تم حل حزب العمال الكوردستاني و ليس فقط القاء السلاح: محاولات التهرب من الحقيقة – هشام عقراوي

في خطوة تاريخية وغير مسبوقة، أعلن حزب العمال الكوردستاني (PKK) خلال مؤتمره الثاني عشر حل نفسه بشكل نهائي، وليس فقط إنهاء نضاله المسلح أو تغيير نهجه السياسي. هذا القرار، الذي جاء استجابة لتوجيهات زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان ، يمثل نقطة تحول جذرية في تاريخ الحزب وفي القضية الكوردية بشكل عام. ومع ذلك، فإن فهم هذا القرار يتطلب قراءة دقيقة للواقع، بعيدًا عن التبريرات التي قد تغطي على الحقائق المرّة التي يحاول البعض من المثقفين و السياسيين الكورد أخفاءها.

ما قاله البيان: حل نهائي وليست مجرد تغيير نهج
البيان الصادر عن المؤتمر كان واضحًا ومباشرًا: حزب العمال الكردستاني لم يعد موجودًا ككيان تنظيمي . لا لجنة مركزية ولا هيكل قيادي ولا أي إطار تنظيمي آخر. هذا يعني أن الحزب اختفى تمامًا من المشهد السياسي والعسكري، ولم يعد بإمكانه العمل تحت اسم “حزب العمال الكوردستاني”.

البيان أكد أيضًا أن الشعب الكوردي سيتبنى عملية السلام والمجتمع الديمقراطي بطريقة أكثر وعيًا وتنظيمًا. وبالتالي، فإن المسؤولية الآن تنتقل إلى الشعب لمواصلة النضال، ولكن ضمن إطار ديمقراطي ومنظم، وليس تحت مسمى حزب العمال الكوردستاني المنحل. هذه الخطوة تعكس رغبة في إحداث قطيعة مع الماضي واستبدال النضال المسلح بنضال سياسي سلمي. و لكن على الجميع الاعتراف بهذه الحقيقة.

أسباب الحل: دور أوجلان والضغوط الخارجية

يبدو أن قرار الحل جاء بناءً على توجيه مباشر من عبد الله أوجلان ، الذي يقضي حوالي 26 سنة في السجن.
هذا القرار قد يكون محاولة من أوجلان لإعادة تشكيل القضية الكوردية بطريقة جديدة تتناسب مع الظروف الإقليمية والدولية الحالية.
فالحرب مستمرة منذ عقود ضد تركيا من قبل حزب العمال الكوردستاني المنحل و ألحقت الحرب أضرارًا كبيرة بالكورد في جميع أنحاء كوردستان، بما في ذلك سوريا والعراق و ليس فقط بالمقاتلين من أعضاء الحزب.
وضع الحزب في قائمة الارهاب و عدم الحصول على تأييد غربي و دولي خاصة من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا، قد تكون دفعت الحزب إلى اتخاذ هذا القرار كوسيلة لتخفيف التوترات وفتح صفحة جديدة.
التحدي الزمني لأوجلان:
أوجلان بلغ من الكبر عتياً، وهو يحاول ربما ترك إرث سياسي قبل أن ينتهي عمره. لكن هذا لا يعني أن  هذا الحل هو الخيار الأمثل، فقد يؤدي إلى إضعاف القضية الكوردية إذا لم يتم التعامل معه بحذر.فالمؤتمرون و المجتمعون في قاعة المؤتمر الثاني عشر كانوا يقولون شيئا و وجوههم كانت تقول شيئا اخر.
الصور والفيديوهات التي رأيناها في المؤتمر تكشف عدم الرضا الكامل عن القرار. الحديث عن الاستمرار في النضال السياسي “كمجموعة” وليس كأفراد يشير إلى أن هناك رغبة في الحفاظ على هوية التنظيم، حتى بعد حل الحزب. أو لربما يريدون تضليل المواطن الكوردي البسيط و الذي كانوا جزءا من معانات تلك الحرب.

بعض الكورد، سواء من الموالين أو غير الموالين للحزب، ما زالوا يتحدثون عن الأمر وكأنه مجرد “إنهاء للصراع المسلح”، وليس حل للحزب. هذا النكران للحقيقة يمنعهم من البحث عن حلول استراتيجية جديدة للقضية الكردية.

هل  فعلا انتهى زمن الكفاح المسلح؟

تجارب أخرى في المنطقة تقول شيئا اخر فعلى الرغم من أن البعض يبرر قرار الحل بأن زمن الكفاح المسلح قد انتهى، إلا أن التجارب الإقليمية تثبت عكس ذلك. الجولاني في سوريا وصل إلى السلطة عبر “الارهاب المسلح” و ليس حتى عبر النضال المسلح النظيف، وكذلك الحال بالنسبة للحوثيين في اليمن و غيرها من الحركات المتطرفة التي وصلت الى السلطة عن طريق الحرب و صار رؤساء كبرى دول العالم يستقبلونهم. اذن الخلل هو ليس في الكفاح المسلح بل في ظروف الحرب الكوردستانية. هذه الأمثلة تشير إلى أن الكفاح المسلح لا يزال وسيلة فعالة في بعض السياقات.
الظروف الحالية:
نحن على علم بأن الكفاح المسلح ضد تركيا في الظروف الحالية غير مجدي أبدا، خاصة مع التدخلات الدولية والإقليمية و أيقافها أمر عقلاني كبير. فالحرب المُسلحة لم تؤثر فقط على الكورد في تركيا، بل ألحقت الضرر بجميع أجزاء كوردستان.

قرار حل حزب العمال الكوردستاني قد يكون محاولة من أوجلان لإعطاء دفعة جديدة للقضية الكوردية عبر تغيير الأسلوب والنظام، لكنه أيضًا يعكس ضغطًا كبيرًا على الحزب بسبب الظروف الإقليمية والدولية. أي أن القرار لم يأتي نتيجة أيمان بحقيقة أن النضال المسلح غير مجدي بل أن القرار جاء نتيجة محاصرة القرارات الكوردية و وصول الكورد الى مرحلة العداء الداخلي المميت.

الحزب قدم آلاف الشهداء على مدى عقود من النضال المسلح. قرار الحل الآن قد يُنظر إليه على أنه “إهدار” لتلك التضحيات إذا لم يتم استبداله بنهج جديد فعال لتحقيق الأهداف. و هذا النهج سوف لن يأتي من خلال أنكار الحقائق. فتصريحات الكثير من السياسيين الكورد توحي بأن الكورد في تركيا و مؤيدوا و أعضاء حزب العمال الكوردستاني المنحل قد يقومون  بتشكيل حزب جديد تحت اسم مختلف، أو الانضمام إلى أحزاب قائمة في تركيا. لكن هذا يتطلب استراتيجية واضحة وهوية سياسية جديدة تختلف عن نهج حزب العمال الكردستاني القديم.

لتحقيق أهداف الشعب الكردي، يجب على الكورد:

الاعتراف بالواقع: يجب الاعتراف بأن الحزب لم يعد موجودًا، وأن الحرب المُسلحة ضد تركيا في الظروف الحالية ليست خيارًا مثمرًا.
التوجه نحو الديمقراطية مع الكورد أولا: التركيز يجب أن يكون على العمل السياسي السلمي، مع الحفاظ على الأهداف الأساسية للشعب الكوردي و في بدايتها أتباع نهج ديمقراطي مع الكورد و الاحزاب الكوردية نفسها قبل اتباعها مع الاحزاب التركية.
تجنب الهروب من الحقائق: الهروب من الواقع لن يؤدي إلا إلى تكرار الأخطاء السابقة، ويجب البحث عن حلول استراتيجية جديدة.

قرار حل حزب العمال الكردستاني ليس مجرد تغيير في النهج أو القاء للسلاح كما يروج لها البعض، بل هو نهاية لمرحلة طويلة من النضال المسلح و الحرب و هي نهاية و موت للحزب. الكورد بحاجة إلى الاعتراف بالواقع والبحث عن حلول جديدة لتحقيق أهدافهم. الحديث عن هذه الحقائق هو تأكيد بأن التهج السلمي بالنسبة للكورد و في هذا الظرف و المرحلة هو الاهم و ليس النهج المسلح و لكن لا يمكن للكورد تعميم هذا النهج على جميع أجزاء كوردستان. قرار حل الحزب يجب أن يشمل حزبا واحدا فقط و هو حزب العمال الكوردستاني و القاء السلاح يجب أن يكون محصورا على حزب العمال الكوردستاني واي حزب مسلح اخر يعمل في تركيا. بكلمة اخرى على الكورد أعلان السلام مع تركيا ليس قناعة بعدالة الحكم بل كأعتراف بأمر واقع و بقوة دولة تستطيع تغيير السياسة الامريكية و حتى الاسرائلية أما عن تأثير تركيا على الدول العربية فحدث.

هذا النهج  الجديد بحل حزب العمال الكوردستاني و أعلان جميع الكورد  للسلام مع تركيا حتى لو كان سلام الشجعان لا يعني أبدا بأن الاجزاء الاخرى من كوردستان سوف تكون بأمان أو سيتم الاعتراف بحقوقهم، لا بل أنها  قد تكون بداية تضييق الخناق أكثر على باقي أجزاء كوردستان،  لأن الاستراتيجية الكوردية خاطئة من البداية و هم بعيدون كل البعد عن الاتجاه الصحيح للتحرر و نيل الحقوق و هم أختاروا الورقة الخاسرة ليس فقط الان او منذ الحرب العالمية الاولى بل أقدم منها بكثير. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *