معنى عودة النظام السوري لعفرين والعراقي لكركوك-  بيار روباري

  بعد زوال خطرالمعسكر الشرقي “حلف وارسو” وإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم، رفع الغطاء عن الكثير من القضايا المسكوت عنها، ومنها قضية الشعب الكردي، الموزع على أربعة دول يحكمها أنظمة في غاية العنصرية والشوفينية وأكثرها دموية في العالم.

قبل ذلك كان هناك تعتيم كامل على القضية الكردية، والحديث عنها كان من المحرمات، وكل معسكر كان يتهم الكرد بالعمالة للمعسكر الأخر. ومع إنتهاء الحرب الباردة، وفوز الغرب بها، حدثت تغيرات هامة وكثيرة على صعيد السياسة العالمية، وحقوق الإنسان أحذت حيزآ أكبر من ذي قبل.

والكثير من الدول شهدت تغيرات كبيرة، فبعضها إنهارات كليآ وتفككت، وبعضها الأخر شهدت تغيرآ في أنظمتها السياسية الحاكمة مثل العراق. ومع تغير النظام العراقي جرى تغيير طفيف في موقف الدول الغربية الرئيسية تجاه الشعب الكردي، في هذا الجزء من كردستان، ولكنه ظل موقفآ ناقصآ وأنيآ. فمثلآ زاد الإهتمام الغربي بالكرد مجددآ بعد إهمال وتجاهل طويل، عندما دخلت قوات صدام حسين الكويت وإحتلتها. وبعد تحرير الكويت، أدار الغربيين ظهرهم للكرد، وتركوهم فريسة لقوات صدام الإجرامية، وكان نتيجته هروب أربعة ملايين كردي الى شمال وشرق كردستان، وسط أجواء شتوية جد قاسية.

هذا الوضع المأساوي دفع بالأمريكيين والبريطانيين، إلى إعلان منطقة حظر الطيران في شمال وجنوب العراق. وجعلها مناطق آمنة، لفسح المجال أمام أهالي المنطقة للعودة اليها. وإنتهى الموضوع عند هذا الحد، وأعتبروها قضية إنسانية، ولم ينظروا للموضوع على أنها قضية سياسية من الطراز الأول. وبقيا الحال هكذا إلى أن قررت إدارة بوش الإبن الإطاحة بصدام حسين. عندها عاد الإهتمام الغربي الموسمي بالكرد، الى الضوء من جديد. حيث التقت مصلحة الكرد والأمريكان، ألا وهو التخلص من طاغوت العصر صدام حسين، العدو المشترك للطرفين.

في هذا المرة تمكن الكرد من الحصول على حقوق مهمة، ومعترف بها دوليآ وكفلها الدستور العراقي الجديد. ولكن بقيا نظرت الغرب وتحديدآ امريكا الى القضية الكردية، قضية عراقية داخلية، وبقوا يتعاملون معهم على هذا الأساس، ووقفت امريكا ضد تسلم شخصية كردية رئاسة العراق، ولكنهم لم يفحلوا في ذلك. وكما ضغطوا على الكرد في مطلع تسعينات القرن الماضي، للإنسحاب من مدينة كركوك الغنية بالنفط بعد تحريرها من قبل البيشمركة.

وخلال السنوات الماضية ظلت أمريكا تفضل العراق العربي، على العراق الكردي.

وتجدد الإهتمام الغربي بالكرد في العراق مرة إخرى، بعد غزو تنظيم داعش لمدينة الموصل والأنبار وهروب الجيش العراقي من أمامه. ولكن هذا الإهتمام، لم يتجاوز حدود بعض راجيمات الصواريخ، ومدافع الهاون. هل شهدتم تسليم الكرد بالأسلحة ثقيلة، كالدبابات، والمدفعية بعيدة المدى، والطيران الحربي والهليكوبترات وغير ذلك؟؟ الجواب أبدآ.

لقد فسر بعض السياسيين الكرد ذوي العمامات الصفر والخضر والحمر، عن سذاجة أو عن غباء سياسي، بأن قتالهم ضد تنظيم داعش الإرهابي، وتوافد المسؤولين الغربيين الى هولير، ومديحهم لقوات البيشمركة، وإستقبالهم في الغرب، على أنه تغير جذري في الموقف الغربي من قضية الشعب الكردي العادلة. وثانيآ ظن هؤلاء سذاجة أنه بإمكانهم تطويع السياسية الأمريكية والغربية عمومآ لأهوائهم الشخصية، وهذه حماقة ما بعدها حماقة في عالم السياسة.

وتضخمت ذات الأنا عند البعض منهم، وظنوا أنهم باتوا مهمين، لدرجة أنه العالم كله تتمنى رضاهم ورهن إشارتهم!! يا له من غباء وجهل سياسي. وكان نتيجة هذا الغباء والجهل بحقيقة السياسات الدولية، إضافة للتفرد بالسلطة، وتحويل الإقليم الى مزرعتين، واحدة منها كبرى وغنية مخصصة لعائلة الملا مسعود قدس سره، والثانية أقل مساحةً وأقل خيرآ، مخصصة لعائلة الشيخ الماركسي جلال طالباني قدس سره، ضياع مدينة كركوك الكردستانية، مع أكثر من نصف مساحة الإقليم.

 

إن عودة النظام السوري إلى مدينة عفرين الكردية تحت أي مسمى من المسميات، ومن قبله عودة النظام العراقي الشيعي الى مدينة كركوك الكردستانية، لها مدلولات سياسية استراتيجية مهمة للغاية، وتتجاوزالعامل الذاتي الكردي على أهميته، وللأسف الشديد لم تستطيع أكثرية القيادات الكردية التقليدية منها، والمتأدلجة على حدٍ سواء إستيعابه. إن

عودة هذين النظامين العنصريين والطائفيين الى المناطق الكردية وفي فترة متقاربة جدآ، وفي بلدين من البلدان المحتلة الأربعة لكردستان يعني الكثير سياسيآ. وخاصة إذا علمنا إن عودتهم لم يكن مجرد قرارآ محليآ نابعآ من إرادة حكومة هذين البلدين، وإنما يقف خلفه القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وروسيا، ومعهم دول الإتحاد الأوروبي.

 

معنى هذا الكلام، أن موقف هذه الدول، لم يتغير موقفها من قضية الشعب الكردي، وما زالوا ينظرون إلى الأمر على أنه شأن داخلي خاص بكل دولة من الدول، التي يتواجد فيها الكرد، وعند الحاجة يستغلونها أسوأ إستغلال. فحتى قبل ثلاثة سنوات كان الغرب ومعهم الأمريكان يعتبرون حزب الإتحاد الديمقراطي حزبآ إرهابيآ، ويحلاقون مسؤوليه في دولهم، ويمنعون من دخول امريكا. وفجأةً تحالفت أمريكا معهم وباتوا من الكرد الجيدين، كل ذلك بسبب حاجتهم لمن يحارب داعش على الأرض، ويموت عوضآ عنهم في مواجهة هذا التنظيم المجرم. ورغم تحالفهم مع الكرد (المسلحين)، إلا أنهم رفضوا الإعتراف السياسي بالإدارة الذاتية والتعامل مع حزب (ب ي د)، وحصروا تعاملهم فقط في قوات الحماية الشعبية، أي أنهم لا يجدون في الكرد سوى ذنودهم وعضلاتهم. مع العلم أن الغرب وروسيا لم يكن يومآ من الأيام، إهتموا بالكرد في سوريا، فما بالكم بكرد تركيا وإيران!! وما أوردته كيفية تعامل امريكا والغرب مع الكرد، ينطبق نفس الشيئ على الروس إن لم يكن أكثر سوءً.

 

النتائج التي يمكننا إستخلاصها من هذه العودة، وبالشكل الذي تم هي:

 

النتيجة الإولى، التي يمكن الخروج بها مما حدث ويحدث، هو قصر النظر السياسي، الذي يعاني منه القيادات السياسية الكردية، في هذا الجزء من كردستان أو ذاك. وعدم إستيعابهما للسياسات الدولية وكيفية عملها، وجهلهم التام بالتاريخ والجغرافيا السياسية.

وبالتالي لا بد من البحث عن قيادات إخرى شابة وجديدة وغير مصابة بتلك الأمراض.

النتيجة الثانية، لا يجوز تقزيم القضية الكردية، وجعلها قضية عائلية وحزبية، وجزئية، وربطها بمصير الأشخاص. وهذا يحتاج إلى إنشاء أحزاب وتجمعات وطنية، ليست ملكآ لعائلة أو شخص بعينه. والكرد بحاجة أيضآ، إلى هيئة جامعة تشمل الأجزاء الأربعة من كردستان، وتتكلم باسم الكرد كشعب واحد.

النتيجة الثالثة، أن جزء لا يمكن بمفرد النهموض بالإمة الكردية، وبالتالي على الكرد أن يتعاونوا معآ، لصد العدوان عن أنفسهم، وكي لا ينفرد الأعداء بكل جزء لوحده.

النتيجة الرابعة، إن الإرتماء في حضن إحدى الدول الأربعة المحتلة لكردستان، لا يخدم أحد سوى أعداء الكرد. وخير دليل على ذلك تجربة عائلة البرزاني مع تركيا العثمانية والأتاتوركية وإيران في عهد الشاه. وتجربة حزب العمال الكردستاني في عهد اوجلان مع النظام الأسدي.

النتيجة الخامسة، عدم الإنخراط في أي صراع إقليمي طائفي كان أو مذهبي، لا ناقة للكرد فيه ولا جمل.

النتيجة السادسة، عدم الثقة بأي طرف إقليمي ودولي مهما كان، والإعتماد على القوة الذاتية، والإستفادة من أي ظرف يستجد في المنطقة والعالم، وإستغلاله لمصلحة الشعب الكردي.

النتيجة السابعة، الإهتمام بتصنيع الصواريخ والمدافع والذخائر، بشكل جدي وإعطاء ذلك الأولولية القصوى في عملها اليومي. من دون سلاح قوي يردع الأعداء، لا مكان للكرد تحت الشمس.

النتيجة الثامنة، الكرد بحاجة إلى إعلام حر وله سياسة وطنية، وغير ملحق بالأحزاب السياسية الكردي. فالإعلام الكردي الحالي، من قنوات تلفزيونية، وجرائد ومجلات كلها أبواق للتطبيل والتزمير لهذا الحزب ورئيسه، أو ذاك.

النتيجة التاسعة، لا قيام للكرد من توحيد الصف الكردي الوطني، وفرزه عن العملاء والخونة وما أكثرهم.

 

في الختام، الكرد بحاجة إلى مراجعة شاملة وعلى كافة الأصعدة، فهل من مجيب؟

24 – 02 – 2018