لم يكن الذين خانوا من أهل الحب . هذا ما يمكن أن يقال عن أبسط المشاعر المبتورة في العلاقات ، التشكيك بصدق الاحساس او وجوده من الأساس . هل كان حقيقيا أم كيمياء في الدماغ فرضها اعجاب بنوعية العطر وتسريحة الشعر أم رغبة بالتعرف على شخص يشاركنا الفراغ حتى نهرب من انكارنا لذواتنا ونتمسك به هربا من الطَوَفَان في العدم .
الحب احساس و العاطفه حاجة ولكن ماذا لو وجد الإحساس لكن اختفى الاكتفاء من الحاجة كأن يحب أحدهم لكنه يرفض أن يكون الطرف المعطي ، لا يجتهد في المبادرة ، لا يتحسس مواضع الإشباع عند شريكه ولا يفكر إلا في دراما قيس وليلى او تضحيات عنتر وعبله أو تجهيزات عرس اسطوري . ماذا لو كان الحبيب يتغذى على ألمك ويستنزف وقتك ومشاعرك ويترك اسمك على أوراق مغامراته تحت بند الذكريات .
الحاجة قد تسقط بك في يد نرجسي أو آخر لا يقدر قيمتك أيا كانت العلة النفسية التي يحملها بوعي أو بدونه .
من هنا تبدأ أمنياتك تتحطم على صخور هجره وصمته وابتعاده وقلة تقديره . وتغمرك اللحظات التي لا تعرف فيها كيف تطلب حاجتك من شخص قال مسبقا أنه يحبك . أين الحب من كل هذا ؟
وتضطر آسفاَ أن تحكم على رغباتك بأن تعدم على مقصلة الصبر وتعيش من أجل الحياة وتهرب من إعلان خيبتك مع الشخص الذي ظننت أنه توأم روحك .
تظهر هذه المشاكل في العلاقات عند الشريك القلق الذي لا بد أن يقع بشريك تجنبي أو أحدهم يتبنى دور المنقذ ويحاول اصلاح الآخر والخروج من مأزق الفتور لكنه يفنى ولا تفنى المشكلة عند غياب المعرفة والسعي خلف العلاج .
ولهذا يغشى الشعور قلمي ويطلبه حثيثا للكتابة مع انطلاق الاسئلة في فضاء افكاري عن الوجود الإنساني المفطور على الترابط . لماذا خلق الله فينا هرمون ( الاكسيتوسين ) وخلق حولنا أشخاص شحيحٌ وِدْهُم حتى عندما نرجو قربهم نتألم أكثر .
يعاني الأشخاص العاطفيين من شركاء لا يقيمون للحب وزنا لأن البراغماتية تطغى على سلوكهم . ويدركنا في هذا السطر مضمون المقال حول معرفة العلامات البارزة في تعاملهم وكيف نتجنبها ؟
نعرف اولا الشخص العاطفي بأنه يقدس التواصل البصري ، اللفظي ويتغذى على التلامس ويطمئن به . ويقابله الشريك المتجنب المتحفظ على هذا النوع من التواصل نتيجة حرمانه في المراحل الأولى من الطفولة وكما يقال _ فاقد الشيء لا يعطيه _ أما الشريك النرجسي يحاول العطاء في الحدود التي تبقي شريكه تحت وطأة العوز ويبتز هذه الرغبة في خدمة مصالحه ولتأديب ضحاياه وامتلاكهم تحت سطوته وهذا ليس ذكاء أو قوة بل مرض مستعصي الشفاء .
في المراحل الأولى لأي علاقة يجب أن تعيشها بقلب الراغب لكن بعقل المفتش وأسأل نفسك ما أول ذكرى لي عن الحب أو العلاقة العاطفية في الطفولة؟ وكيف شعرت حينها؟
تأمل اجابتك ومنها تحدد الصورة الاصلية لفهمك للحب وأدرس مشاعرك حينها .
ثم أسأل هل أختار شركائي بناءً على ما أحتاجه حقًا، أم على ما اعتدت عليه أو ما يبدو مألوفًا وساهم المجتمع في برمجتي عليه ؟
تأمل أيضا لتفرق بين الحب الواعي والرغبة في مواكبة القطيع . واسأل ايضا هل أعيش الحب كشعور حرّ وصادق، أم كواجب و وسيلة لأثبت ذاتي ؟
هذا السؤال يحدد أن كنت مكتمل بذاتك ويمكنك تبادل العطاء بطريقة متوازنة وصحية أو تكمله بالاخرين وهذا يجعلك الطرف المتسول في العلاقة .
كلما اكتشفت ذاتك زاد فهمك لرغباتك وعرفت الصورة التي ترضيك عن الشريك ثم تختاره بعناية ووعي لا لتكتمل به بل لتكمل حياتك معه .
في كل تجربة حب كان محركها الرغبة في إيجاد القبول من الآخرين سترتدي من أجلها كل ثياب المهرجين حتى تحظى بالنظرة والابتسامة ولن تكتفي حتى لو عاقرت الذل والاهانة كمشروب روحي لرؤية نفسك في موضع المحبوب .
لا أحبذ فكرة التطرق للطفل الداخلي لأن الأشخاص متفاوتون في قدرتهم على مواجهة الماضي . إن كنت الشجاع فأنت ممن يتعافى الآن لينتقل الى مستوى اعلى من الرؤية وينكشف أمامه العميق والسطحي . أما الخائف سيبقى أسير للشراكات الزوجية المبنية على الأفكار المجتمعية المقلوبة . لقد تلاشت فكرة الزوجة الحاضنة لكل المشاعر عندما صدًر كثير من الرجال سلوك الإهمال والتجفيف . لم تعد الأدوار صحيحة ويرتدي كلا منهم ثوب الآخر حتى صار الرجل أو المرأة أصحاب العاطفة والحنان مخلوقات تائهه لا تستطيع تغيير موجة التجارب المرتفعة بين جموع المتزوجين سابقا وحاضرا نظرا لكثرة الجروح والحدود ولأن الفشل تفشى بين القلوب ثم لم يبقى أحد إلا ويستأثر بألم عميق ويتلقف ثقته بنفسه كلما حاول الصمود والبدء من جديد . ولا ملامة أو حكم لأن الطعنات العميقة لا ينجو منها أحد .
يرى البعض أن الحب جواز العبور إلى المحرمات ، ويرى آخرون أنه أكذوبة تسويق للهدايا والفلانتاين ، ويرى شريحة كبيرة من المتزمتين أنه شعور تخلقه العشرة من العدم بين شريكين لم يكن أحدهم يوما كفوا للآخر .
وأرى أن الحب يحتاج روحا متوقدة وقلبا معطاء ونفسا تُشْرِك مع حب نفسها حب كل شيء . وتبني بيت المودة على أسس الاهتمام
وتحيا تحت راية الكرامة والتقدير . الحب إقامة طويلة المدى تحت مظلة الوفاء مهما تغيرت الأزمان وتبدلت الأحوال .
إن الإنسان كائن مستأنس وإن لم تكن تسعى للأنس وتنمو به فأنت خارج الانسانية ويمكنك ضم نفسك لأي مملكة حيوانية أقل من الثدييات وقبل أن تختار تذكر أن كل العوالم تعيش أزواجا وهذه السُنة الإلهية درس في البناء والأعمار خلقه الله حولك حين اختار أن تكون خليفته في الأرض . فلنتفكر وتُبصِر .