء كان بدعم إيجابي أو بعداء مستفحل، وهو ما يعكس حقيقة دورنا ومكانتنا في هذه المنطقة.

علينا أن ندرك جيداً أنه لا توجد قوة أو منظمة أو حتى دولة في الشرق الأوسط تحظى بالدعم الدولي الذي تحظى به القوى الكوردية في غرب وجنوب كوردستان. لذلك، يجب علينا أن نكون على مستوى هذا الاهتمام، وأن نرتقي لرؤية العالم لنا. فهم يعلمون أن لدينا إمكانيات خام استثنائية، سواء من حيث الاقتصاد، أو الديموغرافيا، أو الجغرافيا، بالإضافة إلى ثقافتنا المدنية والحضارية، ومرونتنا في التعامل مع القوى الديمقراطية. فنحن شعب لا يزال يحتفظ بالكثير من القيم الإنسانية، واحترام الشعوب المجاورة، على الرغم من العقود الطويلة من القهر والظلم والاستبداد، والعيش تحت احتلال من أكثر الأنظمة وحشية في العالم.

العالم من حولنا يدرك، وعلينا أن ندرك أيضاً، أن الوجود الأمريكي وقوات التحالف في غربي كوردستان، ودعمهم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية، يندرج ضمن استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد في الشرق الأوسط، والتي تتضمن:

  • منع تحول سوريا إلى دولة متطرفة: يشمل ذلك الحفاظ على الأمن الداخلي للولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، حتى ولو ظلت سوريا إسلامية لفترة انتقالية.
  • منع عودة تنظيم داعش أو توسع خلاياه النائمة المنتشرة بكثرة في بادية سوريا وضمن السجون والمخيمات التي تقع تحت سيطرة قوات قسد والإدارة الذاتية.
  • منع عودة الميليشيات الإيرانية إلى المنطقة، وقطع الطريق أمام احتمالية عودة النفوذ الروسي.
  • الحد من التوسع التركي: يشمل ذلك مواجهة المنظمات الإسلامية المتطرفة التي تشكل خطراً على أمن أوروبا وأمريكا وإسرائيل، بما لا يقل عن خطر تنظيم داعش.

في ضوء هذه الاستراتيجية، نأمل أن تحافظ الإدارة الأمريكية الجديدة، إدارة دونالد ترامب، والحزب الجمهوري، بالإضافة إلى الدول الأوروبية المعنية بالأمر وإسرائيل، على استمرارية دعمها للكورد سياسياً واقتصادياً، إلى جانب البعد العسكري. كما نأمل أن تستمر في الاقتناع بما يطرحه خبراؤها العسكريون والسياسيون بشأن أهمية دعم الكورد كشعب ومساندة قواتهم.

كما نأمل من الأنظمة المحتلة لكوردستان أن تتخلى عن سياساتها العنصرية والقائمة على الكراهية والحقد تجاه أمتنا المسالمة، وأن تسلك طريق الحوار والتفاهم لمعالجة قضيتنا بالطرق السلمية والديمقراطية، بعيداً عن أساليب القمع والعداء.

ونتطلع إلى أن تتحرر الشعوب المجاورة، التي نتشارك معها تاريخاً طويلاً من العيش المشترك، من الصور النمطية العدائية تجاه شعبنا. كما نأمل أن تدرك أن كوردستان، سواء كدولة حرة أو كنظام فيدرالي، ستكون مصدر خير وتقدم لهم وللمنطقة بأسرها. إن ظهور كوردستان ككيان حر ومستقل لن يعزز فقط من رفاهية الكورد، بل سيشكل أيضاً ركيزة لحياة أفضل وأرقى لجميع الشعوب المحيطة.

على الكورد بشكل عام، وفي غربي كوردستان بشكل خاص، وعلى الإدارة الذاتية وقوات قسد، أن يثقوا بأنفسهم وبمكانتهم. فحتى إذا خسروا بعض المعارك، فإنهم لن يخسروا الحرب أو السيطرة على المنطقة، لأن خسارتهم ستكون خسارة للولايات المتحدة وأوروبا، وتهديداً مباشراً لمصالحها وأمنها، كما وستؤدي إلى ديمومة الصراع بين الشعوب والأنظمة الدكتاتورية في المنطقة.

أتمنى من الحراك الكوردي بكل أطيافه أن يدرك هذه الحقائق، وأن يعمل على تحقيق التآلف والتقارب، حتى ولو على أبسط الشروط، لأن الوحدة هي السبيل لمواجهة التحديات المستقبلية.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

19/1/2025

One Comment on “الكورد ما بين الثقة والاستراتيجية – د. محمود عباس”

  1. تحية طيبة و جميلة لكم د. محمود عباس المحترم

    مما لا شك فيه بات اليوم ان قرار حكومة سوريا الجديدة (هيئة تحرير الشام) بات في قسم كبير منه في يد اﻻتراك، و هذه الحكومة اليوم تلعب نفس لعبة حكومة الديكتاتور السابق بشار اﻻسد عندما كان يدعم تركيا للضغط على الكورد من اجل ان يلتجؤوا الى دمشق و يرضخوا لشروط الاسد انذاك.
    و اليوم يبدو. ان المشهد يتكرر فقط مع تبديل الجوﻻني بمكان اﻻسد، فالجوﻻني اليوم يضغط على اﻻسد من خلال تركيا، حتى يشرط شروطه في دمج قوات سوريا الديمقراطية كافراد ضمن الجيش السوري الجديد (او اﻻصح و اﻻدق جيش الجوﻻني و الهيئة بعد تغير اﻻسماء و الملابس و حلق القليل من اللحى).
    لذلك يترك الجوﻻني كتائب المعارضة السورية التابعة لتركيا (الجيش الوطني السوري) او ما بات يعرف في الوسط الشعبي باسم (السوركين السياسيين و سوراكجي للمرتزقو المقاتلين) ، بان يصفي الحساب بينهم و بين قسد ، فاضعاف كليهما هي من مصلحة الجوﻻني في النهاية، وان اقتضت الحاجة و دعت الضرورة فان الجوﻻني سوف يرسله جيشه و كتائبه العسكرية (و على الاغلب اظن تحت اسم الجيش الوطني و ليس تحت اسم الهيئة) حتى تستمر هذه الحرب.
    و تركيا في هذا الصراع ﻻ تخسر شيئا ابدا ، بل تقوم بتصفية العناصر الغير مرعوبة فيها في المرحلة المقبلة و التخلص منهم و طمس الملفات الجنائية و جرائم الحرب معهم ايضا ، تحت اسم اعمال و تصرفات فردية من قبل بعض العناصر .

    و لكن هنا لدي سؤال اطرحه عليكم وعلى كل شخص يقراء التعليق:
    لماذا ﻻ تقدم اﻻدارة الذاتية طلبا رسميا مباشرا الى حكومة دولة اسرائيل ضمن استراتيجية دفاع و حماية مصالح مشتركة لكلا الجانبين من خطر و تهديد وجودي ، وذلك أسوة بالجيش الوطني السوري الذي تحالف مع تركيا في دفاع مشترك من اجل مصالح كلتا الجهتين، والتي يبدو ان هيئة تحرير الشام هي اﻻخرة باتت تسعى مؤخرا في الدخول الى دفاع مشترك مع تركيا او لنقل بانه على اﻻقل نصف دفاع حتى اﻻن .. ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *