يتصور بعض الناس إن كل العراقيين وتحديداً كل شيعة العراق هم موالون لحكم الملالي في إيران، وهذا تصور واهم ومغلوط ن كما يتصور بعض الناس إن الحراك الرافض للتواجد والتدخل الإيراني في الشأن العراقي محصوراً في التيار الصدري – مقتدى الصدر وأتباعه – وهذا التصور تشوبه الضبابية وهو مغلوط أيضاً، فعند تتبع الأحداث الأمنية والسياسية في العراق وتحديداً منذ عام 2003 لم نجد أي موقف من مقتدى الصدر أو أتباعه يندد بالتغول الإيراني في العراق، بل العكس تماماً حيث كنت إيران هي الحاضنة لقيادات جيش المهدي وهي الممول الرئيس لهذه المليشيا من حيث العدة والتدريب والأموال.
لكن الخط الصدري ومن اللحظات الأولى لسقوط النظام السابق كان رافضاً للتدخل الخارجي وللإحتلال هذا عندما كان رجل الدين محمود الحسني الصرخي معروفاً بأنه الزعيم الأوحد و الأبرز للتيار الصدري، في الوقت الذي لم تكن هناك أي قيادة شيعية أخرى تبنت قيادة هذا التيار – الصدري – حيث تصادم مع قوات الإحتلال لأكثر من مرة وكان له موقفاً مسانداً في معركة النجف وكان أتباع الصرخي هم أول من أقتحم السفارة الإيرانية في البصرة وأضرموا النار فيها وأنزلوا العلم الإيراني ورفعوا العلم العراقي وهم أول من طالب بإرجاع أبار فكة النفطية التي تقبع تحت هيمنة القوات الإيرانية في محافظة ميسان جنوب العراق.
وكذلك أصدر رجل الدين العراقي محمود الحسني الصرخي عدة بيانات ومواقف بين فيها رفضه القاطع للتدخل والإحتلال الإيراني حتى رفع عنوان ( المرجعية العراقية العربية ) في محاولة منه لوضع حد فاصل بين المرجعيات التي تدين بالولاء لإيران وبين المرجعيات العربية ومن أجل تحرير الحوزة العلمية من هيمنة الأعاجم وسعى بكل جهد لتعريب الحوزة العلمية في النجف سيراً على نهج السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر والد السيد مقتدى الصدر، وتوالت مواقف رجل الدين الصرخي الرافضة للتدخل الإيراني حتى إنه صرح في إحدى محاضراته بشكل يحمل عنوان النصيحة والتحذير للسياسيين الموالين لإيران قائلاً ( إيران حصان خاسر ومن يراهن عليها فهو أغبى الأغبياء ) بالإضافة إلى العديد من المواقف التي تدعوا إلى وحدة الشعب العراقي ونبذ الطائفية وجعل عنوان العراق والعراقية هو العنوان الأشمل بعيداً عن أي ميل قومي أو ديني أو طائفي أو مذهبي أو عرقي بالإضافة إلى رفضه أسلوب ومنهج سب الخلفاء والصحابة الذي تتخذه إيران في تأجيج الحرب الطائفية في العراق وغيره من الدول، حتى وصل الأمر بأن تحرك إيران أذرعها السياسية والمليشياوية نحو بيت رجل الدين الصرخي في كربلاء وتقتل أتباعه وتمثل بجثثهم وتقصف بيته بالطائرات ذلك في صيف 2014 في الثاني من تموز بعدما أحست بأن صوته بدا مسموعاً في الوسط العراقي والعربي.
وبعد تلك الأحداث بدأ مقتدى الصدر يكمل ما بدأه الصرخي في حالة تشبه بتقليد أو استنساخ حراك الصرخي أو شيء يوحي بأنه هناك اتفاق بينه وبين الصرخي في رفض التدخل الخارجي الإيراني لكن ليس بقوة وجرأة طرح الصرخي وإنما بطريقة خجولة، حيث يخرج أتباع مقتدى الصدر يطالبون بخروج إيران بالعراق ويظهر هو على الإعلام يقلل من حدت تصريحات أتباعه ويقول نحن نرفض التدخلات الخارجية ولا نقصد دولة دون أخرى ونعمل على الإنفتاح مع الجميع وخصوصا الدول المجاورة وهكذا استمر السيد مقتدى الصدر في تحركه حتى انفتحت علاقاته مع دول الجوار العربية كالسعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين الأردن حتى وصفه بعضهم بأنه الرجل الذي أعاد العراق إلى الحاضنة العربية ووصفه بعضهم بأنه الزعيم العراقي العربي والقائد العراقي والعديد من الألقاب التي جعلت منه يتصدر المشهد السياسي العراقي.
لكن بصرف النظر عما إذا كانت خطوات السيد مقتدى الصدر هي تتمة لموقف رجل الدين محمود الحسني الصرخي ناتجة عن إتفاق بينهما وخصوصاً إن الصرخي هو أبرز طلبة الشهيد الصدر والد السيد مقتدى أو أن مقتدى أحس بخسارة الرهان على إيران كما قالها الصرخي لذلك بدأ يتفلت من تبعيتها ورفض تدخلها أو إن مقتدى الصدر أستنسخ حراك الصرخي في رفض التدخل الإيراني والسعي لإرجاع العراق إلى أحضان الوطن العربي، فبغض النظر عن ذلك كله نقول إن الفكر العربي العراقي الواعي ضرب التغول الإيراني في العراق بالصميم حتى بدأنا نشاهده يلفظ أنفاسه الأخيرة التي ضيق عليها البيت الأبيض الأمريكي بقراراته الأخيرة.