مع إستمرار جولات التفاوض النووي بين طهران وواشنطن وإجراء الجولة الرابعة منها في مسقط، فإن التضارب في المواقف والتصريحات بين الجانبين في تزايد مستمر لکن مع الاخذ بنظر الاعتبار إن النظام الايراني يحاول جهد الامکان إطالة أمد المفاوضات وليس رفض المشارکة فيها عن طريق المراوغة والمطاولة ولاسيما وإنه يعلم جيدا بأن إنسحابه من طاولة التفاوض سيکون بمعنى قبوله بضرب مواقعه النووية وتدميرها بالکامل.
التصريحات الاخيرة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في الدوحة کشفت عن عمق التناقض بين اللغة الدبلوماسية التي يعتمدها النظام في المحافل الإقليمية، وبين الخطوط الحمراء التي يصر على تثبيتها في ملفه النووي. في المقابل، رفعت واشنطن سقف مطالبها عبر مبعوثها الخاص ستيف ويتكوف، ما يضع المفاوضات في مأزق خفي رغم استمرارها.
وفي الوقت الذي ألمح فيه عراقجي في تصريحات له بعد إنتهاء الجولة الرابعة من المفاوضات في مسقط الى إستعداد نظامه للتفاوض على نسبة تخصيب اليورانيوم وعلى کميته، فإنه وخلال مشاركته في ندوة حوارية في الدوحة يوم 10 مايو، تحدث عراقجي بلغة تصالحية تجاه دول المنطقة، مشددا على أن “الجمهورية الإسلامية تؤمن بشكل كامل بمبدأ الحوار على المستويين الداخلي والإقليمي”، مضيفا: “نحن نصر على تحقيق الوفاق الإقليمي” وتابع في تناقض واضح بين ما فعله ويفعله نظامه على الارض وبين ما يزعمه من نوايا حسنة:” نعتقد أن الطريق نحو مستقبل آمن ومستقر يمر فقط من خلال تعزيز خطاب قائم على الاحترام، التعايش، الفهم المتبادل، ومراعاة المصالح المشروعة لجميع الأطراف”.
والملفت للنظر، إن عراقجي وخلال الندوة المذکورة قد تغيرت لهجته عندما تناول ملف التفاوض النووي مع الولايات المتحدة حيث قال:” نحن لا نسعى إلى سلاح نووي، ولكننا نتمسك بحقنا في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما يشمل التخصيب”، مشيرا إلى أن “السلاح النووي لا مكان له في العقيدة الأمنية للجمهورية الإسلامية” وأضاف”إذا كان الهدف من المفاوضات هو ضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي، فهذا أمر محسوم، ولكن إذا كان الهدف هو حرماننا من حقوقنا النووية المشروعة، فإننا لن نتراجع عنها مطلقا”، لکن لا يبدو إن لکلام عراقجي هذا أي قبول أو رواج من جانب الاميرکيين إذ أن المبعوث الأميركي للشرق الاوسط ستيف ويتكوف، قد فجر مفاجأة مدوية في مقابلة مع موقع برايتبارت ، حيث قال: “يجب ألا يوجد أي برنامج تخصيب في إيران إطلاقا”. وأضاف بلهجة حاسمة: “نطنز، فوردو، وأصفهان… يجب أن تفكك بالكامل” موضحا أن”إيران مطالبة بخفض مستويات التخصيب فورا، وإرسال المواد النووية إلى الخارج، وتحويل برنامجها إلى مدني صرف”، وبطبيعة العال فإن وسائل إعلام النظام هاجمت هذا الموقف الاميرکي بقوة وبهذا السياق فقد کتبت صحيفة”کيهان” التابعة لخامنئي كتبت في افتتاحيتها: “الحل الوحيد هو وقف التفاوض حتى يقدم ترامب اعتذارا رسميا وينفي تصريحات مبعوثه”، أما صحيفة “جوان” التابعة لحرس النظام فوصفت الجولة الرابعة بـ”المفاوضات تحت التهديد”، وقالت: “أميركا جاءت من دون فريق فني، وتنتظر فقط جوابا بـ”نعم أو لا”… هذا ليس تفاوضا، بل ابتزاز”، لکن من المهم هنا الاستدراك بأن النظام الايراني لا يمتلك أوراقا کافية للعب بها من أجل التأثير على الموقف الاميرکي وإنه وفي کل الاحوال من يجب عليه أن يغير موقفه أو يتحمل العاقبة.