أمريكا وفوبيا الحشد.. ومعادلة الإرهاب الفضفاضة- علي فضل الله الزبيدي

من الإشكالات التي تسجل، على المؤسسة الأممية، إنه لم يتم تبيان مفردة ( الأرهاب)، بالشكل الدقيق المقنن، حتى لا يصار إلى إستغلال هذه المفردة، من بعض الدول الكبرى، ولكن الدول العظمى بنفس الوقت هي من تسيطر، على قرارات ومجريات عمل جمعية الأمم المتحدة، ثم إن موضوعة الإرهاب، ظهرت على السطح عند بدأ الألفية الثالثة، وقتها وكأن العالم ذهب للقطبية الأمريكية الأحادية، نتيجة إنهيار الإتحاد السوفيتي، حيث أخذت تتزايد الأطماع الأمريكية، بالسيطرة على العالم، والتفرد بقيادة المجتمع الدولي، نتيجة تعاظم مقدراتها الإقتصادية والعسكرية والتكنلوجية، مع تغير موازين القوى العالمية، وبروز القطبية الأمريكية.

وبعد عام 2000 أخذت أمريكا، بطرح أستراتيجية خطيرة جدا”، (إستراتيجية الضربة الوقائية)، القائمة على فرضية (العدو المحتمل)، والتي تعتمد في تطبيقها، على عنصري مفاجئة العدو المحتمل دون الحاجة لما يثبت عدوانيته، وتدمير خزينه الستراتيجي من أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة البايلوجية والكيميائية والنووية، بالمناسبة يقف وراء هذه الإستراتيجية الخطيرة، مدير (CIA) جورج تينت، والتي قدمها للكونغرس الأمريكي، ثم أقرت مسارا” للسياسة الخارجية الأمريكية عام 2002،  الخطير في هذه الأسترتيجية، هو تفرد أمريكا بإعلان الحرب، على أية دولة أو منظمة، دون الرجوع لمجلس الأمن، وإعلان العدو وفق ما يراه الأمريكان، وليس وفق رؤية القوانين الدولية، المتفق عليها من قبل شخوص المجتع الدولي، لغرض الإستفراد بقيادة المجتمع الدولي.

فكانت الحرب التي شنتها، أمريكا على العراق عام 2003، خير مثال لهذه الإستراتيجية العدوانية، وفي ذلك الوقت فإن الولايات المتحدة الأمريكية، أدارت ظهرها لجمعية الأمم المتحدة، وكل المجتمع الدولي، عدى بعض الدول التي دخلت ضمن تحالف العدوان الأمريكي، بحجة إمتلاك العراق أسلحة كيميائية، تبين فيما بعد إنها مجرد ذريعة واهية، حتى يصار من خلالها، إلى إقناع الرأي العام الأمريكي والعالمي، فأرتكبوا غشا” وتدليسا” في تقديم الحقائق، فإسقاط صدام ونظامه كان كذبة، والغرض الحقيقي هو الدخول للعراق، لتحقيق أكثر من مبتغى، منها السيطرة على الخزين النفطي وكثير من الثروات الطبيعية، وبناء قواعد عسكرية، وجعل العراق ساحة رخوة، لجر إيران والسعودية، لحرب إستنزاف كبيرة، إذن الحضارة الأمريكية المراد عولمتها، ظاهرها مبني على إحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، ولكن جوهرها قائم على إبادة البشرية، لتحقيق المصالح الأمريكية.

ثم إن سياسة الفوضى الخلاقة، التي جيء بها للعراق، لم تنجح إلا في أنتاج فوضى عارمة في العراق، فالمشهد الأمني العراقي أصبح خارج سيطرة الأمريكان، وعلى أثره غادرت العراق، عبر الإتفاقية الأمنية الإستراتيجية، لتأخذ وقت مستقطع، تعيد من خلاله إعادة السيطرة، وتوجيه المشهد السياسي العراقي، بما تشتهي أمريكا، فأعدت الظروف التي تساعدها للعودة للعراق، وهذه المرة عبر بوابة دولة الخرافة داعش، فهجمت على العراق ألأف البهائم البشرية، حيث جيئ بهم من كل أنحاء الأرض، عبر تعاون عدة دول، فكانت الأراضي التركية هي قاعدة الإنطلاق، بوجود المال الخليجي، وتوفير الدعم اللوجستي والمعلوماتي، من قبل إسرائيل وأمريكا ودول غربية كثيرة، فنجحت تلك المجاميع الإرهابية، بالسيطرة على أغلبية الأراضي السورية، ثم الأنتقال للعراق وإسقاط خمسة محافظات، حتى وصلوا إلى أطراف بغداد وشارفوا على إسقاطها، وقتها الحليف الستراتيجي الأمريكي، كان يقف موقف المتفرج، إن لم يكن داعما” لداعش.

فحسبت أمريكا وحلفائها، إن العراق أصبح جاهزا”،  للفصال الصهيو_أمريكي، وما عجزت عنه أمريكا بسنوات، بات قاب قوسين أو أدنى، أن يتحقق الحلم الصهيو__أمريكي، ثم جاء ما لا يحمد عقباه بالنسبة للأمريكان، ومرة أخرى يفاجئون، بتدخل المرجعية الدينية في اللحظة الأخيرة، فجاءت فتوى الجهاد بمثابة الصاعقة، حين هبت جموع الحشد الشعبي من المتطوعين، لتلبي نداء المرجعية، فكانت مهام الحشد وحسب المراحل الزمنية:

1_ صد التمدد الداعشي على الأراضي العراقية.

2_ إيقاف إنكسار المؤسسة العسكرية والأمنية.

3_ تعويض القيادات العسكرية والأمنية، التي تركت أماكنها، بقيادات تمتلك من العقيدة   والإيمان، ما يجعلها تثبت أمام أي تحدي، وهذا الأمر من أهم ما أنتجته الفتوى.

4_ نسفت مشروع تقسيم العراق وإضعافه، وأعادت الهيبة للحكومة العراقية، بل وبسطت سيادتها على جميع الأرض العراقية.

إن من أفشل المخططات الأمريكية في العراق، هي المرجعية الدينية وإيران، ولكن هنالك فرق بين الحالتين، فالمرجعية الدينية تريد أن ترى في العراق، حكومة قوية عادلة، بينما أيران تطمح لتحقيق مصالحها القومية، والأمريكان يدركون ذلك، ولكن الأمريكان أيضا”، يدركون إن تاثيرالمرجعية يكمن في البعد المعنوي، حيث تستطيع أن توجه الشارع العراقي، بإتجاه أي أمر تراه يدعم بناء الدولة العراقية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أما إيران هي من تقف وراء الدعم اللوجستي، فوقفت مع العراق في أحنك الظروف، بعد أن تخلى عنه الجميع، بل كان غالبية الدول تدعم الإرهاب، أما الحشد المقدس فكان ذراع المرجعية الضارب، فلولاه لكان العراق بل المنطقة في خبر كان، فأستمد الحشد دعمه المعنوي من المرجعية وفتواها، أما دعمه اللوجستي فكان لإيران، الدور الأكبر، ولكن عبر المظلة الحكومية، فترجم الحشد نظرية الفتوى، إلى إنتصارات افرحت الأصدقاء وإن قلوا، وأغاضت الإعداء رغم كثرتهم .

يبدو إن ترامب وفريقه بل الساسة الأمريكان برمتهم، قد إنغاض من الذين أفشلوا مخططات التقسيم، وهم رجالات الحشد، الذين قضوا عسكريا”، على وحوش العصر بل التأريخ، ما يسمون بالدواعش ودولة خرافتهم، فداعش جسدت أبشع صور الإرهاب، من قتل وسفك دماء وسبيا” للنساء وتهجير، والسيطرة على كل المقدارات الإقتصادية والمالية، لكل مكان يتمكنوا منه، فكان الحشد وقياداته، هو القوة التي قهرت تلك الوحوش الكاسرة،، ومن يقف ورائها من دول ومنظمات، بعد أن غدى الإرهاب دولة، تهدد كل السلم الدولي، فعجزت جيوش الدول العظمى، وإن لم تعجز عن دحر داعش وذلك الأصدق، فإنها دفعت بتلك الشراذم، نعم! من ذلك ندرك من يقف وراء صناعة الإرهاب! ولماذا تتهم أمريكا قادة الحشد بالإرهاب؟ تثبت لنا إن تعريف الإرهاب، في القاموس الأمريكي، يختلف عن معناه الحقيقي، بل وإن أمريكا هي من صنعت الإرهاب، لتغزو العالم من خلاله، عبر سياسة الحرب بالوكالة، ونظرية العدو المحتمل.