القتل الرحيم- غزوان البلداوي

تسمى منطقة الحكم الذاتي ما قبل ٢٠٠٣، وإقليم كردستان ما بعد التاريخ ذاته، وأرادوا تسميتها بالدولة الكردية في الـ ٢٠١٧، وهذا حلم كل كردي في المنطقة، نعم انه حُلُم لكن الأحلام تنتهي عند اليقظة، لتبقى تجوب الذاكرة بين الفترة والأخرى، وبعض الأحيان تتبدد لإستحالة تحققها، فهل أصبح الحلم بالدولة الكردية من المحال؟ أم انه سيتحقق في وقتٍ ما؟.

كنت اتابع الصحف والمواقع الإليكترونية، التي تهتم بالشأن الكردي، أبان فترة الإستفتاء، فمررت في الكثير من المواقع فرأيت تصريح للسفير الروسي في العراق (ماكسيم ماكسيموف)، ما ينقله عن السفير الأمريكي في العراق (دوغلاس سيليمان)، محذراً فيه الرئيس (مسعود البارزاني)، من مخطط اعده (حيدر العبادي) و (عمار الحكيم)، لتصفيته وابعاده بشكل نهائي عن الساحة السياسية، بالتعاون مع شخصيات كوردية معارضة له، وقال سيليمان لكاكة مسعود “ان سياسة العبادي وداعمه الرئيسي عمار الحكيم تعتمد نظرية (القتل الرحيم) التي انتهجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التعامل مع ملف انفصال الشيشان عام 1990 “.


عندما قرأت ذلك التصريح توقفت قليلاً، وقلت في نفسي ان هذا الامر بعيد عن الواقع، وفيه شيء من المبالغة، فمسعود بارزاني يمتلك من القوة مالم يمتلكها غيره، كـ (العبادي والحكيم)، فالدول العظمى تدعمه علناً، وأهمها إسرائيل وأميركا ناهية عن الدعم الأوربي، ولديه قوة اقتصادية لا يستهان بها، فالـ ١٧٪ سنوياً، من ميزانية الحكومة الإتحادية، مع الأموال التي يستحصلها من بيع النفط تقدر ما بين (٧٠٠-٨٠٠) الف برميل يومياً، وعدد من المنافذ الحدودية الرئيسيّة, والمطارات والسياحة وغيرها من الموارد المالية والاقتصادية, كفيلة بإنشاء دولة جديدة تبدأ من الصفر، بالإضافة لما لديهم القوة العسكرية المتمثلة بـ(البيشمركة), التي عزز قوتها بأسلحة ومعدّات القوات الأمنية المنهزمة من المحافظات الغربية في منتصف٢٠١٤، إذن فهو لديه ما يكفي من القوة الإقتصادية والعسكرية والدعم الدولي.


لكن الأمر لم يكن مبالغاً فيه، فذوبان تلك القوّة ما بعد الإستفتاء مباشرةً، وكأنها كانت من الخيال ولا وجود لها، دليل على نجاح الحليفين (العبادي والحكيم)، في قلب الطاولة على البارزاني، وكسب التأييد الدولي لصالحهما، أدى الى وضع البارزاني على سرير الموت السياسي، وطبقوا فيه نظرية (القتل الرحيم) التي عبر عنها (دوغلاس سيليمان)، فانكسرت قوته وانهارت، حتى اضحى من لم يستطيع ان يمسه بكلمة سوء، يحرق مكاتبه السياسية ومقراته الحزبية! ليشتعل فتيل المظاهرات المناهضة للبارزاني وحزبه السلطوي، لتسير الأمور الى ابعد من هذا الحد! ليصل بها الحال لمطالبة مسعود بحل الحكومة، وترك الامر للشعب الكردي يقرر مصيره!.


طمع (مسعود بارزاني), وبعض ساسة الكرد هو من أوصلهم لما هم عليه الْيَوْمَ، فلقد كانوا اصحاب حكم ذاتي، أي أشبه بدولة مستقلة أبان حكم (صدام)، وكان بإمكانهم ان يقرروا الانعزال والإستقلال عن الدولة العراقية بعد السقوط، لكن طمعهم بالتوسع على غير حدودهم, وشهيتهم المفتوحة على نهب ثروات العراق، أفقدتهم قرارهم الصائب، وأضعفتهم الى درجة لن يتوقعها احد، الى درجة جعلت الشعب الكردي يطالب الحكومة الإتحادية بالسيطرة على إدارة حكومة الإقليم، ليتخلصوا من دكتاتورية البارزاني وهيمنت حزبه على مقدراتهم وأرزاقهم.

 

استغلت الاحزاب والحركات السياسية الكردية، المعارضة لسياسة (حزبي الطالباني والبرزاني)الوضع الراهن في الاقليم وضعف حكومتهم، لتثير الفوضى والمشاكل في داخل ، من اجل الحصول على المزيد من  المكاسب السياسية، واخذ مكانتهم في التحالفات مع الاحزاب والحركات الاخرى، فلم يمهلهم (مسعود بارزاني) الوقت الكافي، حتى  كشر عن انيابه وأظهر مخالبه، وبدأ بقمع الشعب الكردي، الذي اضحى لا يمتلك قوت يومه، وراح يهدد خصومه السّياسيين، واختطافهم في وضح النهار، كما حدث مع (شاسوار عبد الواحد) رئيس حزب الجيل الجديد، واعتقال عضو برلمان الإقليم (رابون معروف) وهي محاولات تصفيته وقمع للمعارضين والناشطين، ويشهد الإقليم احتقاناً شديداً ينذر بانفجار الوضع الداخلي، بعد استقالة رئيس البرلمان الكردي، هكذا يكون الحال عندما تكون الأحلام بعيدة عن الواقع الإفتراضي، ليصبح تحقيقها محالاً في مثل تلك الأوضاع الراهنة.

غزوان مطفى البلداوي/ كاتب في المقال مواليد 1975/ دبلوم اعلام/ ايميل